حزب البديل و"إخوانه" في البرلمان الأوروبي.. تخريب من الداخل؟
١١ أغسطس ٢٠٢٣
يشكك برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا للانتخابات الأوروبية في العام المقبل في جدوى الاتحاد الأوروبي. بيد أن الحزب اليميني الشعبوي ليس الوحيد في البرلمان الأوروبي الذي يسير على هذا الدرب.
إعلان
في نهاية الأسبوع الماضي، اختتم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي اجتماعه التحضيري لانتخابات البرلمان الأوروبي في مدينة ماغديبورغ.
وضمت قائمة مرشحي الحزب 35 مرشحاً للبرلمان الأوروبي، وتم إقرار برنامجي انتخابي.
قدم الحزب، الذي يعتبره مكتب حماية الدستور الألماني (الاستخبارات الداخلية) بأنه حزب مشتبه به كمتطرف يميني، ماكسيميليان كراه على رأس قائمته. ماكسيميليان كراه عضو في برلمان الاتحاد الأوروبي منذ عام 2019 ويعتبر مثيراً للجدل حتى داخل مجموعته في برلمان الاتحاد الأوروبي.
في مؤتمر الحزب، غيّر البديل من أجل ألمانيا استراتيجيته بشأن الاتحاد الأوروبي: فبينما كان يريد إلغاء الاتحاد الأوروبي بالكامل، فإنه يفضل الآن إصلاحه بشكل جذري وتأسيس تكتل جديد باسم "اتحاد الدول الأوروبية". ووفق هذه الرؤية، يريد الحزب إلغاء برلمان الاتحاد الأوروبي وإعادة صلاحياته مؤقتاً إلى الدول الأعضاء.
وحسب وكالات الأخبار، نص برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا أن أوروبا يجب أن تصبح "حصناً" في وجه المهاجرين. نقطة أخرى في برنامجه: يدعو حزب البديل من أجل ألمانيا إلى إلغاء اليورو. هذا كل ما تسرب من برنامج الحزب؛ إذ أنه ليس متاحاً للجمهور بعد.
كتلة برلمانية يمينية شعبوية من 9 أحزاب
حزب البديل من أجل ألمانيا ليس وحده الحزب الموجود في البرلمان الأوروبي وينتقد التكتل. يشكل الحزب مع ثمانية أحزاب أخرى الكتلة البرلمانية "الهوية والديمقراطية". أكبر ممثل في هذه الكتلة هو حزب "ليغا" الإيطالي اليميني الشعبوي، برئاسة ماتيو سالفيني والذي يشكل جزءاً من الحكومة الإيطالية الحالية. كما تضم الكتلة "التجمع الوطني الفرنسي" اليميني (المعروف سابقاً باسم الجبهة الوطنية) وحزب الحرية النمساوي، الذي شارك في الحكومة النمساوية من 2017 إلى 2019. وتضم كتلة "الهوية والديمقراطية" 62 عضواً.
يترأس الكتلة الإيطالي ماركو زاني. في خطابه الترحيبي على موقعه الإلكتروني، كتب أن المجموعة تدعم سيادة وهوية الدول والشعوب الأوروبية. كما أنها تعارض بنشاط الاتجاه الحالي لخلق دولة أوروبية كبرى تدار بصورة بيروقراطية.
يقول أستاذ العلوم السياسية بارتيك بيتلاس، الذي يبحث في الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، إن الأحزاب الأخرى المتشككة في الاتحاد الأوروبي إما غير مرتبطة بكتل أو ممثلة في كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين. تضم هذه الكتلة ما مجموعه 66 عضواً في البرلمان الأوروبي من 16 دولة. ومن بينهم ممثلون عن حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتشدد، الذي يتولى رئاسة الحكومة الإيطالية الحالية بزعامة جورجيا ميلوني. وكذلك تضم الكتلة حزب القانون والعدالة البولندي الوطني المحافظ.
تصف المجموعة البرلمانية نفسها على موقعها على الإنترنت بأنها قوة دافعة وراء "الواقعية الأوروبية" وتريد تقديم "رؤية بديلة جريئة لاتحاد أوروبي تتعاون الدول الأعضاء فيه في المجالات التي لديها مصلحة مشتركة فيها".
مفارقة: أحزاب مشككة في الاتحاد في برلمانه
للوهلة الأولى، قد يبدو من التناقض وجود أحزاب في برلمان الاتحاد الأوروبي تنتقد الاتحاد الأوروبي بشكل صارخ وتشكك فيه. "تريد هذه الأحزاب محاربة الاتحاد من الداخل. من وجهة نظر هذه الأحزاب، ليس للاتحاد الأوروبي مستقبل، لكنهم يعتقدون أنه من الممكن تشكيل تكتل آخر محل الاتحاد الأوروبي"، كما يرى أوفه يون أستاذ العلوم السياسية في جامعة ترير الألمانية.
ويوضح أستاذ العلوم السياسية بارتيك بيتلاس في حديثه مع DW كيف يمكن للأحزاب الصغيرة أن تثبت نفسها بهذه الطريقة، وليس فقط من الناحية المالية، بل بإمكانها أن تظهر كيف أنها تعمل مع أحزاب أخرى. في الوقت نفسه، فإن التشكيك بالاتحاد الأوروبي هو بطريقة ما "لحظة تشكيل هوية" بالنسبة للأحزاب الشعبوية اليمينية، كما يقول يون. ويضيف: "حتى لو اختلفت درجة التشكيك بالاتحاد الأوروبي بين الأحزاب، فإن التشكيك إلى جانب الرغبة في إضعاف الاتحاد الأوروبي هو ما يوحد هذه الأحزاب".
ما الذي تريده تلك الأحزاب؟
يرى أستاذ العلوم السياسية بارتيك بيتلاس أن المطالب الملموسة لكل حزب من تلك الأحزاب صيغت بشكل غامض إلى حد ما، لكن خلاصة القول هي أنهم يريدون إما إضعاف أو حل الاتحاد الأوروبي في شكله الحالي. وهو يعتقد أن الأحزاب الشعبوية اليمينية لم تعد تطالب بحل الاتحاد الأوروبي لأسباب استراتيجية، ولكن تطالب بأوروبا "حقيقية" أو "أصلية"، مما يعني دعم الشخصية القومية للدول.
الكلمات المفتاحية التي تُستخدم بانتظام في هذا السياق هي "أوروبا الأوطان الأصيلة" و"أوروبا الأمم". في النهاية، وفقاً للباحث في الأحزاب أوفه يون، ترغب تلك الأحزاب في إعادة صلاحيات الاتحاد للدول الوطنية. ويضرب عدة أمثلة هنا كملف شينغن واليورو والسياسات الزراعية.
يقول أوفه يون أستاذ العلوم السياسية في جامعة ترير الألمانية: "عند إمعان التفكير في الشكل الحالي للاتحاد الأوروبي، فإن هذه المطالب ستشكل بلا شك خطراً عليه". ومع ذلك، يقر الخبير السياسي بأن القوى الشعبوية اليمينية يجب أن تكون أقوى بكثير مما هي عليه في الوقت الحالي حتى تتمكن من ممارسة المزيد من الضغط في البرلمان الأوروبي وربما في المجلس الأوروبي، الذراع التنفيذي للتكتل الأوروبي.
كما لا يرى أستاذ العلوم السياسية بارتيك بيتلاس، الذي يبحث في الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، في المطالب بتشكيل مؤسسة جديدة سوى المطالبة بحل الاتحاد الأوروبي في شكله الحالي.
في انتخابات العام المقبل، ستكون للمواطنات والمواطنين في دول التكتل الكلمة الفصل في وزن الأحزاب الشعبوية اليمينية والمشككة بالاتحاد الأوروبي في برلمانه.
الكاتب: لوسيا شولتن/ز.ك.ب
الاتحاد الأوروبي - عقود من التقدم والإخفاقات منذ اللبنة الأولى
فيما يلي المحطات الكبرى للاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الكتلة الأوروبية وترسيخ بنائها من خطة لتحقيق التكامل بانتاج الفحم لاتحاد عابر للقوميات ومرورا ببريكسيت وأحداث منطقة اليورو وأزمة اللاجئين ووصولا إلى صعود المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/V. Ghirda
في التاسع من أيار/ مايو 1950...
... وضع وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان أول حجر في البناء الأوروبي عندما اقترح على ألمانيا بعد خمس سنوات فقط على استسلامها في الحرب العالمية الثانية، تحقيق تكامل في الإنتاج الفرنسي الألماني للفحم والفولاذ في اطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا. وقعت اتفاقية باريس التي نصت على إنشاء "مجموعة الفحم والفولاذ" بعد عام من ذلك فولدت أوروبا "الدول الست" (ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا).
صورة من: picture-alliance/dpa
في 25 آذار/ مارس 1957...
... وقعت الدول الست المعاهدة التأسيسية لأوروبا السياسية والاقتصادية. وقد أسست المجموعة الاقتصادية الأوروبية، السوق المشتركة القائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء. أما المؤسسات ومنها المفوضية والجمعية البرلمانية الأوروبية فلم تُنشأ إلا مطلع 1958.
صورة من: picture-alliance/AP Images
في كانون الثاني/ يناير 1973...
...انضمت بريطانيا والدنمارك وإيرلندا إلى السوق الأوروبية المشتركة، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا والبرتغال (1986) والنمسا وفنلندا والسويد (1995). شكلت معاهدة ماستريخت الوثيقة التأسيسية الثانية للبناء الأوروبي ووقعت في السابع من شباط/ فبراير 1992. وهي تنص على الانتقال إلى عملة واحدة وتنشئ اتحاداً أوروبياً.
صورة من: picture-alliance/AP Images
اعتبارا من كانون الثاني/ يناير 1993...
... أصبحت السوق الواحدة واقعاً مع حرية تبادل البضائع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال. وانتظر الأوروبيون حتى آذار/مارس 1995 ليتمكنوا من السفر بلا مراقبة على الحدود.
صورة من: picture-alliance/blickwinkel/McPHOTO
في الأول كانون الثاني/ يناير2002...
... دخل اليورو الحياة اليومية لنحو 300 مليون أوروبي. وفيما تنازلت معظم دول الاتحاد عن عملاتها الوطنية، اختارت الدنمارك وبريطانيا والسويد فقط الإبقاء على عملاتها.
صورة من: picture-alliance/D. Kalker
أيار/ مايو 2004
وبعد أن كان الأمر أقرب إلى حلم عند سقوط جدار برلين في 1989، جرى توسيع الاتحاد ليضم دولا من شرق أوروبا تدريجياً. قد انضمت عشر دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي في أيار/ مايو 2004 هي بولندا والجمهورية التشيكية والمجر وسلوفاكيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وسلوفينيا ومالطا وقبرص. وفي 2007 انضمت بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد ثم كرواتيا عام 2013.
صورة من: picture-alliance/dpa
في ربيع 2005...
... دفع رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوروبي، بالاتحاد الأوروبي إلى أزمة مؤسساتية. ولم يخرج منها إلا باتفاقية لشبونة التي كان يفترض أن تسمح بعمل مؤسسات أوروبا الموسعة بشكل أفضل وتمت المصادقة عليها بصعوبة في 2009.
صورة من: EC AV Service
أزمة مالية خانقة
في السنة نفسها، أعلنت اليونان عن ارتفاع كبير في العجز في ميزانيتها في أول مؤشر إلى أزمة مالية واسعة. طلبت اليونان ثم إيرلندا وإسبانيا والبرتغال وقبرص مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي اللذين طالبا بإجراءات تقشفية. أدت أزمة الديون هذه إلى سقوط رؤساء حكومات أوروبية الواحد تلو الآخر وعززت الشكوك في الوحدة الأوروبية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/D. Ochoa de Olza
أزمة اللاجئين
وما أن خرجت من هذه الأزمة المالية حتى واجهت أوروبا اخطر أزمة هجرة منذ 1945 مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين. واخفق الاتحاد الأوروبي في وضع خطة عمل مشتركة.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Hoppe
بريكسيت
جاءت بعد ذلك أزمة بريكسيت التي وجهت ضربة إلى اتحاد اضعفه صعود الشعبوية والتشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية. وبعد حملة تركزت على الهجرة والاقتصاد، صوت نحو 17.4 مليون بريطاني (51.9 بالمئة من الناخبين) في 23 حزيران/ يونيو 2016 مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
صورة من: picture-alliance/abaca/D. Prezat
لكن ...
... بعد ثلاث سنوات على الاستفتاء، لم يتم تطبيق بريكسيت الذي كان مقررا في 29 آذار/ مارس 2019. وقد وافقت الدول الـ27 الأخرى الأعضاء على إرجاء الموعد إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر لإعطاء وقت للطبقة السياسية البريطانية للاتفاق على طريقة الانسحاب.
صورة من: picture-alliance/D. Cliff
إتمام "بريكست" في دورة 2019 حتى 2024
لكن "يوم الخروج"، جاء لاحقا. فأخيرا وقع برلمان المملكة المتحدة على اتفاق "البريكست"، الذي أعيد التفاوض عليه، ليتم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميًا في الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش من يوم 31 يناير/ يناير 2020، وهو يقابل الساعة "00:00: من يوم أول فبراير/ شباط 2020 بتوقيت وسط أوروبا). وتبقى بريطانيا العظمى هي الدولة الوحيدة ذات السيادة التي غادرت الاتحاد الأوروبي حتى الآن.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Akmen
دعم واضح لأوكرانيا ضد الغزو الروسي
تعرض الاتحاد الأوروبي لاختبار شديد، حينما اندلع قتال لم يحدث له مثيل في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فقد بدأت روسيا هجوما غير مسبوق على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. وبكل حزم ووضوح وقف الأوروبيون، باستثناء المجر، في وجه الغزو الروسي. وبدأوا خطوات عملية لدعم أوكرانيا ومن بينها فرض عقوبات صارمة على روسيا وتخصيص مساعدات بعشرات مليارات اليورو من أجل دعم أوكرانيا للصمود.
صورة من: Virginia Mayo/AP
"قطر غيت" تهز البرلمان الأوروبي
في ديسمبر 2022، تم سجن اليونانية إيفا كايلي، نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي، احتياطياً في بروكسل في إطار تحقيق قضائي بشبهات فساد في البرلمان الأوروبي، يُعتقد أنّها مرتبطة بقطر والمغرب، تتعلق بمبالغ كبيرة قد تكون دفعتها قطر لمشرعين أوروبيين للتأثير في قرارات المؤسسة الأوروبية الرئيسية. وتم اطلاق سراح كايلي بعد عدة أشهر. وعرفت القضية باسم "قطر غيت"، ونفت قطر والمغرب أيّ علاقة لهما بهذه القضية.
صورة من: Twitter/Ministry of Labour/REUTERS
أول قانون في العالم للذكاء الاصطناعي
في مارس/ آذار 2024، أقر البرلمان الأوروبي "قانون الذكاء الاصطناعي"، كأول قانون شامل للذكاء الاصطناعي بالعالم. ويريد الاتحاد الأوروبي من خلاله تنظيم الذكاء الاصطناعي (AI) لتطوير واستخدام هذه التكنولوجيا والحماية من مخاطرها. ووافق وزراء الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي على القانون في مايو/ أيار. ومن بنوده وجوب وضع علامة على المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل الصور أو الصوت أو النص.
صورة من: Christian Ohde/CHROMORANGE/picture alliance
إقرار قوانين اللجوء الجديدة بعد سنوات من التفاوض
بعد نحو عقد من الجدل حولها، أقرّ الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار 2024 خطة لإصلاح تاريخي لسياساته المتعلقة بالهجرة واللجوء من أجل السيطرة على الحدود لوقف الهجرة غير النظامية. وتتألف خطة الإصلاح من 10 تشريعات، دعمتها أغلبية كبيرة بالاتحاد. ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في 2026 بعد أن تحدّد المفوضية الأوروبية كيفية تطبيقها. وجاءت الموافقة قبل شهر من الانتخابات الأوروبية، رغم ذلك صعد اليمين المتطرف.
صورة من: DesignIt/Zoonar/picture alliance
زلزال الانتخابات الأوربية 9 يونيو/ حزيران 2024
في انتخابات الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان الأوروبي 2024-2029، حدث زلزال سياسي بصعود غير مسبوق في تاريخ الاتحاد لقوى اليمين المتطرف والقوميين، الذين حصلوا على أكثر من 140 مقعدا من إجمالي 720 مقعداً. وفي ألمانيا مثلا حل حزب البديل الشعبوي (الصورة لرئيسي الحزب شروبالا وفايدل) كثاني أكبر قوة، بعد حزبي الاتحاد المسيحي المحافظ، متفوقا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أقدم حزب سياسي في ألمانيا.