حكم "موقعة الجمل" أغضب الشارع المصري وفجَر صراعات بين أركان الحكم
١٤ أكتوبر ٢٠١٢ربما انتهى الصدام بين الرئاسة والقضاء سريعاً بإعلان استمرار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود في منصبه لكن ما حدث لا شك انه زاد من حرارة الأحداث المتتابعة في مصر منذ صدر الحكم في قضية "موقعة الجمل".
وبدأت المشكلة بعدما صدر الحكم بالبراءة على المتهمين في قضية "موقعة الجمل" والتي اتهم فيها عدد من بعض أشهر رموز نظام مبارك كصفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى الأسبق، وفتحي سرور، رئيس مجلس الشعب الأسبق، وعائشة عبد الهادي، وزيرة القوى العاملة السابقة. المواجهة التي عرفت ب"موقعة الجمل" قد تكون هي الأشهر والأكثر دموية خلال ثمانية عشر يوماً استغرقتها الثورة المصرية للإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك. حينها فوجئ ثوار التحرير بدخول عناصر تعتلي جمال وأحصنة إلى قلب الميدان يضربون باعصيتهم وأسواطهم كل من تطوله أيديهم ليسقط 11 قتيلاً وقرابة ألفي جريح من صفوف الثوار.
ومع تصاعد الأصوات المطالبة بـ"القصاص"، وبعد تقديم عدة بلاغات للنائب العام بفتح التحقيق في الواقعة. وانتظر الكثير من المصريين قرابة العام والنصف حكماً بإدانة هؤلاء لكن الحكم خيب آمالهم في الآخير ليتم تبرئة كل المتهمين لتعم المظاهرات المنددة بالحكم والمطالبة لما أسموه "تطهير القضاء" أرجاء قاهرة المعز. تبع ذلك إعلان الرئاسة استقالة النائب العام والتي تبعها نفي الأخير استقالته ووصفه ما حدث بمحاولة أخونة القضاء وليخرج بسببها وكلاء النيابة والقضاة لمساندته امام مجلس القضاء الأعلى ولدعم استقلالية القضاء. وبعدما اجتمع بهم صباحاً توجه محمود إلى رئاسة الجمهورية ليجتمع بمرسي لينتهي إجتماعهم بإعلان بقائه في منصبه.
حكم مثير في قضية مثيرة
"الحكم لا يرضي احدا لكن المشكلة ليست في القضاء"، بهذه الكلمات بدأ المهندس أحمد نور حديثه لـ DW عربية. ويرى نور ان القاضي لم يكن امامه خيار سوى تبرئة ساحة المتهمين نظراً لقصور الأدلة. ولا يجد نور مصطلح "تطهير القضاء" يتناسب مع الوضع الحالي فيقول في هذا الصدد: "المشكلة ليست في القضاء فالقوانين يضعها مجلس الشعب اما القاضي فيطبقه وحسب". ولا يعتقد نور ان بقايا نظام مبارك لا تزال متوغلة في السلك القضائي رغم اعترافه بوجود قله لكنه اعتبرها غير مؤثرة.
"بقايا نظام مبارك على العكس لهم نفوذ كبير في القضاء وأولهم النائب العام نفسه"، يقول طالب الطب أحمد نصر لـ DW عربية رداً على كلام نور. ويضيف: "كان يجب على النائب العام ان يرحل في هدوء احتراماً لنفسه". ورغم ذلك لا يرى نصر ان القضاء اخطأ في تبرئة المتهمين "بل كان ذلك لقصور الأدلة وهو ما ليس لهم يد فيه". وفيما اذا كان الحكم قد أضاع حق الشهداء، علق نصر قائلاً: "حق الشهداء ضائع من زمان".
"الرئيس لا يستطيع إقالة أصغر وكيل نيابة"
وفي تحليله لموقف القضاء، صرح مستشار رئيس إحدى المحاكم، رفض ذكر اسمه لـ"حساسية الموقف" – على حد تعبيره- لـ DW عربية قائلاً: "الشارع يريد قضاء يسير على هواه". ويضيف المستشار قائلاً: "قضية موقعة الجمل كان يجب ان تنتهي بالبراءة للمتهمين لقصور الأدلة وذلك كان في قمة الوضوح". ويوضح المستشار أن المتهمين كانوا يحاكموا بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين في ميدان التحرير "وهناك مبدأ قضائي يقول: المحاكمة شخصية". ويشرح المستشار معنى هذا المبدأ قائلاً: "بمعنى انه يجب ان يثبت ان هذا الشخص قتل او حرض على قتل ذاك الشخص وهذا مفتقد تماما في تلك المحاكمة".
وقد رفض هذا المستشار مصطلح "تطهير القضاء" حيث يرى أن قضاء مصر نزيه ويستبعد اي عضو فاسد من تلقاء نفسه داخلياً كما استبعد ان تكون بقايا نظام مبارك متوغلة في تلك المؤسسة. ويقول في هذا النطاق لـ DW عربية: "القضاء جهة مستقلة ودائماً يشهد لها بالنزاهة والدليل أن حتى ايام مبارك كانت تصدر احكام ببطلان الإنتخابات رغم تحايله عليها فيما بعد".
ويعود للحديث عن قضية موقعة الجمل قائلاً: "وهذه القضية تحديداً شهادة الشهود فيها مبنية على السمع ولم يشاهد احد بعينه المتهمين يحرضون كما ان منهم من كانت له خصومة مع احد المتهمين". ويضيف: "كما ان المنفذين الفعليين للجريمة والذين صدرت ضدهم احكام عسكرية لم يعترفوا على المتهمين والنائب العام لم يفتح التحقيق في الواقعة إلا بعدما قدمت إليه بلاغات". ويوضح: "ليس معنى أن النيابة حولت القضية للمحاكمة ان هناك دليلا قويا، لكن المبدأ القضائي يقول ايضا: في حالة شك النيابة تحيل القضية للمحاكمة وفي حالة الشك في المحاكمة يحكم بالبراءة". وينهي المستشار حديثه في هذه النقطة قائلاً: "خير للعدالة ان يفرج عن متهم حقيقي عن ان يحبس شخص بريء".
وعن ما حدث بين مؤسسة الرئاسة والنائب العام فيما اسماه النائب العام نفسه بعد انتهاء المشكلة ب"سوء التفاهم"، يقول المستشار لـ DW عربية: "قانوناً، ليس من حق الرئيس اقالة النائب العام ولا حتى إقالة اصغر وكيل نيابة في مصر".
بينما يرى خريج العلوم السياسية مصطفي محمد في حديث لـ DW عربية، ان "القضاء مثله ككل مؤسسة في مصر تحتاج للتطهير". ويضيف محمد: "النائب العام بالطبع كان يجب ان يرحل ومنذ شهور طويلة". وعن الأحداث المتلاحقة يقول لـ DW عربية بناءاً على خلفيته السياسية: "مرسي حاول كسب رضا الشعب بعد فشل خطة المائة يوم بقرار مماثل لقرار إقالة المشير لكنه ليس من حقه إقالة النائب العام". ويرى ان موقف مرسي المتسرع في هذا الأمر و"الغير مدروس" على حد تعبيره عقد الأمور و كاد ان يضع مؤسسة الرئاسة في عداوة مع المؤسسة القضائية. وعن احتمال رضوخ مرسي لطلبات البعض بمحاكمات ثورية يقول محمد: "لن يستجيب لدعوات المحاكمات الثورية فهو دائماً ما يرسم لنفسه صورة المحافظ والداعي لدولة القانون وإقدامه على خطوة كتلك ينسف كل ذلك نسفاً".