1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حسن الخفاجي:من سيخرجنا من بطن الحوت ؟

٢٠ سبتمبر ٢٠١٠

في لبنان يتسابق المطربون في برنامج ستار أكاديمي , وفي الإمارات يتسابق الشعراء في برنامج شاعر المليون ,وفي الغرب تختص برامج المسابقات بإظهار إبداعات وقدرات الإنسان الجسمانية والفكرية .

في العراق يتسابق الانتحاريون لتفجير أنفسهم , ويتنافس الإرهابيون بابتكار طرق جديدة لإيذاء العراقيين , ويتسابق اللصوص لسرق المال العام , وتحرق الدوائر بفعل فاعل , وتتفنن شركات الهواتف النقال بسرقة الشعب , ويتقن اغلب المقاولين ومراجعي الدوائر فن (دهن السير) ليفسدوا من لم يفسد من موظفي الدولة.

أدمن اغلب الساسة الخطابة والتصريح للفضائيات , وبرعوا بابتكار وصفات جاهزة للشعب المظلوم: يطلبون من الشعب الصبر !.

لم تطالب حكومات العالم شعوبها بالصبر إلا الحكومات العراقية , وكأن العراقيين خلقوا لينافسوا نبي الله أيوب ع .

ان معاناة شريحة واحدة من العراقيين المصابين بمرض السرطان الذي يصيب أحياء كأمله في البصرة والنجف فاقت معاناة النبي أيوب ع . اجتاز العراقيون منذ زمن بعيد محنة نبي الله أيوب بجدارة , وهم الآن يمرون بمحنة نبي الله يونس ع , حيث دخلوا في بطن الحوت منذ قرون ولا احد يستطيع إخراجهم منه ,ولا معجزة حصلت , أو ستحصل في القريب العاجل !.

دعونا نعود إلى الإحداث التي خزنتها ذاكرة العراقيين , ولكم ان تقدروا كم مركبا للصبر العراقي غرقت في بحار الألم التي أغرَقنا فيها اغلب من حكموا العراق ؟

أمم صدام حسين النفط , وقال حينها:(شدوا الأحزمة على البطون) , شددنا الأحزمة استجابة لرغبة الحكومة لكننا لم نتلقى أمرا بفك الأحزمة , منذ ذلك التاريخ واغلب العراقيين ظلوا على مقاعد طائرة مخطوفة تمر بمطبات هوائية مرعبة , فلا نحن هابطون بسلام , ولا زمن محدد لتلك الرحلة الكارثة , وبقينا مكبلين بأحزمة لا مهرب منها . لم نر خير النفط المؤمم إلا على شكل قنابل انهمرت على مدن إيران , ليسقط الفقراء من الطرفين ضحايا صراع أججته وفرة نقود النفط , ورغبة القوى الدولية, وضغط الدول العربية .

انتهت الحرب بعد سنوات عجاف , تخللها دعوات من صدام طلب منا الصبر والعزم على قتال من سماهم (الفرس المجوس).

انتهت الحرب وخرجنا من الحرب جياع ننتظر فرج الحكومة الذي لا يشبه فرج الحيدري , ولا يشبه فرج رب العالمين في شيء !.

ما هي إلا أشهر عاد صدام وغزا الكويت , ليأكل اغلبنا الحرام عبر ما سرقته الحكومة من مواد غذائية , ووزعها صدام ضمن مفردات البطاقة التموينية , وما جلبه التجار من بضائع , وكانت نتيجة صبرنا أننا أكلنا وشربنا ولبسنا واستعملنا عدد وأدوات وأجهزة وسيارات مسروقة من الكويت , أي إننا لم نشعر بطعم الخير العراقي , وتمتعنا بخيرات مسروقة من الكويت !!.

خسر صدام معركة الكويت كعادته , وخسرنا شبعنا المؤقت , وعدنا للجوع والصبر والمعاناة التي طالت طويلا عبر حصار فرضته الأمم المتحدة علينا ونفذته دول الجوار العربي بجداره !.

مات أطفالنا المرضى بعد ان تاجرت الحكومة بقصة علاجهم , و بقينا في فترة الحصارمطالبون بالصبر , وصبرنا لأننا لا نملك غير الصبر , ومن الحصار وويلاته إلى الحرب التي أسقطت النظام .

دخل الأمل بابنا لكنه لم يتحول إلى واقع !.

فوجئنا ان من جاءوا بعد صدام ظلوا يطالبوننا بالصبر , وكأنهم امتداد لصدام !.

صبرنا على الرغم من ان خياراتنا لم تعد كما كانت أيام صدام , وكان وما زال بيدنا حلول ,لكنا تعودنا على الصبر والانتظار والقبول بالواقع المصحوب باليأس دون أمل. نصبر ويصبر أهلنا على ما اصطلح الساسة على تسميته مخلفات النظام البائد , من نقص في الخدمات ومن جوع وعطش , نصبر على نتائج ما قام به الإرهابيون ودول الجوار والإقليم من مجازر وما خلفوه من دمار , نصبر على قلة خبرة مَن حكمونا بعد صدام ولم يحسنوا فن إدارة الدولة بإتقان . لكننا لسنا مجبرين على الصبر والانتظار إلى ما لانهاية , ولسنا مجبرين على البقاء مكبلين والحياة معطلة نتيجة لعدم تشكيل حكومة , فهذه مسؤولية الساسة , ولسنا مطالبين مطلقا بمزيد من الصبر كي يتقاسم المتخاصمون الكعكة , ويعود الوضع الأمني إلى التردي بفعل فاعل موجود في مفاصل الدولة , ويعود مسلسل الاغتيالات والجثث مجهولة الهوية , وتنفتح شهية المتآمرين القدامى ليلوحوا بانقلابات جديدة يدعمهم ضباط كبار مجتمعون في دولة عربية جارة يستمعون لتوجيهات من خارج الحدود , ينسقون لاقتناص الفرصة للعودة للحكم مجددا وساستنا المعنيون بتشكيل الحكومة ما زالوا يطالبوننا بالصبر , وهم يرتدون قفازات الملاكمة للإطاحة بخصومهم عندما يعلن عن بداية النزال!.

بعد سلسلة انتصاراته في الحروب خاطب نابليون جنده قائلا: (اطلبوا مني أي شيء عدى الوقت) .هذه مقولة من يحترم الوقت , ومن يحسب الزمن بالثواني , وهي تختلف بالتأكيد عن نظرة من يربط الزمن والتطور ويحسب الوقت على وقع أقدام السلحفاة !.

هذا هو الفرق بين من يصنع التاريخ ويساهم بكتابته وبين من يقرأه , وهذا هو الفرق بين من يطلب من شعبة الصابر مزيدا من الصبر المستمر منذ عشرات السنين , وبين من يريد ان يغير الواقع .

سيردد العراقيون على اختلاف مشاربهم , ويسمعوا الحكومات على اختلاف برامجها وأحزابها وتوجهاتها , أغنية أم كلثوم (إنما للصبر حدود ياحبيبي)

(ينبغي استخدام الوقت كأداة وليس كأريكة) توماس جفرسون

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW