حين تتجول في هذا الحي تجذبك الأسواق المكتظة بالبضائع والمزدحمة بالناس؛ كما تلفت نظرك هناك طبيعة الحي نفسه. ففي أثناء تجولي فيه رأيت المباني الكثيرة التي لا تدل إلا على حياة البؤس التي يعيش فيها سكان هذا الحي (الفقير). والملفت للنظر أيضا الطريقة التي تبنى فيها تلك البيوت، التي تعد ملاذاً سهلا للفارين من وجه العدالة كونها مبينة بطريقة قد يعجز رجال الأمن عن التركيز عليها أو الوصول إليها.

وبما أن هذا الحي يتميز بكثافة سكانية عالية، فقد تعددت فيه الثقافات والأفكار والانتماءات المذهبية.المختلفة. إلا أن المذهب السلفي (المتشدد) يعد أحد أبرز التيارات الإسلامية الموجودة، وبشكل كبير، في تلك المنطقة. وهو ما يشكل مصدر إزعاج للمواطنين بسبب مشاكلهم المتكررة مع أتباع التيارات الإسلامية الأخرى التي تختلف مع هذا التيار المتشدد.

منزل يتحول إلى جامع للسلفيين

ومن أبرز معالم حي نقم جامع الإمام الألباني؛ وهو جامع أسسته الجماعات السلفية المتشددة في الحي. ويقول احد المواطنين (رفض ذكر اسمه) لدويتشه فيله إن "السلفيين في منطقة حي نقم، وبعد مشادات كلامية متكررة مع مواطنين من التيارات الإسلامية الأخرى داخل المساجد، قاموا بتحويل منزل أحد أنصارهم إلى جامع يجمعهم جميعا؛ كما يستقطبون من خلاله الشباب الضائعين ليصبحوا أعضاء في هذا التيار المتشدد؛ وهو التيار ذاته الذي ينتمي إليه أعضاء تنظيم القاعدة".

حي نقم ومثلث الرعب

وقصص حي نقم لا تقتصر على حوادث السلفيين ونشاطاتهم وحدهم؛ إذ أن هناك من يتحدث عن جوانب أخرى عرف وما زال هذا الحي، يعرف بها. ففي هذا الحي وجدت بعض بيوت الدعارة التي يقول البعض بأنها أغلقت بينما ينفي البعض الآخر ذلك ويؤكد وجودها حتى اليوم. كما توجد فيه محلات لبيع الخمور أمام الجميع ودون خوف؛ وهو ما يبين لنا غياب الأمن في تلك المنطقة. كما ذكر أحد المواطنين لدويتشه فيله بأن في هذا الحي تكثر الحوادث أيضا، منها إقدام أحد المواطنين، قبل سنوات، على إحراق نفسه وزوجته وأولاده بسبب الفقر المدقع الذي كانوا يعانون منه.

ويقول أحد أبناء الحي الشباب لدويتشه فيله بأن "حي نقم ، ومسيك ، والريان تعتبر مثلث الرعب بالنسبة إلينا"؛ فالأول عرف بكثرة الحوادث المختلفة فيه، والثاني يعتبر أحد الأحياء السكنية ارتباطا بتنظيم القاعدة، إذ خرج منه ما يقارب 250 رجلا إلى العراق للالتحاق بفرع التنظيم هناك. وهو الحي نفسه الذي خرج منه قاسم الريمي، القائد العسكري لما يسمى بـ"تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، الذي قتل في غارة جوية مطلع العام الجاري. أما الحي الثالث، الريان، فلا يقل أهمية عن الحيين السابقين من حيث المشاكل الموجودة داخله.

بيئة خصبة للقاعدة والحوثيين

وبعد محاولة اغتيال السفير البريطاني الأخيرة في حي نقم شددت الأجهزة الأمنية مراقبتها على الحي. وخلال تلك الفترة تم اعتقال عدد من المواطنين للاشتباه بهم. ولكن سرعان ما تم إطلاق سراحهم لعدم توفر الأدلة التي تدينهم بأي عمل. ويؤكد المواطن (م.ح) أن هناك عمليات تفتيش يقوم بها رجال الأمن في الشوارع الرئيسية للحي بين فترة وأخرى مشيرا إلى وجود عدد من رجال الأمن داخل الحي، ولكن بشكل سري وذلك لمراقبة الوضع هناك خصوصا أن الحي، وبحسب تركيبته، يشكل بيئة خصبة لتنظيم القاعدة وجماعة الحوثيين.

حديقة برلين

وبعد التجول في حي نقم، وبعيدا عن الضوضاء والزحمة الخانقة، حملتني قدامي إلى حديقة برلين الواقعة على بعد عدة أمتار من موقع محاولة اغتيال السفير البريطاني تيم تورلوت قبل أشهر. هذا المكان، الذي كان في وقت سابق، وقبل ما يقارب ثماني سنوات، مكانا لتجميع مياه الأمطار، وهو يعتبر أحد المشاريع التي أنجزها الرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي.

وفي عام 2002 تحولت هذه السايلة إلى حديقة خضراء تجذب الأبصار وتستريح لها القلوب كلما هلت عليها. ويقول حارس الحديقة لدويتشه فيله بأنها "لم تكن لتكون على ما هي عليه اليوم لولا دعم الألمان في إصلاحها وجعلها مكانا يتنزه فيه سكان الحي ويقضون فيه أجمل أوقاتهم. وتضم حديقة برلين ملعبا خاصا بكرة القدم للشباب، كما تحتوي على متنزه ومكان خاص بلعب الأطفال. وتعد هذه الحديقة المكان الوحيد الذي يخرج إليه سكان الحي هربا من حالات الملل والخوف التي يعيشونها.

فاطمة الأغبري ـ صنعاء

مراجعة: أحمد حسو