حكومة ميركل تحت الضغط رغم إزاحة رئيس الاستخبارات الداخلية
١٨ سبتمبر ٢٠١٨
لم ينته الجدل حول رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية حتى بعد إعلان إبعاده عن منصبه. فقد انتقدت الأوساط السياسية، وخصوصا من المعارضة، الحل الذي توافقت عليه الحكومة الألمانية حوله وخصوصا ترقيته إلى منصب في وزارة الداخلية.
إعلان
أثار الاتفاق بين زعماء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم اليوم الثلاثاء (18 أيلول/ سبتمبر 2018) بشأن إقالة رئيس جهاز حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) هانس ـ غيورغ ماسن من منصبه وترقيته إلى منصب سكرتير دولة في وزارة الداخلية موجة انتقادات واسعة في الأوساط السياسية في برلين.
فقد وصف رئيس منظمة الشباب في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، المشارك في الائتلاف الحاكم، كيفين كونيرت قرار ترقية ماسن "بالصفعة في الوجه" قائلا: "رئيس جهاز حماية الدستور الذي ينشر ويدافع عن نظرية المؤامرة لليمين المتطرف لا يستحق منصبا وظيفيا عاما في الدولة، بل يجب أن يحال إلى التقاعد".
وكانت زعيمة الحزب أندريا نالس صرحت في نهاية الأسبوع أنه "على ميركل توضيح وضع الحكومة. ماسن يجب أن يرحل وأقول لكم إنه سيرحل". ويرى قادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي أن ماسن "ألحق ضررا كبيرا بالثقة في أجهزة الأمن"، بسبب تدخله في الجدل سياسي الوطني.
أما رئيس كتلة حزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني ديتر بارتش فوصف قرار ترقية ماسن بغير المقبول إطلاقا. وقال بارتش "إنه أمر جيد أن يزاح ماسن من منصب رئيس جهاز حماية الدستور. إلا أن ترقيته عمليا ليس سوى هراء"، حسب تعبيره.
ماسن يخرج من باب الاستخبارات ويدخل من نافذة وزارة الداخلية
00:51
من جانبه، انتقد رئيس الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) المعارض كريستيان ليندنر بشدة تغيير منصب هانس-غيورغ ماسن الرئيس الحالي للهيئة الاتحادية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) إلى منصب سكرتير دولة بوزارة الداخلية الاتحادية. وقال ليندنر لوكالة الأنباء الألمانية: "ترقية السيد ماسن تعد حلا شكليا نمطيا. إما يتم الوثوق به أو لا".
وأضاف زعيم الديمقراطيين الأحرار بألمانيا قائلا: "المسرح لا يعرض في النهاية سوى أن الائتلاف (الحاكم) لا يمتلك خطا توجيهيا. هناك في النهاية خاسرون فقط بما فيهم المواطنون الذين لا يمكنهم متابعة هذه المهزلة سوى بهز الرأس".
من جانبها، قالت إرينا ميهالج عضو لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الألماني عن حزب الخضر المعارض أن تعيين ماسن في منصب سكرتير دولة أمر غريب. وتساءلت كيف يمكن عمليا ترقية مسؤول أمني إلى هذه الدرجة بعد أن كشف عن عيوب وأخطاء كثيرة، حسب تعبيرها.
يذكر أن ماسن تسبب في نقاش حاد حول مدى ملائمته لمنصب رئيس الهيئة الاتحادية لحماية الدستور بسبب تصريحات مثيرة للجدل عن أبعاد أعمال شغب معادية للأجانب شهدتها مدينة كيمنتس شرقي ألمانيا، حيث شكك في مصداقية مقطع فيديو يظهر فيه ملاحقة أجانب خلال هذه الأحداث.
وأعلنت الحكومة الألمانية اليوم أنه سوف يتعين على ماسن ترك منصبه في الاستخبارات الداخلية على خلفية تصريحاته بشأن أعمال الشغب المعادية للأجانب في مدينة كيمنتس وسينتقل للعمل كسكرتير دولة في وزارة الداخلية.
ويشار إلى أن ماسن سوف يكسب أموالا في منصب سكرتير دولة تزيد عما يكسبه في منصب رئيس الاستخبارات الداخلية بحوالي 30 الف يورو سنويا.
ح.ع.ح/أ.ح (د.ب.أ، أ.ف.ب)
كيف تحولت مدينة كارل ماركس السابقة إلى مسرح للتطرف اليميني؟
شهدت كيمنتس تحولا كبيرا منذ إعادة توحيد ألمانيا بدءًا بعودة اسمها الأصلي إلا أنها أمست رمزا للخوف على ديمقراطية ألمانيا وانقسام المجتمع بعدما وقعت جريمة قتل لرجل ألماني، يشتبه أن مرتكبيها هما اثنان من طالبي اللجوء العرب.
صورة من: Secunda-Vista/Fotolia.com
ثالث أكبر مدن ساكسونيا
بمساحتها البالغة نحو 220 كيلومترا مربعا وعدد سكانها البالغ نحو ربع مليون نسمة، تعد مدينة كيمنتس بعد مدينتي دريسدن ولايبزيغ الشهيرتين، ثالث أكبر مدن ولاية ساكسونيا بأقصى شرق وسط ألمانيا. وكانت واحدة من أهم مدن الصناعة في ألمانيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
صورة من: picture-alliance/dpa
تغيير الاسم على طريقة السوفييت
اسمها جاء من نهر كيمنتس الذي يمر بها، وبنهاية الحرب العالمية الثانية تدمر نحو 90 في المائة من قلب المدينة. ومن عام 1953 وحتى 1990 في فترة ما عرف بـ"ألمانيا الشرقية" تحول اسمها لـ"مدينة كارل ماركس"، على غرار ما كان الاتحاد السوفيتي السابق يفعله من إعادة لتسمية المدن مثل ستالينغراد (فولغوغراد حاليا) ولينينغراد (سانت بطرسبرغ).
صورة من: imago/ecomedia/robert fishman
مشاهد من عصر النازية
كان برلمان كيمنتس من أوئل البرلمانات، التي سيطر عليها النازيون خلال حقبتهم، ما غير الوجه الثقافي للمدينة. وجرى اضطهاد اليهود ومصادرة أملاكهم، وحرق معابدهم في "ليلة الكريستال". ومن لم يهرب منهم خارج كيمنتس تم ترحيله أو إرساله إلى مراكز الاعتقال.
صورة من: picture alliance
تأثير سوفيتي كبير
بعد الحرب العالمية الثانية أصبح النفوذ السوفيتي واضحا في كيمنتس سواء من الناحية العسكرية أو المالية أو التعدين أو حتى الثقافة. وفي فترة الستينات كانت هناك حركة عمران كبرى. وفي السبعينات نالت شهرة في المسرح والرياضة مثل التزلج الفني على الجليد ورياضات الدرجات والسباحة ورفع الأثقال.
صورة من: picture-alliance/ ZB
مصاعب ما بعد الوحدة
رغم آلاف الشركات التي أُنشئت في كيمنتس بعد الوحدة الألمانية منذ 1990 إلا أن ذلك لم يخف لسنوات طويلة ما يعانيه السكان من بطالة. غير أن نسبة البطالة بدأت في التحسن فوصلت إلى 13 في المائة عام 2013 لتصبح الآن أقل من 8 في المائة عام 2018.
صورة من: picture-alliance/ZB
جريمة قتل تفسح الطريق لليمين المتطرف
مثل غيرها من مدن ولايات شرق ألمانيا وجد اليمين المتطرف نفسه في كيمنتس، رغم أن أعضاء حزب البديل الشعبوي والحزب القومي (النازيون الجدد) في برلمان المدينة هم أربعة فقط من بين 60 عضوا. غير أنه في ليلة السبت/ على الأحد (26 أغسطس/ آب 2018) ظهر اليمين المتطرف بقوة إثر مقتل رجل ألماني عمره 35 عاما، خلال احتفالات المدينة.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Prautzsch
الاحتشاد أمام كارل ماركس
صدر أمر باعتقال اثنين مشتبه بهما في قتله، أحدهما سوري عمره 23 عاما، والآخر عراقي عمره 22 عاما، يفترض أنهما وجها للرجل الألماني عدة طعنات. وبعدما انتشر خبر مقتله وقعت مظاهرات بعد ظهر الإثنين في قلب مدينة كيمنتس، واحتشدت مجموعات من اليمين المتطرف حول تمثال كارل ماركس.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Andersen
صراع اليمين واليسار وهجوم على أجانب
بالتزامن مع ذلك تكونت مظاهرة مضادة من قبل الأحزاب اليسارية في نفس المكان، مما حتم تدخل الشرطة لمنع وقوع الصدام. وقام أشخاص من اليمين المتطرف بمهاجمة أجانب في كيمنتس. وفي المساء بدأت المظاهرات تهدأ بعدما أسفرت عن جرح ستة أشخاص، وتقول الشرطة إن عدد المشاركين في المظاهرات جاء أكبر من توقعاتها بكثير.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Seidel
"غير قابل للانقسام"
أظهرت تلك الأحداث مدى المخاطر التي تحدق بالديمقراطية والتعددية في ألمانيا، وتحدث سياسيون ومشاهير عن قلقهم من الانقسام، وأُعلن عن تنظيم مبادرة "غير قابل للانقسام" (unteilbar#)، من أجل التظاهر في برلين في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، ضد الإقصاء وتأييداً لمجتمع ألماني منفتح. وستكون هناك في نفس اليوم مظاهرات في عواصم أوروبية أخرى ضد النزعة القومية. إعداد: صلاح شرارة.