لم تكتف روسيا بتعطيل مشروع القرار الفرنسي الإسباني حول وقف القصف على حلب، بل قدمت مشروع قرار خاص بها. لكن مشروعها سقط سقوطا مدويا. الفيتو الروسي حول حلب، هو خامس فيتو تستخدمه روسيا منذ بداية الأزمة السورية عام 2011.
إعلان
كما كان متوقعا، فقد استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار اقترحته فرنسا بالمشاركة مع إسبانيا يدعو إلى وقف عمليات القصف في حلب، ما حال دون تبنيه في مجلس الأمن الدولي. وهذه هي المرة الخامسة التي تستخدم فيها روسيا حق النقض "الفيتو" حول مشروع قرار يتناول سوريا ولحماية حليفها الرئيس السوري بشار الأسد منذ عام 2011.
والمفارقة اليوم كانت أن المندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين كان يرأس جلسة مجلس الأمن التي صوت فيها بالفيتو ضد مشروع قرار فرنسي إسباني حظي بشبه إجماع في أرفع منبر أممي. رئاسة تشوركين للجلسة دفعت ببعض المندوبين للسخرية منه والقول إن التاريخ سيقول إن "رئيس مجلس الأمن الدولي رفض وقف الغارات على حلب وإنقاذ سكانها من الموت والدمار".
ولم يكتف تشوركين بدور رئيس للجلسة التي عطل فيها مشروع قرار حول وقف الاقتتال في سوريا ووقف القصف على حلب، بل عرض باسم دولته روسيا، الداعم الرئيسي للنظام السوري بشار الأسد، مشروع قرار آخر أمام المجلس يدعو بدوره إلى وقف الأعمال القتالية. بيد أن مشروع القرار الروسي، الذي لا يدعو لوقف القصف على حلب، سقط سقوطا مدويا إذ فشل في الحصول على الحد الأدنى من الأصوات التي تسمح بتمريره، وهو تسعة أصوات.
لكن ما حصل مع مشروع القرار الروسي هو مناقض تماما لما حدث مع الفرنسي ـ الإسباني. إذ صوتت تسع دول أعضاء في مجلس الأمن ضده (مشروع القرار الروسي) من أصل 15. ومن بين الدول التي صوتت ضد مشروع القرار الروسي الدول الغربية الثلاث دائمة العضوية وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. لكن اللافت أن دولة عربية كانت من بين الدول التي دعمت روسيا في موقفها في مجلس الأمن وهي مصر. كما أيدته فنزويلا والصين، فيما امتنعت أنغولا والأوروغواي عن التصويت.
وعقد مجلس الأمن جلسة طارئة حول سوريا بعد التحذيرات التي وجهها مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا من أن الأحياء الشرقية لحلب ستدمر بالكامل بحلول نهاية العام إذا ما استمر الوضع على الوتيرة نفسها، ودعا الجهاديين إلى مغادرة المدينة.
وعلى عكس مشروع القرار الروسي، فقد حظي مشروع القرار الفرنسي الإسباني بتأييد إحدى عشرة دولة منها الولايات المتحدة وبريطانيا. ومن بين أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، وحدهما روسيا وفنزويلا اعترضتا على المشروع الفرنسي. وكان اللافت في هذه المرة امتناع الصين، شريكة روسيا بالتصويت بالفيتو سابقا، عن التصويت هذه المرة وهو ما فعلته أنغولا أيضا.
فرنسا تدعو للتحرك لإنقاذ حلب
وفي مستهل الجلسة حض وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت مجلس الأمن على التحرك فورا لإنقاذ مدينة حلب السورية من الدمار جراء حملة الضربات الجوية السورية والروسية. وقال آيرولت قبل التصويت "أمام الرعب، على مجلس الآمن أن يتخذ قرار بسيطا: المطالبة بتحرك فوري لإنقاذ حلب والمطالبة بوقف ضربات النظام وحلفائه والمطالبة بوصول المساعدة الإنسانية بدون عراقيل. هذا هو الوضع في حلب".
وكان مشروع القرار الفرنسي ـ الإسباني يدعو إلى وقف إطلاق النار في حلب وفرض حظر للطيران في أجوائها. أما مشروع القرار الروسي فكان يدعو "إلى التنفيذ الفوري لوقف الأعمال القتالية، وخصوصا في حلب"، دون المطالبة بوقف الغارات على ثاني أكبر مدينة سورية. كما يدعو جميع الأطراف إلى السماح بإيصال المساعدات الإنسانية.
وقال دبلوماسي في مجلس الأمن طلب عدم كشف هويته إن مشروع القرار الروسي "في شكله يحتوي على العديد من التعابير البناءة المستمدة من قرارات سابقة ومن النص الفرنسي، لكن النقطة الأساسية هي أنه لا يدعو إلى وقف القصف الجوي". وأضاف أن "الغالبية العظمى" من أعضاء المجلس يريدون "وقفا فوريا لعمليات القصف المتواصلة للمدنيين في حلب".
وتنفذ قوات النظام السوري هجوما على الأحياء الشرقية في حلب الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ 22 أيلول/سبتمبر. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن 290 شخصا غالبيتهم من المدنيين وبينهم 57 طفلا قتلوا في غارات النظام وحليفه الروسي منذ بدء الهجوم على الأحياء الشرقية. من جانب آخر قتل 50 مدنيا بينهم تسعة أطفال في قصف شنته فصائل المعارضة على الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة النظام.
أ.ح (أ ف ب)
في صور: معارك بلا هوادة وحرب بلا نهاية - حلب تحت النار
صورة من: Reuters/A. Ismail
"ماذا بقي من حلب؟"، لعل هذا السؤال الذي يطرحه هذا الطفل الذي يتأمل ما خلّفه القصف المتواصل على المدينة الجريحة المنكوبة؟ أو فقط لعله يتساءل عما بقي من بيت أهله وأين سيقضي ليلته دون سقف قد لا يقيه راجمات الأسد ولا قاذفات حلفائه الروس. في غضون ذلك، تتواصل معاناة عشرات الآلاف من سكان حلب...والعالم لا يحرك ساكنا!
صورة من: Reuters/A. Ismail
حتى عندما قصفت الصواريخ التي أطلقتها قوات الأسد مدعومة بقوات روسية المستشفيات، على غرار مستشفى ميم 10 والمعروف باسم "مستشفى الصخور" الواقع في شرق حلب وقُتل اثنان من المرضى وأصيب العشرات منهم، لم يحرك العالم ساكنا. البعض ندد وناشد... والأسد - مدعوما بحلفائه روسيا وإيران وحزب الله - يواصل الحرب على شعبه.
صورة من: Reuters/A. Ismail
وفيما تتفاقم معاناة المدنيين، تحتفل قوات الأسد بتقدمها على حساب فصائل المعارضة في حلب... ودمشق تؤكد أن جيشها سيواصل حملته العسكرية الكبيرة - بمؤازرة من فصائل تدعمها إيران وغطاء جوي روسي - لاستعادة السيطرة.
صورة من: Getty Images/AFP/G. Ourfalian
في غضون ذلك، يشيع الحلبيون يشيعون موتاهم إلى مثواهم الأخير في حرب تعددت فيها الجبهات وتنوعت فيها الأطراف بين من يدعم الأسد جهراً وسراً وبين من يدعم المعارضة بالسلاح بشكل مباشر أو غير مباشر. حرب وُصفت بـ"الوحشية" من قبل الأمم المتحدة، فيما تتحدث الصور التي تصلنا عنها عن "بشاعة" تكاد لا تجد ما يضاهيها في الشرق الأوسط منذ عقود طويلة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Alhalbi
ومن لم يحالفه الحظ بالهرب إلى خارج البلاد، يكون مصيره إما الموت أو الإصابة أو العيش في هلع يومي. الأكيد أن أكبر ضحايا هذه الحرب هم الأطفال. فقط بعض الصور التي تصلنا من حلب توثق مدى معاناة هؤلاء: ففي آب/ أغسطس الماضي، صدمت صورة الطفل عمران بوجهه الصغير الملطخ بالدماء والغبار وهو يجلس داخل سيارة إسعاف، الملايين حول العالم بعد إنقاذه من غارة استهدفت الأحياء الشرقية في حلب. وما لا نعرفه كان أعظم!
صورة من: picture-alliance/AA/M. Rslan
حتى قوافل المساعدات الإنسانية التي جاد بها المجتمع الدولي للتخفيف بعض الشيء من معاناة المدنيين في حلب لم تسلم من القصف. فقبل أسبوعين تعرضت قافلة مساعدات في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي للقصف ما أسفر عن مقتل "نحو عشرين مدنياً وموظفاً في الهلال الأحمر السوري، بينما كانوا يفرغون مساعدات إنسانية من الشاحنات"، وفق الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري.
صورة من: picture alliance/newscom/O. H. Kadour
وفيما يبقى المجتمع الدولي عاجزا حتى على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في حلب وإتاحة المجال لتوصيل المساعدات الإنسانية والطبية إلى المدنيين المحاصرين، يبقى أصحاب الخوذات البيضاء "الأبطال" في عيون العديد من الحلبيين. رغم الحديد والنار ورغم الصواريخ والقاذفات، ظلوا في مدينتهم لمد يد المساعدة وإنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض.
صورة من: Reuters/A. Ismail
وبينما يقضي أقرانها في أغلبية دول العالم أوقاتهم في المدرسة أو في اللعب، تجد هذه الطفلة السورية نفسها مجبرة على الوقوف في صف طويل من أجل الحصول على بعض من الطعام الذي توزعه بعض المنظمات الانسانية - طبعا إن سملت هي بدورها من قصف قوات الأسد وقاذفات الطائرات الروسية. بالنسبة للعديد هذه الصورة إنما حالة تبعث للحزن، ولكنها واقع مر لعشرات الآلاف من الأطفال السوريين...
صورة من: picture-alliance/AA/E. Sansar
وفيما يتحمل العديد من الحلبيين الواقع المر بالكثير من الصبر، نفذ صبر واشنطن خلال مفاوضاتها مع روسيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا. وروسيا، التي عبرت طبعاً عن أسفها لذلك، تواصل دعمها للأسد. مراقبون يتحدثون عن لعبة بوتين في الشرق الأوسط من أجل حمل أمريكا وحلفائها الغربيين على إسقاط العقوبات المفروضة على بلاده بشأن دورها في أوكرانيا. إذن سوريا ليست إلا ورقة تفاوض للي ذراع أمريكا؟
صورة من: Getty Images/AFP/J. Samad
في الأثناء يواصل مجلس الأمن الدولي نقاشاته ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا لم ينفك يتحدث عن الأزمة السورية ومعاناة الشعب السوري - وخاصة المدنيين في حلب - ويناشد المجتمع الدولي وخاصة المنخرطين في الصراع السوري بعضا من "الشفقة"... والكل يدين ويكرر الدعوات إلى إيجاد حلول سياسية. فهل من آذان صاغية؟
صورة من: Reuters/A.Kelly
إلى حين إيجاد حل للأزمة السورية... إن وجد أصلا، يبقى العديد من المدنيين في حلب يواجهون مصيرهم بأنفسهم تحت القصف المتواصل دون أن تلوح في الأفق بادرة عن نهاية معاناتهم. فهل من أمل في غد أفضل؟
شمس العياري