1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حرية الصحافة في مصر تحت المجهر

دويتشه فيله - سمر كرم٣٠ مايو ٢٠٠٦

الحكومة المصرية ترفع راية الإصلاح من الداخل منذ مدة، غير أن القمع الشديد لتظاهرات دعاة التغيير السلمية يثير علامات استفهام كثيرة حول مدى جديتها في ذلك. القمع امتد في الفترة الأخيرة ليشمل الصحافيين الذين يغطون الأحداث.

مصر ترفع شعار: ممنوع الاقتراب أو التصوير خاصة للصحفيينصورة من: picture-alliance / dpa

منذ سنوات يطالب الصحفيون في مصر بإلغاء أحكام الحبس في قضايا السب والقذف، وأن يتم الاكتفاء في مثل هذه القضايا بالغرامة. فهذا القانون الذي يهدد الصحفيين بالحبس، يعد قمعاً لحريتهم، وتكبيلاً لتعبيرهم الحر ونقدهم للفساد، لكن حبس الصحافيين المصريين على ذمة قضايا النشر لم يتوقف. وحكم مؤخراً على أحد صحفيي "المصري اليوم" إحدى الصحف المصرية المستقلة، بالحبس سنة مع الغرامة لاثنين من زملائه لنشرهم خبراً اعتبره وزير الإسكان المصري السابق محمد إبراهيم سليمان تشهيراً به. وينص قانون الصحافة الصادر في عام 1996 على فرض عقوبات بالسجن لمدة سنتين لمن يدان بتهمة التشهير، وتهمة السب والقذف ليست التهمة الوحيدة فالقانون الجنائي يمكن استخدامه لسجن الصحفيين بتهمة "انتهاك الأخلاق العامة" أو"الإضرار بالمصلحة العامة" دون تحديد لما تعنيه هذه "المصلحة العامة أو"إذاعة أخبار كاذبة من شأنها تعكير الصفو العام" وهي التهمة التي اعتقل بسببها الصحفي حسين عبد الغني، رئيس مكتب قناة الجزيرة بالقاهرة لتغطية أخبار التفجير الإرهابي في "دهب" بسيناء برغم من تكذيبه الخبر في اليوم التالي للإذاعة. وبحسب ما ذكره عضو نقابة الصحفيين المصريين جمال فهمي في حديثه لموقع الجزيرة، فإن اعتقال عبد الغني " كان أشبه بعملية اختطاف حيث قام عدد من رجال الأمن الذين يرتدون الزي المدني باعتقاله وهو بالملابس الرياضية دون أن يبرزوا أي وثيقة تشير إلى هويتهم الرسمية، ومنعوه من الاتصال بزملائه أو أسرته ". وتضاف إلى هذه التهم تهم الخيانة والعمالة الأجنبية وتشويه صورة مصر وغيرها من التهم التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من القمع للحريات، ومما يزيد من القمع هي أن هؤلاء الصحفيون يسجنون وسط مجرمين جنائيين كنوع من الإذلال، وليس مع المعتقلين السياسيين أو المفكرين. لكن المدهش في الأمر هو أن هؤلاء المجرمين أبدوا تعاطفاًُ مع ضحايا حرية الفكر لم تتوقعه الحكومة، كما شهد بعض من تعرضوا للاعتقال.

من يحمي العاملين في "السلطة الرابعة"؟

اعتقال الصحفيين بسبب حرية الكلمة مازال قانونياصورة من: AP

"مصر من أعداء الصحافة" ليس مجرد قولاً مجرداً، لكن مصر كانت ضمن لائحة الدول المجحفة في حق الصحافيين التي تصدر سنوياً عن "لجنة حماية حقوق الصحافيين protect journalist comittee CPJ". ومن بين ما جاء في تقرير اللجنة: "تعرضت حرية الصحافة في مصر إلى ثلاث ضربات في العام 2005 في البرلمان والمحاكم وفي في الشارع" وانتقد التقرير عدم التزام الرئيس حسني مبارك بوعوده التي قطعها خلال العام 2004 بسن تشريعات تزيل الصفة الجنائية عن المخالفات الصحفية. هذا بالإضافة إلى قرارات منع الصحف وإغلاقها والتضييق على عمل الصحفيين. وتعلق مراسلة إذاعتنا في القاهرة سمر أبو الفتوح على هذا الأمر قائلة: "المشكلة هي أنه لا توجد أي جهة تحمينا بشكل عملي: من ناحية، نحن لسنا منتمين لنقابة الصحفيين لأن الانضمام إليها مقصور على العاملين في مجال الصحافة المكتوبة، أما العاملين بالإذاعة أو بالصحافة المرئية، فلا توجد جهة رسمية تحميهم. وإن كانت النقابة تكتفي بتوكيل محامي لأعضائها، فهي تتدخل مع الآخرين بصفة غير رسمية وتكتفي بالشجب والرفض والتنديد". وتضيف الصحفية الشابة أن الجهات الأجنبية أيضاً مثل منظمة "مراسلون بلا حدود" أو "لجنة حماية الصحفيين" لا يتدخلون إلا بإدانة ما يحدث، وقد يحاولون القيام بمحادثات مع الحكومة للإفراج عن الصحفيين، لكنها ليست حماية حقيقية أو كافية في رأيها. "بالطبع الخطر الأكبر يتعرض له المصريون، أما الصحفيون الأجانب فيفرج عنهم بفضل سفاراتهم". العديد من الصحفيين يجد موقف النقابة متزمت وبيروقراطي وغير متعاون، من بينهم مجموعة من الصحفيين العاملين في جريدة "آفاق عربية"، والذين قاموا بمظاهرة "أحبال الغسيل والبيجامات" في وسط القاهرة، للمطالبة بإعادة إصدار الجريدة وكذلك طالبوا مجلس نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة بالتدخل لحل مشاكلهم والإفراج عن زميلهم المعتقل.




البلطجة وسيلة غير معلنة لمقاومة الرأي الحر

البلطجة أصبحت الفانون المسيطر في المظاهرات المصريةصورة من: AP

لكن هل تحمي القوانين الجديدة التي وعد بها الرئيس الصحافيين، حتى إن تم تشريعها؟ يبدو هذا الأمر موضعاً للتساؤل، خاصة وقد انتشرت ظاهرة جديدة لمواجهة الرأي الحر وهي ظاهرة "البلطجة"، حيث قامت عناصر من قوات الأمن ومجموعة من الخارجين عن القانون يعتقد أنهم تلقوا أموالاً من الحزب الحاكم بمهاجمة الصحفيين أثناء قيامهم بتغطية الاحتجاجات المناهضة للحكومة والانتخابات البرلمانية والمظاهرات التضامنية مع القضاة التي تمت مؤخراً، حسب شهادة عدد من الصحفيين، أما من طالب بحقه منهم برفع قضية، فقد تعرض لتهديد صريح مثل الصحفيتين شيماء أبو الخير وعبير العسكري، وكما جاء أيضاً في تقرير لجنة حماية الصحفيين. ففي 25 آيار/مايو قام مؤيدون للحكومة بضرب متظاهرين وعدد من الصحفيين المحليين والأجانب كانوا يغطون مظاهرة احتجاجية نظمتها "كفاية"، ضد الحدود الضيقة التي فرضها التعديل الدستوري. وقال صحفيون في مقابلات عديدة إنهم تعرضوا للكم والركل والصفع كما تعرضت الصحفيات للتحرش الجنسي وأن قوات الأمن لم تتدخل لمنع المعتدين، وأضافوا أنهم يشتبهون بأن المهاجمين من عناصر الأمن بملابس مدنية، وأنهم مكلفين من قبل الحزب الوطني الحاكم. والأسبوع الماضي تعرض عدد من الصحفيين لهذا التهجم من "البلطجية" أثناء خروجهم من مبنى نقابة الصحفيين في وسط المدينة، حيث كان المبنى محاصراً من قبل قوات الأمن. ومن بين هؤلاء المعتقلين مراسلتي القسم العربي في مؤسسة بي بي سي، حيث تم تحطيم سيارة المراسلتان في سيارتهما بصحبة صحفيين آخرين عندما قامت نحو 25 "بلطجية" بإيقاف سيارتهم على بعد أمتار من مبنى نقابة الصحفيين وقاموا بتهشيم السيارة بالحجارة والقناني الفارغة، ورفض رجال الشرطة كتابة محضر بالواقعة. وتضيف سمر أبو الفتوح: "مثلاً في المظاهرة التضامنية الأخيرة مع القضاة، والتي كانت مظاهرة سلمية جداً شارك فيها عدد قليل من الأفراد سائرون بصمت وبدون أي هتافات: حوصرنا وضربنا، المتظاهرين والصحفيين معاً، هذا بالطبع مع التحرش الجنسي الذي نتعرض له بصفة خاصة كصحفيات، فهؤلاء البلطجية هم في النهاية بالفعل مجرمين سابقين تكلفهم الحكومة بهذه العملية لتهديدنا".

مصاعب مصاحبة لكل تغطية إعلامية

الكل يتعرض للضرب والاعتقال، متظاهرين وصحفيينصورة من: AP

"كل مرة نذهب لتغطية حدث ما تعتبر مغامرة لا نعرف عواقبها". هكذا تعبر مراسلة إذاعة الدويتشه فيله في القاهرة عن عملها اليومي وتكمل قائلة: "إننا نتعرض للتهديد من كل الجوانب. من ناحية لأننا في وسط المظاهرة نكون في منطقة الصراع بين رجال الشرطة والمتظاهرين، فنصاب بضربات العصي والحجارة وغيرها من الأخطار. ومن ناحية أخرى لأننا نهدد كصحفيين بشكل مباشر" يأتي هذا التهديد على شكل تحذير رسمي من وزارة الداخلية للصحفيين بعدم التواجد في أماكن التظاهر أحياناً إلا بتصريح مخصوص لا يعطى لكل الصحفيين، أو على شكل تهديد مباشر من رجال الأمن في موقع المظاهرة أحياناً بشكل مهذب وغالباً بعنف وتهديد بالاعتقال. أكثر من يتعرضون للاعتداء هم المصورين، ومصوري التلفزيون: إذ أن الصور لا يمكن نفيها فيما بعد، لكن حتى التسجيل الصوتي يتعرض للحصار: "بعد أن ننتهي من التسجيل، يكون علينا أن نجري بأقصى سرعة، لنتفادى أن نقع ضحايا للاعتقال أو على أقل تقدير أن تصادر الشرائط التي تعبنا في تسجيلها والتي تحمل الحقائق التي نريد توصيلها". وقد أصبح الصحفيون يتفادون الخروج بشكل فردي، يخرجون في مجموعات ليحموا بعضهم البعض، وليبلغ أحدهم المؤسسة الإعلامية المسئولة إذا ما تعرض زميله للاعتقال. ففي النهاية الاعتقال هو أقصى ما يخشاه الصحفيون كما تؤكد سمر لأن الضرب يمكن تحمله، لكن أن يعتبر الصحفي مجرم هذا هو الأٌقسى على نفسه، وتضيف: "إنه سيف على رقاب الجميع. لكنني بالرغم من ذلك أجد أن الصعوبة الأكبر لا تكمن في الضرب والاعتداء فحسب، وإنما في التمسك بأخلاق المهنة وكتابة تقرير يتصف بالحيادية، إذ كيف يمكن أن أنسى كل هذا الغضب الذي أشعر به بعد التعرض لهذه الإهانات الصريحة وأكتب تقريرا لا يدين هؤلاء المعتدين".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW