حزب الله وحلفاؤه يخسرون الأكثرية النيابية في البرلمان
١٧ مايو ٢٠٢٢
الداخلية اللبنانية تعلن النتائج النهائية للانتخابات، مؤكدة أن جماعة حزب الله، المدعومة من إيران، وحلفاؤها فقدوا أغلبيتهم في البرلمان، في نتيجة تعكس بوضوح الغضب الشعبي من النخبة الحاكمة في لبنان.
إعلان
خسر حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان اللبناني الجديد، وفق النتائج النهائية للانتخابات النيابية التي أعلنها وزير الداخلية الثلاثاء (17 مايو/ أيار 2022 ، والتي سجّلت دخول مرشحين مستقلين معارضين منبثقين من الانتفاضة الشعبية التي حصلت في 2019، الى البرلمان للمرة الأولى، بعدد لم يكن متوقعا.
وأظهرت النتائج التي أعلن وزير الداخلية بسام المولوي الدفعة الأخيرة منها فوز لوائح المعارضة المنبثقة عن التظاهرات الاحتجاجية ضد السلطة السياسية التي شهدها لبنان قبل أكثر من عامين بـ13 مقعداً على الأقل في البرلمان الجديد، وذلك عبر انتخابات هي الأولى منذ الانهيار الاقتصادي المدمر وانفجار مرفأ بيروت في عام 2020.
و12 من الفائزين هم من الوجوه الجديدة ولم يسبق لهم أن تولوا أي مناصب سياسية، نشطوا خلال "الثورة" غير المسبوقة التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2019 واستمرت أشهرا، عبر تنظيم احتجاجات وتظاهرات والظهور في وسائل الإعلام والقيام بحملات على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الناس. وبينهم أساتذة جامعيون وناشطون بيئيون، وقد تميزوا بأسلوبهم المختلف تماما عن الأسلوب التقليدي للأحزاب والقوى السياسية التي تهيمن على الساحة السياسية في لبنان منذ عقود.
خسارة حزب الله
في المقابل، أظهرت النتائج احتفاظ حزب الله وحليفته حركة أمل التي يتزعّمها رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه برّي، بكامل المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً) في البلاد، لكن حلفاءهما وبينهم التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون ونائب رئيس الحزب القومي السوري، خسروا مقاعد في دوائر عدّة.
وحصل حزب الله المدعوم من دمشق وطهران والقوة السياسية الأكثر نفوذا في البلاد لا سيما لكونه الجهة الوحيدة غير الرسمية التي تمتلك ترسانة من السلاح، على 62 مقعدا من أصل 128 في البرلمان في انتخابات يوم الأحد، مقارنة مع الأغلبية التي حققتها في 2018 عندما حصلت على 71 مقعدا.
ولعلّ الصفعة الأقوى التي تعرض لها تكمن في خرق مرشحين، أحدهما أورثوذكسي والثاني درزي، للوائحه في المنطقة الحدودية الجنوبية التي تعتبر أحد معاقله، وهو أمر لم يحصل منذ العام 1992.
ولم يتضح بعد العدد النهائي للمقاعد التي سيجمعها مع حلفائه، لكنه لن يتمكن قطعا من الوصول الى 65 مقعدا.
في المقابل، تمكّن حزب القوات اللبنانية، خصم حزب الله، من زيادة عدد مقاعده مع حلفائه (من 15 الى 19)، متجاوزا التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله وكأكبر حزب مسيحي منفرد في لبنان.
كما وصل الى البرلمان مرشحون من الطائفة السنية من أبرز خصوم حزب الله، مثل مدير عام قوى الأمن الداخلي سابقا أشرف ريفي. وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي يترأس كتلة كبيرة في البرلمان المنتهية ولايته ويعتبر من أبرز زعماء الطائفة السنية، لكنه قاطع الانتخابات مع حزبه، تيار المستقبل.
المشهد على ضوء النتائج
من غير الواضحكيف سيكون التموضع السياسي للمعارضين الجدد الذين ينتهج العديد منهم خطابا مطالبا بتوحيد السلاح بين أيدي القوى الشرعية، ويركزون خصوصا على تطوير النظام اللبناني، وإصلاح القضاء، وتحديث البلاد، وبناء المؤسسات بعيدا عن المحسوبيات ونظام المحاصصة الطائفية.
ومن غير المستبعد أن يتحالفوا مع نواب آخرين من الأحزاب التقليدية دعمت "الثورة" الى حد ما، وتكون لهم كلمة مرجحة في البرلمان.
غير أن ما يبدو حاليا وفق النتائج المعلنة عنها أن البرلمان سيكون في مرحلة أولى على الأقل، مشتتا، من دون أكثرية واضحة، الأمر الذي سيزيد من شلل البلاد والمؤسسات في ظل أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة منذ أكثر من سنتين.
وعقب الإعلان عن النتائج، تشير التوقعات أنه وعكس انتخابات 2018 التي قرّبت لبنان من فلك إيران بقيادة الحزب الشيعي، فإن هذه النتيجة قد تفتح الطريق للسعودية لإعادة تأكيد نفوذها في بلد لطالما كان ساحة لتنافسها الإقليمي مع طهران.
المهام الأولية
والانتخابات هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وبعد انفجار مروّع في 4 آب/أغسطس 2020 في مرفأ بيروت أودى بحياة أكثر من مئتي شخص ودمّر أحياء من العاصمة ونتج عن تخزين كميات ضخمة من مواد خطرة من دون إجراءات وقاية.
ومن أولى مهام المجلس النيابي الجديد انتخاب رئيس له ليخلف نبيه بري الذي يشغل المنصب منذ العام 1992، ويجمع كثيرون على أن استبداله سيكون صعبا رغم حجم الكتلة المعارضة لبقائه، وذلك لأن أي شيعي آخر لن يتجرأ على الأرجح في الترشح.
وتبقى المهمة الأصعب بتشكيل حكومة. ويتمسك حزب الله بحكومة توافق تجمع كل الأطراف، بينما يقول المعارضون إنه يجب أن تكون هناك أكثرية تحكم ومعارضة.
و.ب/ع.ج.م (أ ف ب، رويترز)
لبنان 100 عام.. من طوائف الجبل إلى دولة على شفا الانهيار
لبنان.. بلد صغير المساحة، لكنه يختزل على مدار قرن من إعلان قيامه أحداثاً كبيرة جعلته صورة مصغرة عما جرى في العالم العربي من خيبات متواصلة. يحتضن تاريخه كل شيء: العنف والصلح، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، الوطنية والتبعية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid
فتنة جبل لبنان
سكنت عدة طوائف في المناطق المعروفة حالياً بلبنان، خاصة منطقة جبل لبنان. لكن الطوائف الأبرز كانت ستة: الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر الدروز والسنة والشيعة. بقي الجبل تحت سيطرة العثمانيين، لكنه شهد توترات طائفية خطيرة خاصة المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860. تدخلت قوى أوروبية في المنطقة خاصة منها فرنسا، وشهد جبل لبنان بضغط أوروبي قيام نظام "المتصرفية" الذي عزّز الوجود الماروني.
صورة من: picture-alliance/Design Pics
قيام لبنان الكبير
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استطاعت فرنسا فرض انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت فضلاً عن ترسيم الحدود مع سوريا. ويقول جوزيف باحوط في مقال على كارنيغي إن فرنسا هدفت إلى خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط، لكن الطوائف المسلمة رفضت بشدة الوضع الجديد. أعلن لبنان استقلاله عام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، لكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
الميثاق الوطني
شهد إعلان استقلال لبنان ما عُرف بالميثاق الوطني الذي منح رئاسة الدولة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا. لم يُكتب الميثاق لكنه بقي مطبقاً في البلاد منذ ذلك الحين، ويرى متتبعون أنه سبب المشاكل الطائفية في البلاد بما أنه هو من أسس لنظام المحاصصة.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Hamzeh
إنهاء حكم شمعون
تحوّلت بيروت إلى مدينة تجمع الكل منذ سنوات الاستقلال، لكن اندلاع النزاع العربي-الإسرائيلى ألقى بظلاله على بلد يصارع لخلق هويته. استقبلت بيروت آلاف اللاجئين الفلسطينيين كما استقبلت مهاجرين عرب وشهدت نمواً اقتصادياً لكن في الآن ذاته ركزت قوى عربية متصارعة نفوذها داخل المدينة منذ ذلك الحين. غير أن أبرز حدث شهدته بيروت في الخمسينيات كان الانتفاضة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان له علاقات قوية مع الغرب.
صورة من: Imago Images/United Archives International
العصر الشهابي
من بين أكثر رؤساء لبنان احتراما هو فؤاد شهاب الذي حكم البلاد منذ 1958 إلى 1964 ورفض التمديد له رغم شعبيته الطاغية. تحقق في عهد شهاب الكثير من الاستقرار في البلد رغم الانتقادات الموجهة له بتقوية دور المخابرات بعد محاولة الانقلاب. جاء بعده شارل حلو الذي حاول اتباع النهج الشهابي بعدم تفضيل أيّ طرف سياسي على آخر، لكن البلد شهد في عهده عدة مشاكل اقتصادية، ما مهد الباب لسليمان إفرنجية ليخلفه.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
الحرب الأهلية تندلع
شهد لبنان توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وبين الدولة اللبنانية حتى لا تتكرر مناوشات بين الطرفين، وبموجبه تم الاعتراف بالوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وقف اليسار اللبناني مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساساً من منظمات مارونية. ومع تعاظم النفوذ الفلسطيني تعددت الاحتكاكات مع القوى اليمينية، لتندلع رسمياً الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 1975.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Raouf
بيروت تشتعل
قُسمت بيروت إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. زاد التناحر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من الحرب خاصة مع وجود اختلالات اجتماعية بينهم. زاد التدخل السوري من سعير الحرب، وكذلك فعلت إسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت الغربية ما أدى إلى جلاء المسلحين الفلسطينيين، لكن الحرب لم تنته، ووقعت بعد ذلك مواجهات حتى داخل الأطراف التي كانت متحالفة.
صورة من: Ziad Saab
حزب الله يخرج منتصرًا
انتهت الحرب رسميا عام 1991 سنتين بعد توقيع اتفاق الطائف. شهدت الحرب مجازر مروعة كالكرنتينا والدامور وصبرا وشاتيلا، ووثقت الكاميرات مشاهد مرعبة كما جرى في حصار بيروت وحرب المخيمات. تقوّت لاحقا التنظيمات الشيعية، وخصوصا حزب الله المرتبط بإيران، وبقي التنظيم محافظًا على سلاحه بعد حلّ كل الميلشيات، فتراجع نفوذ التنظيمات المسلحة اليمينية واليسارية والفلسطينية، كما ضمنت سوريا استمرار حضورها في البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Amro
الاغتيالات تستمر
استقر لبنان نسبيا في التسعينيات، لكن سنوات الألفية شهدت مواجهات مسلحة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006، لكن الهزة الأعنف كانت اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في إعمار لبنان. كانت من نتائج الاغتيال خروج القوات السورية نتيجة ما عُرف بـ "ثورة الأرز". شهد البلد في تلك السنوات استمرار الاغتيالات السياسية التي وجهت فيها الاتهامات لدمشق كاغتيال الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير.
صورة من: picture-alliance/dpa/N. Mounzer
حراك لبنان
لأول مرة في تاريخ البلاد، يخرج مئات الآلاف من اللبنانيين عام 2019 رفضاً لنظام المحاصصة الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية ككل. جاءت الاحتجاجات في ظل استمرار ترّدي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب الفساد، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت بدورها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة ما يناهز مئتي قتيل. تقرير: إسماعيل عزام