حلّ حزب العمال الكردستاني .. ما دلالات الخطوة داخل تركيا؟
١٦ مايو ٢٠٢٥
بعد قرابة أربعين عاماً من الصراع المسلح مع الدولة التركية، أعلن حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح. خطوة رحب بها ممثلو الحكومة والمعارضة من مختلف التوجهات الحزبية والتي من شأنها وقف إراقة المزيد من الدماء. إذ فقد عشرات الآلاف من المدنيين ومقاتلي حزب العمال الكردستاني حياتهم خلال العقود الأخيرة.
إعلان حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه ألمانيا أيضاً منظمة إرهابية، لم يقتصر على إثارة حالة من النشوة في تركيا، بل أثار أيضاً العديد من التساؤلات حول تأثير هذا التطور على تركيا. إذ من وجهة نظر خبراء ومحللين سياسيين، فإن تفكك حزب العمال الكردستاني قد يؤدي إلى تغيير جذري في توازن القوى السياسية في تركيا.
كيف سيتأثر المشهد السياسي في تركيا؟
سيرين سيلفين كوركماز، مديرة معهد استطلاعات الرأي "IstanPol"، ترى في إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح "نقطة تحول محتملة" في السياسة التركية. وتوضح كوركماز: "المعادلات السياسية التي كنا نتحدث عنها قبل عام أصبحت اليوم مختلفة بشكل كلي. على الأحزاب تكييف برامجها وخطاباتها، مما يوسع مجال العمل السياسي، خاصة لحزب الديمقراطيين الأكراد".
وبحسب كوركماز، هناك عاملان سيؤثران بشكل كبير على السياسة التركية في السنوات الثلاث المقبلة: المسار المحتمل لعملية السلام مع حزب العمال الكردستاني والوضع القانوني المتعلق برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
تم اعتقال إمام أوغلو المنتخب ديمقراطياً في مارس/ آذار 2025 أثناء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني. وتشير كوركماز أيضاً إلى أن حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه إمام أوغلو يُصنف الآن على أنه "عدو جديد" من قبل الحكومة التركية، بدلاً من الحركة السياسية الكردية، التي لطالما كانت على هذا الحال في السنوات الأخيرة.
إلى جانب إمام أوغلو، يقبع حالياً في السجون العديد من السياسيين الأكراد، بما في ذلك السياسي البارز، صلاح الدين دميرتاش. وتتوقع الحركة الكردية الآن إطلاق سراح ساستها، لكن مصيرهم لا يزال غير واضح. ويوضح المحلل السياسي التركي، مسعود ييجن: "النقاش حول القضية الكردية في إطار الدستور، يتطلب الآن التوصل إلى نوع من الانفراج أو الديمقراطية". ويضيف: "يجب إعادة صياغة الدستور بشكل جذري من أجل خلق نموذج أكثر ديمقراطية للدولة التركية. في الوقت نفسه، هناك حكومة غير مستعدة إلى تغيير النظام الرئاسي مع توجهاته الاستبدادية".
ما مصير الأسلحة؟
من غير الواضح أيضاً إلى من سيسلم حزب العمال الكردستاني أسلحته، ومتى وكيف سيتم ذلك. أسئلة أخرى تبقى مفتوحة حول ما إذا كان ذلك سيحدث تحت مراقبة دولية، وما إذا كان سيتم نزع السلاح بالكامل أم هو مجرد إشارة رمزية.
وبحسب تقارير إعلامية تستند إلى مصادر غير رسمية، فإن هذه الأسئلة المفتوحة قد يتم حسمها في الصيف. إذ تعمل الدوائر الحكومية على وضع خريطة طريق. إذ كانت هناك أيضاً مقاومة من داخل الحزب ضد حله نفسه. وقد تطلب الأمر في البداية إقناع بعض الأعضاء القياديين من داخل الحزب. كما يتوقع أن تكون هناك مناقشات أيضاً حول ما إذا كان من الممكن ظهور منظمات جديدة وما هو مصير الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK).
ومن جهته أوضح وزير الخارجية التركية، هكان فيدان أن مجرد إلقاء السلاح ليس كافيا. وقال في التاسع من مايو/أيار: "يجب القضاء على جميع الهياكل غير القانونية التي قد تستخدم العنف". وأعلن أنه مستعد لمختلف السيناريوهات البديلة.
ما مصير مقاتلي حزب العمال الكردستاني؟
لا يزال مصير أعضاء حزب العمال الكردستاني غير واضح أيضاً، سواء المقاتلين المتواجدين بالجبال أو الناشطين في المدن. وبحسب التقديرات، كان لحزب العمال الكردستاني قاعدة دعم تضم نحو 60 ألف شخص، بما في ذلك المقاتلون والمتعاطفون والمساعدون المدنيون. فيما تبقى إمكانية إصدار عفو عام، مسألة مثيرة للجدل. وفي حين يجري النظر في برامج الاندماج المحتملة، فإن العفو الشامل الذي سيصدره أردوغان يبقى غير مرجح مع خطر كبير لنشوب توترات اجتماعية. ومن غير المرجح عودة قادة حزب العمال الكردستاني إلى تركيا. قد يسافر البعض إلى بلدان أخرى، في حين قد يبقى آخرون في شمال العراق، حيث لا تزال هناك أيضاً حاجة إلى اتخاذ قرارات ملموسة. ولا تريد أنقرة السماح لنحو 300 من قادة حزب العمال الكردستاني الذين يعيشون في الدول المجاورة لتركيا في العراق وسوريا وإيران بالبقاء هناك.
ماذا يعني هذا التطور للأكراد في سوريا؟
تجري حالياً أيضاً مراقبة تأثير هذا التطور على سوريا والعراق عن كثب. ولا تزال مناطق شمال سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي يتكون جوهرها من وحدات حماية الشعب، وهي منظمة تعتبرها تركيا فرعاً من حزب العمال الكردستاني. وتدور تكهنات أيضاً حول دمج مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري وعودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية. وفي حين طالبت أنقرة في بداية العملية بنزع سلاح وحدات حماية الشعب الكردية أيضاً، تراجع هذا المطلب بشكل كبير منذ ذلك الحين. علاوة على ذلك، قامت وزارة الدفاع التركية بتغيير مصطلحاتها الرسمية وبدأت تشير بشكل متزايد إلى "قوات سوريا الديمقراطية" بدلاً من "وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني". وحتى الآن، كانت الحكومة تتجنب استخدام اختصار "قسد" لأنها اعتبرته تحجيماً لها.
في المقابل ظهرت أيضاً أصوات متشككة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. وقد حذر النائب السابق والمقرب من أردوغان، ساميل تيار، من أنه "بالإضافة إلى تسليم الأسلحة واللوائح القانونية، يجب أيضاً توضيح مصير مقاتلي حزب العمال الكردستاني السابقين". وأوضح تيار:"لا يمكن تقييم هذا التطور بمعزل عن الفصائل في سوريا". وتابع:"إن الأهم من تفكيك حزب العمال الكردستاني هو القضاء على التهديد الذي يشكله هذا الحزب على حدودنا".
أعدته للعربية: إيمان ملوك