حريق طائفي في العراق: أين صوت الحياد؟
٢٦ أبريل ٢٠١٣اشتعلت الحرب الطائفية فعلا بما جرى في الحويجة بكركوك (شمال بغداد ) الملتهبة أصلا. سيقول البعض إن الجنود هم الذين شرعوا بالهجوم على المتظاهرين، وهناك من قال إن المتظاهرين اختطفوا جنديا من سيطرة فكانت الشرارة. في الحالتين الحرب عراقية عراقية، والنار لن تمتد إلى كردستان، ولكن ما حدث في كركوك شرارة خطيرة جدا.
على صفحة فيسبوك يكتب البعض أن هناك نقاط تفتيش وهمية عادت للخطف على الهوية. هجمات بقنابل الهاون على مساجد سنية وعشرات القتلى ومئات الجرحى، وهجمات على معسكرات الجيش ونقاط التفتيش في المناطق الغربية .
في الموصل اكتسح المدينة تنظيم الطريقة النقشبندية الذي يقوده عزة الدوري الساعد الأيمن لصدام حسين والمطلوب دوليا ، وسيطر التنظيم على غرب المدينة واحتجز 17 شرطيا كرهائن، و ما لبث أن حررهم الجيش وقتل 31 من عناصر التنظيم كما أعلن بيان الحكومة.
حديث الناس أضحى مرة أخرى خائفا مصبوغا بالطائفية والقومية البغيضة. سني، شيعي، كردي، عربي...وغير ذلك، السؤال الآن هو أين سيذهب الذين لا يريدون أن يكونوا جزءا من هذا السيناريو؟
"الساسة يتحملون مسؤولية التصعيد"
ماذا عن أقليات العراق ،المسيحيون والأيزيدية والمندائيون والشبك والزرادشتيون، ما مصيرهم وقد اشتعلت الحرب؟
هذه الأسئلة صارت همّ كل عراقي لا يريد أن يذهب وطنه إلى حرب أهلية.
الإعلامي احمد الصائغ تحدث إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية من بيته في مدينة الموصل المضطربة رافضا وصف ما يجري حاليا بأنها حرب طائفية " لكن نحن مقتربون جدا من هذه الحرب" حسب تعبيره. لكن الصائغ تحدث أيضا عن توتر كبير واستنفار غير طبيعي في مدينة الموصل التي يشكل السنة غالبية سكانها ، مشيرا إلى حدوث إطلاق نار كثيف جدا في ليلة 24 نيسان/ ابريل 2013 ، دون أن يعرف سببا له. واعتبر الصائغ أن "الساسة يتحملون مسؤولية التصعيد" وهذا يقاس ليس فيما يجري في العراق فحسب، بل في عموم المنطقة.
من جانبه، تحدث الكاتب والباحث نظير الساعدي إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية من مدينة جنيف بسويسرا مشيرا إلى أن المواطن العراقي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية بهذا الخصوص، وليس من الصحيح تحميل الساسة وحدهم وزر ما يجري. وبيّن الساعدي، أن الدعوات الطائفية التي تصدر عن هذا الطرف وذاك لا يمكن أن تصدر عن مواطن فاقد للوعي " وهي دعوات طائفية واضحة المعالم لا تحتاج إلى أدلة أو تحليل مختصين، وهذا يعزز مسؤوليته في قبول الدعوات المشبوهة".
"المواطن العراقي لا يريد أن تقوم حرب طائفية"
عدد من المثقفين العراقيين أعلنوا على صفحة فيسبوك براءتهم من التمذهب، والتحشد تحت عنواني سني وشيعي، ودعوا إلى تشكيل إقليم يضم الرافضين للطائفية، هذا الإعلان تعبير عن رفض كثير من النخب لما يجري من احتماء طائفي في ظل تصاعد العنف والعنف المضاد بغض النظر عمن بدأ هذا العنف.
لكن هذا الرأي يواجه حقيقة صعبة تتجلى في سؤال مفاده: أن هناك من يعيشون على العنف وصنعتهم في الحياة القتل وحمل السلاح، وبالتالي فهؤلاء هم عراقيون لكنهم طرف أساسي في صناعة الحرب الطائفية، وهم وإن كانوا يشكلون أقلية عددية، إلا أن امتلاكهم للسلاح وعدم تورعهم عن استخدامه في قتل الآخرين، يجعلهم مؤثرين في المشهد إلى درجة حاسمة. الكاتب نظير الساعدي أشار إلى انه قد عايش هذا الخطر وهذه الحالة في أعوام 2006 و2007 حيث " أن مسلحين اثنين يدعمهم إعلام رديء يطبل لما يفعلونه يمكن أن يغيرا مصير منطقة بأكملها"، لكن الساعدي عاد ليؤكد أن " المواطن العراقي عموما لا يحب ولا يريد أن تقوم حرب طائفية ، لأنه يريد أن يعيش في ظل الأمن والأمان".
" سويسرا فيها 26 مقاطعة ، وفيها 4 لغات رسمية"
ودعا الساعدي إلى إقامة فيدرالية حقيقية، وليس فيدرالية كما زور مضمونها السياسيون لأسباب لا يعلم بها إلا الله، فجعلوا الفيدرالية صنوا لتقسيم البلد. وتحدث الساعدي الذي يسكن في سويسرا منذ عام 2008 عن الكونفيدرالية المطبقة في الاتحاد السويسري مشيرا إلى أنه بلد به 8 ملايين نسمة ، ويحتوي 4 لغات هي الألمانية والفرنسية والايطالية والرومانشية " رغم حجمها الصغير جدا فهي تضم 26 مقاطعة يحتوي كل منها على برلمان وعلى مجلس اتحادي ، كما أن الاتحاد السويسري يقوده مجلس اتحادي مكون من 7 أشخاص ، يتناوبون سنويا على رئاسته، والرئاسة هنا لا تهبه صلاحيات إضافية".
ولفت الساعدي الأنظار إلى فقرة في الدستور السويسري تسمى المبادرة الشعبية، وتعني الحق في اتفاق 100 ألف سويسري على إجراء تعديل دستوري، " فيرفع مقترحهم إلى المجلس البرلماني ويصادق عليه ويقدم للاستفتاء العام، ليتم تغييره أو يجري الإبقاء عليه " إذا لم يحض المقترح بأغلبية.
" تحت فوهة السلاح خمدت كثير من الأصوات أو التزمت الصمت"
يواجه الرافضون للاصطفاف الطائفي والمثقفون والأقليات غير المسلمة مشكلة منطق القوة الذي يخيم على المشهد وعلى كل المناطق التي تشهد اقتتالا طائفيا ، وسيكون في الغالب صعبا عليهم أن يعلنوا عن رأيهم فيما يحدث بصراحة، كما يكون الوضع أصعب لأبناء الأقليات المسلمة. هذا الوضع سيقود إلى غياب شبه تام لأي صوت يرفض الانخراط في المشهد الدموي، والى غياب صوت الاعتدال، والى ذلك أشار الصحفي احمد الصايغ الذي يسكن مدينة الموصل وهي إحدى اكبر أوكار تنظيم القاعدة والطريقة النقشبندية . الصايغ قال" تحت فوهة السلاح خمدت كثير من الأصوات أو التزمت الصمت وتتحدث همسا، فهاجس الموت يخيم على أبناء المدينة".
وفي معرض حديثه عن التطورات المتلاحقة في الموصل أشار الصايغ إلى أن هناك من يروج لمقولة إن أبناء العشائر هم من يشتبكون مع الجيش والشرطة حاليا " وهذا خطأ فيه إجحاف وكذب علني " مشيرا إلى أن مدينة الموصل هي مركز حضري تضعف فيه قوة العشائر، ومن المستبعد أن يكون للحضور العشائري المسلح دور فيما يجري بالمدينة".
وتحدث الصايغ عن دور بعض وسائل الإعلام المملوكة لأحزاب أو الممولة من جهات أجنبية، مشيرا إلى أنها تفاقم المشهد الملتهب وتشارك علميا في سفك مزيد من الدماء، كما أشار إلى دور الإشاعات في تخريب الوضع ودفعه إلى حافة الهاوية.