حفتر يطرق أبواب الكرملين..مناورة تطلق يد موسكو في ليبيا؟
علاء جمعة
٣٠ نوفمبر ٢٠١٦
كيف يمكن شرح زيارات حفتر المتكررة لموسكو؟ فهل يطمح في تقوية وضع قواته العسكرية في ليبيا أم أنه يود أن تلعب روسيا دورا سياسيا مؤثرا في الأزمة المستمرة في ليبيا؟
إعلان
تثير زيارة المشير الليبي خليفة حفتر إلى روسيا للمرة الثانية خلال ستة أشهر، تساؤلات عن طبيعة الدور الروسي في المنطقة الليبية. ويرى مراقبون أن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات بين حفتر وروسيا، وهو ما قد يفتح الباب أمام إستثمارات روسية في المنطقة الليبية مستقبلا.
بالرغم من تصريحات القائد العام لـ"الجيش الوطني الليبي حفتر بأن "الجيش سيطلب دعما من روسيا إذا ما قامت الأمم المتحدة في المستقبل برفع حظر التسليح، وليس الآن"، إلا أن بعض المراقبين يرون أن لهذه الزيارة أهميتها في كونها تمهد الطريق لانتشار قوات حفتر والسيطرة على مناطق ليبية أوسع.
وبحسب مراقبين، فإن الجنرال حفتريبحث عن دعم دولي لقواته المقاتلة في الشرق الليبي، وتشكل روسيا وجهة مفضلة بالنسبة له، حيث يرى أنها قد تقوم بدور كبير في حسم الأوضاع هناك. ورغم النفي من قبل الخارجية الروسية بوجود نية لتوريد أسلحة لقوات حفتر في الوقت الحالي، إلا أن مراقبين أكدوا على أهمية السلاح الروسي بالنسبة لحفتر من أجل ضمان نفوذه.
روسيا تطمح في نفوذ أوسع في ليبيا
مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا رشيد خشانة قال في حوار مع DW عربية إن "زيارة حفتر لها أبعاد سياسية كبيرة، إذ أن روسيا تطمح في توسيع نفوذها في ليبيا، واستعادة مكانتها المفقودة بعد انتهاء عهد القذافي". واعتبر الخبير التونسي أن روسيا أحست "بالخديعة" من الغرب، وذلك بعد أن وجدت أنها مستبعدة من أسواقها التقليدية في ليبيا، بعد الدعم الغربي لحكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج في طرابلس، مما يجعلها ترى في حفتر وسيلة من أجل مناكفة الغرب، والفوز بعلاقة اقتصادية مع ليبيا مستقبلا.
وكانت أوساط في إدارة الأركان الليبية بطرابلس قد صرحت أن هدف حفتر من زيارة روسيا هو إدخالها على خط الصراع داخل ليبيا بهدف إحداث توازن عسكري هناك، فيما تكهن مراقبون أن روسيا تأمل في إنشاء قاعدة عسكرية لها في الشرق الليبي، من أجل تواجد مستمر في البحر الأبيض المتوسط وهو ما استبعده كامل عبد الله الخبير في الشأن الليبي، والذي يعمل في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية في حوار مع DW عربية .
ويؤكد عبد الله أن روسيا لا تطمح فعليا لإقامة قواعد عسكرية هناك كما يتكهن البعض، حيث إن هناك دولا إفريقية أخرى مجاورة وأكثر استقرارا، ولم تلمح عن رغبتها في إقامة أي قاعدة عسكرية هناك. لذلك فإن هذا الأمر غير متوقع.
وقال الخبير المصري إن روسيا تريد "مناكفة" الغرب عن طريق الورقة الليبية ومحاولة الاستفادة من ذلك، وهو ما تقوم به حاليا. موضحا أن الدول الغربية مثقلة بالأعباء في منطقة الشرق الأوسط، وروسيا تعرف ذلك وتستغله لصالحها.
"مثلث السيسي – حفتر- الإمارات"
الخبير التونسي رشيد خشانة أكد أن الهدف من الزيارة المتكررة لروسيا هو تعزيز العلاقات عسكرية مع موسكو، ويرى خشانة أن الأطراف الليبية الأخرى الموجودة على الساحة منهكة أيضا وأن حفتر يود استغلاله في حال توفر دعم عسكري وسياسي كاف له. ويرى الخبير أن علاقات حفتر بالسيسي والحكومة الإماراتية تشكل أيضا عاملا مساندا من أجل مد نفوذه. هذا أيضا ما أكده الخبير المصري الذي ذكر أن الإمارات والحكومة المصرية تربطهما علاقات وطيدة مع حفتر. في حين أعرب الخبير المصري عن استغرابه من دعم الإمارات لحفتر واصفا إياه بـ "غير الواضح" وقال إن مصر تريد تحجيم أي أدوار محورية للإسلامين في ليبيا، لذلك فهي تنظر للعلاقات مع ليبيا باعتبارها علاقات محورية.
واستبعد الخبير المصري دخول قوات حفتر في صراعات جديدة حاليا، مؤكدا أن هذه القوات ليست قوية فعلا كما يتصورها البعض، وإلا لكانت قادرة على حسم الأمور لصالحها منذ فترة.
الحالة الليبية مختلفة عن الحالة السورية
من جهته يرى مدير المركز المغاربي للشؤون الليبية أن الأمور قد تتغير بوصول أسلحة روسية فعالة إلى ليبيا، ما قد يسبب في تغيير موازين القوى، ويضيف خشانة أنه في حال إن مولت الإمارات الحصول على تلك الأسلحة فأنه سيكون من الصعب أن تمانع روسيا، وهو ما قد يقلب موازين القوى. وعبر الخبير التونسي عن اعتقاده أن الأمارات مرتبطة بحفتر أيضا بالنظر إلى الدور التنافسي القطري في المنطقة.
كلا الخبيران يؤكدان أن الاهتمام الروسي بالمنطقة الليبية لن يكون على غرار التدخل في سوريا مثلا، كما إن روسيا لا ترغب في تحمل أي تورط هناك، قد يؤدي نهاية الأمر إلى حلول سياسية تفرضها القوى الكبرى.
هذا الأمر يؤكده الباحث والكاتب ياسر زعاترة الذي نشر تغريدة له على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي مؤكدا أن تناقضات الدول الكبرى سوف تجلب الخراب على المنطقة العربية.
خمس سنوات على سقوط القذافي وليبيا لم تخرج بعدُ من النفق
بعد سقوط القذافي وعد سياسيون بإقامة دولة في ليبيا تحترم حقوق الإنسان، لكن بعد مرور سنوات لم تقم تلك الدولة حتى الآن.
صورة من: DW-Fotomontage/picture-alliance/AA/AP
في مدخل هذا النفق ألقى ثوار في 20 من اكتوبر 2011 القبض على القذافي وهاجمه نفر من الغاضبين وأردوه قتيلا. بعد خمس سنوات من الحادثة التي شكلت منعرجا في تاريخ ليبيا، يختزل هذا المكان وبألوانه المتداخلة وشعاراته المتضاربة، المشهد الليبي الغارق في الفوضى.
صورة من: picture alliance/dpa
بعد نحو 42 عاما من حكم معمر القذافي اندلعت في ليبيا في 17 فبراير/ شباط 2011 ثورة ضده أدت إلى سقوط نظامه بمساعدة من حلف الناتو، ومنذ ذلك الحين تبحث ليبيا عن مخرج من الاضطرابات السياسية والعنف الذي يجتاحها.
صورة من: dapd
في بنغازي بشرق ليبيا تأسس المجلس الوطني الانتقالي برئاسة مصطفى عبدالجليل، كوجه للمرحلة الإنتقالية بعد الثورة الليبية. ولم يكد ينته الشهر الذي قتل فيه القذافي حتى انتخب المجلس في طرابلس عبد الرحيم الكيب رئيساً للحكومة الانتقالية. وفور انتخابه صرح الكيب أنه يريد "بناء دولة تحترم حقوق الإنسان".
صورة من: dapd
في سنة 2012 قرر المؤتمر الوطني إجراء انتخابات مباشرة من قبل الليبيين لاختيار جمعية تأسيسية لصياغة دستور البلاد. كما صدر في نفس العام قانون تعديلي لتنظيم المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية في البلاد).
صورة من: AFP/Getty Images
استمر المجلس الوطني الانتقالي في السلطة نحو عشرة أشهر. وفي يوليو/ تموز 2012 جرى انتخاب المؤتمر الوطني العام، الذي شكل الحكومة برئاسة على زيدان في أكتوبر/ تشرين الأول، لكن المجلس سيحجب الثقة عن حكومة زيدان وإسقاطها في شهر مارس 2014.
صورة من: Reuters
ورغم وجود حكومة غرقت ليبيا في فوضى الجماعات والميلشيات المسلحة، وظهرت مخاطر تحولها إلى "دولة فاشلة" تأوي إليها العناصر الإرهابية والمتشددة من دول الجوار. وفي شهر فبراير/ شباط 2014 ظهر اللواء المتقاعد خليفة حفتر عبر شريط فيديو معلنا سيطرته على عدد من مؤسسات الدولة في شرق البلاد، وفي شهر مايو أعلن حفتر بدء "عملية الكرامة" لتطهير ليبيا من العناصر الإرهابية والمتشددة.
صورة من: Reuters
وتمت كتابة دستور بعد تعطل كبير لتجرى الانتخابات التشريعية بالنظام الفردي في 25 يونيو/ حزيران 2014. وفاز مرشحو التيار المدني الليبرالي بأغلبية مقاعد البرلمان، متقدمين على مرشحي التيار الوطني الإسلامي. ليحل البرلمان (مجلس النواب) وحكومته محل المؤتمر الوطني. ومقر مجلس النواب هو بنغازي، لكن أغلبية الأعضاء اختاروا طبرق لعقد جلساتهم.
صورة من: Reuters
اعترف المجتمع الدولي بالبرلمان في طبرق، والذي كلف عبدالله الثني بتشكيل حكومة، لكن ائتلاف "فجر ليبيا" في غرب البلاد، والذي تعد جماعة الإخوان المسلمين أقوى طرف فيه شكل برلمانا موازيا في طرابلس وحكومة برئاسة عمر الحاسي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 ألغت المحكمة العليا في طرابلس نتائج الانتخابات بحجة عدم دستورية قانون الانتخابات.
صورة من: picture-alliance/dpa
شهدت ليبيا مزيدا من الفوضى وتحولت إلى ملجئ للعناصر المسلحة من مشارب مختلفة وخصوصا من التيارات المتشددة، ومنها "أنصار الشريعة"، و"جيش تحكيم الدين" و"مجلس شورى الشباب" المواليين لتنظيم القاعدة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيرها من الجماعات المسلحة التي تتراوح العلاقات فيما بينها بين التحالفات والتناحر.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Hannon
انحازت قوى إقليمية ودولية إلى طرفي الصراع. وفي حين تدعم مصر والإمارات وروسيا برلمان طبرق واللواء حفتر، تدعم تركيا وقطر برلمان طرابلس. وقامت مساع دولية من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولهذا أوفدت الأمم المتحدة في أغسطس آب 2014 مبعوثا خاصا إلى ليبيا هو برنادينو ليون، الذي أطلق مسلسل مفاوضات في الصخيرات بالمغرب.
صورة من: picture-alliance/AA/Jalal Morchidi
استقال المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون بعد مفاوضات طويلة وعسيرة بين الأطراف الليبية في منتجع الصخيرات القريب من العاصمة المغربية الرباط. لينجح خلفه الديبلوماسي الألماني مارتين كوبلر في التوصل مع الأطراف الليبية في الصخيرات إلى اتفاق سلام يهدف لإنهاء الصراع السياسي والعسكري بينها في الخميس (17 كانون الأول/ ديسمبر 2015).
صورة من: imago/Xinhua
وبناء على اتفاق الصخيرات تشكل المجلس الرئاسي الليبي، الذي شكل بدوره حكومة وفاق وطني برئاسة فائز السراج، ونالت الحكومة ثقة برلمان طبرق بالأغلبية قرب نهاية فبراير/ شباط 2016. ووصل السراج الأربعاء (30 آذار/ مارس 2016) إلى طرابلس، لكن خليفة الغويل، رئيس ما يسمى بـ "حكومة الإنقاذ الوطني" طلب منه مغادرة البلاد هو ومن معه.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/GNA Media
وبمرور الوقت أعلن الغويل دعمه لحكومة الوفاق الوطني لكنه تراجع عنه بعد ذلك. لتبقى في ليبيا حتى الآن ثلاث حكومات تتنازعها. حكومتان في طرابلس: "الوفاق الوطني" بقيادة السراج، و"الانقاذ" بقيادة الغويل وحكومة طبرق المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، إضافة إلى العشرات من الميليشيات المسلحة والمتناحرة.