حركة يسارية ألمانية جديدة ردا على المد اليميني الشعبوي
٤ سبتمبر ٢٠١٨
بعد مخاض دام أسابيع عديدة، رأت حركة يسارية جديدة عابرة للأحزاب النور اليوم الثلاثاء بعد أن اعلنت مؤسستها سارة فاغنكنيشت عن تأسيسها مشيرة إلى ان أكثر من 100 ألف شخص قد انضموا إلى الحركة عبر الانترنت لحد الآن.
إعلان
بعد عقد عزمها تشكيل حركة يسارية عابرة للأحزاب التقليدية في المشهد اليساري الألماني قبل اشهر عديدة، شهدت العاصمة الألمانية برلين اليوم الثلاثاء(الرابع من أيلول / سبتمبر 2018) الإعلان عن ولادة حركة يسارية جديدة تحت اسم "أنهضوا"، حسب ما صرحت به مؤسسة الحركة ورئيسة كتلة حزب اليسار في البرلمان الألماني سارة فاغنكنيشت.
وقالت فاغنكنيشت إن الحركة الجديدة ليست حزبا سياسيا بهيكلية حزب تقليدي، وانما حركة عابرة للأحزاب تهدف إلى تحقيق أجندات يسارية مختلفة منها تقليص الفوارق الاجتماعية بين الاغنياء والفقراء ومنها مواجهة الحركات اليمينية المتطرفة التي باتت تشكل خطرا على النظام الديمقراطي من خلال تهديدها لدولة القانون ومعاداة الأجانب.
وأضافت فاغنكنيشت أن الحركة تحظى بدعم أكثر من 100 ألف شخص منذ إطلاق دعوتها لتأسيسها قبل شهر الذي عبروا عن وقوفهم مع أهداف الحركة عبر الانترنت. وحسب فاغنكنيشت، فإن الحركة الجديدة تشكل منبرا للقوى السياسية اليسارية بهدف الوصول إلى أغلبية يسارية قادرة على تشكيل حكومة اتحادية في البلاد.
وقالت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب "اليسار" الألماني وصاحبة المبادرة، سارا فاغنكنيشت، اليوم الثلاثاء خلال الإطلاق الرسمي للحركة أن 101741 شخصا سجلوا انضمامهم للحركة على الإنترنت منذ مطلع آب / أغسطس الماضي. وأضافت فاغنكنيشت أن هذا العدد يفوق التوقعات، وقالت: "أنا منبهرة حقا من عدد الأشخاص الذين سجلوا أنفسهم في الحركة".
وذكرت فاغنكنيشت أن السبب الرئيسي لتأسيس الحركة هو وجود "أزمة ملموسة في الديمقراطية" بألمانيا، مضيفة أنه إذا لم يتم مواجهة ذلك، "لن يكون بالإمكان التعرف على هذه الدولة مجددا في غضون خمسة أو عشرة أعوام".
هل تعتبر كيمنيتس وساكسونيا معقل اليمين المتطرف في ألمانيا؟
03:33
وتسعى فاغنكنيشت وزوجها، زعيم الحزب السابق أوسكار لافونتينه، عبر هذه الحركة إلى الوصول للناخبين اليساريين، الذين عزفوا عن الأحزاب التقليدية. ويشارك في تأسيس الحركة عمدة مدينة فلينزبورغ، زيمونه لانغه المنتمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، والرئيس الأسبق لحزب الخضر، لودغر فولمر، إلى جانب الكاتب الألماني بيرند شتيغمان.
وينظر قادة أحزاب "اليسار" والاشتراكي الديمقراطي والخضر، وهي الأحزاب اليسارية التقليدية، بتشكك إزاء الحركة الجديدة، حيث يخشون من أن تؤدي إلى انقسام اليسار السياسي أكثر مما هو عليه الآن.
وتخاطب هذه الحركة الجديدة أنصار اليسار والحزب الاشتراكي الديموقراطي والخضر، وجيعهم من الذين خابت آمالهم بعد 13 عاما من حكم المستشارة أنغيلا ميركل، فاتجهوا إلى اليمين المتطرف أو باتوا يقاطعون الانتخابات. والهدف النهائي هو تشكيل "غالبية سياسية جديدة وحكومة جديدة ذات جدول أعمال اجتماعي"، على ما أوضحت فاغنكنيشت، وهي شخصية معروفة ومثيرة للجدل على غرار زوجها أوسكار لافونتين الوزير السابق من الحزب الاشتراكي الديموقراطي والذي ساهم في تأسيس "دي لينكه".
وتبدو الظروف مؤاتية لمثل هذا التحرك، إذ بات الألمان يضعون المواضيع الاجتماعية في طليعة مطالبهم إلى جانب سياسة الهجرة، بحسب ما كشف استطلاع للرأي أجرته مؤخرا شبكة "آ أر دي" التلفزيونية. كما كتبت مجلة شبيغل المرموقة تقول إنه بات ضروريا وجود حركة يسارية قوية لمواجهة صعود اليمين المتطرف المتمثل بحزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للأجانب والمسلمين والمنتقد بشدة للاتحاد الأوروبي.
ح.ع.ح/ح.ز(د.ب.أ/أ.ف.ب)
كيف تحولت مدينة كارل ماركس السابقة إلى مسرح للتطرف اليميني؟
شهدت كيمنتس تحولا كبيرا منذ إعادة توحيد ألمانيا بدءًا بعودة اسمها الأصلي إلا أنها أمست رمزا للخوف على ديمقراطية ألمانيا وانقسام المجتمع بعدما وقعت جريمة قتل لرجل ألماني، يشتبه أن مرتكبيها هما اثنان من طالبي اللجوء العرب.
صورة من: Secunda-Vista/Fotolia.com
ثالث أكبر مدن ساكسونيا
بمساحتها البالغة نحو 220 كيلومترا مربعا وعدد سكانها البالغ نحو ربع مليون نسمة، تعد مدينة كيمنتس بعد مدينتي دريسدن ولايبزيغ الشهيرتين، ثالث أكبر مدن ولاية ساكسونيا بأقصى شرق وسط ألمانيا. وكانت واحدة من أهم مدن الصناعة في ألمانيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
صورة من: picture-alliance/dpa
تغيير الاسم على طريقة السوفييت
اسمها جاء من نهر كيمنتس الذي يمر بها، وبنهاية الحرب العالمية الثانية تدمر نحو 90 في المائة من قلب المدينة. ومن عام 1953 وحتى 1990 في فترة ما عرف بـ"ألمانيا الشرقية" تحول اسمها لـ"مدينة كارل ماركس"، على غرار ما كان الاتحاد السوفيتي السابق يفعله من إعادة لتسمية المدن مثل ستالينغراد (فولغوغراد حاليا) ولينينغراد (سانت بطرسبرغ).
صورة من: imago/ecomedia/robert fishman
مشاهد من عصر النازية
كان برلمان كيمنتس من أوئل البرلمانات، التي سيطر عليها النازيون خلال حقبتهم، ما غير الوجه الثقافي للمدينة. وجرى اضطهاد اليهود ومصادرة أملاكهم، وحرق معابدهم في "ليلة الكريستال". ومن لم يهرب منهم خارج كيمنتس تم ترحيله أو إرساله إلى مراكز الاعتقال.
صورة من: picture alliance
تأثير سوفيتي كبير
بعد الحرب العالمية الثانية أصبح النفوذ السوفيتي واضحا في كيمنتس سواء من الناحية العسكرية أو المالية أو التعدين أو حتى الثقافة. وفي فترة الستينات كانت هناك حركة عمران كبرى. وفي السبعينات نالت شهرة في المسرح والرياضة مثل التزلج الفني على الجليد ورياضات الدرجات والسباحة ورفع الأثقال.
صورة من: picture-alliance/ ZB
مصاعب ما بعد الوحدة
رغم آلاف الشركات التي أُنشئت في كيمنتس بعد الوحدة الألمانية منذ 1990 إلا أن ذلك لم يخف لسنوات طويلة ما يعانيه السكان من بطالة. غير أن نسبة البطالة بدأت في التحسن فوصلت إلى 13 في المائة عام 2013 لتصبح الآن أقل من 8 في المائة عام 2018.
صورة من: picture-alliance/ZB
جريمة قتل تفسح الطريق لليمين المتطرف
مثل غيرها من مدن ولايات شرق ألمانيا وجد اليمين المتطرف نفسه في كيمنتس، رغم أن أعضاء حزب البديل الشعبوي والحزب القومي (النازيون الجدد) في برلمان المدينة هم أربعة فقط من بين 60 عضوا. غير أنه في ليلة السبت/ على الأحد (26 أغسطس/ آب 2018) ظهر اليمين المتطرف بقوة إثر مقتل رجل ألماني عمره 35 عاما، خلال احتفالات المدينة.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Prautzsch
الاحتشاد أمام كارل ماركس
صدر أمر باعتقال اثنين مشتبه بهما في قتله، أحدهما سوري عمره 23 عاما، والآخر عراقي عمره 22 عاما، يفترض أنهما وجها للرجل الألماني عدة طعنات. وبعدما انتشر خبر مقتله وقعت مظاهرات بعد ظهر الإثنين في قلب مدينة كيمنتس، واحتشدت مجموعات من اليمين المتطرف حول تمثال كارل ماركس.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Andersen
صراع اليمين واليسار وهجوم على أجانب
بالتزامن مع ذلك تكونت مظاهرة مضادة من قبل الأحزاب اليسارية في نفس المكان، مما حتم تدخل الشرطة لمنع وقوع الصدام. وقام أشخاص من اليمين المتطرف بمهاجمة أجانب في كيمنتس. وفي المساء بدأت المظاهرات تهدأ بعدما أسفرت عن جرح ستة أشخاص، وتقول الشرطة إن عدد المشاركين في المظاهرات جاء أكبر من توقعاتها بكثير.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Seidel
"غير قابل للانقسام"
أظهرت تلك الأحداث مدى المخاطر التي تحدق بالديمقراطية والتعددية في ألمانيا، وتحدث سياسيون ومشاهير عن قلقهم من الانقسام، وأُعلن عن تنظيم مبادرة "غير قابل للانقسام" (unteilbar#)، من أجل التظاهر في برلين في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، ضد الإقصاء وتأييداً لمجتمع ألماني منفتح. وستكون هناك في نفس اليوم مظاهرات في عواصم أوروبية أخرى ضد النزعة القومية. إعداد: صلاح شرارة.