خبراء: استمرار عوامل كبح نمو اقتصاد ألمانيا والإصلاحات تأخرت
٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥
يتزايد الإحباط في الاقتصاد الألماني. وبعد تغيير الحكومة، كان رجال الأعمال يأملون أن يسرع المستشار فريدريش ميرتس (من الحزب المسيحي الديمقراطي) في تنفيذ وعوده المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والتي أطلقها خلال حملته الانتخابية. وذلك بهدف: جعل ألمانيا قادرة أكثر على التنافس مرة أخرى. ولكن الآن تزداد المخاوف من تأخير الإصلاحات الجذرية.
ويشعر المستشار أيضا بهذا الإحباط، إذ قال ميرتس في البرلمان الألماني (بوندستاغ): "أجريتُ خلال الأيام الأخيرة عددًا من المحادثات: مع مجالس العمّال، ومع النقابات، ومع جمعيات أرباب العمل، ومع الاتحادات الصناعية، ومع الاتحادات الحرفية". وأضاف أنَّ "جميعهم يشعرون بقلق عميق على مستقبل شركاتهم".
أما من جانب غرفة الصناعة والتجارة الألمانية (DIHK) فقد قالت رئيستها التنفيذية هيلينا ميلنيكوف: "ننتظر أن تتمكن الحكومة أخيرًا من اتباع سياسة اقتصادية واضحة وطويلة الأمد، تؤدي إلى تخفيضات ملموسة وسريعة في الضرائب وتكاليف الطاقة والبيروقراطية".
وتعتبر غرفة الصناعة والتجارة الألمانية من واحدة من أكبر أربعة اتحادات اقتصادية في ألمانيا، وقد استقبل ميرتس مؤخرًا رؤساءها في مكتبه بديوان المستشارية. واستنتج المستشار من هذه المحادثة أنَّ الساعة "ليست الثانية عشرة إلا خمس دقائق، بل الثانية عشرة ودقيقة"، واستخلص من ذلك: "يجب علينا أن ندرك ما فاتنا، ويجب علينا أن نصبح أسرع، ويجب علينا أن نصبح أفضل".
خبراء الاقتصاد أيضا غير راضين
وهكذا يرى الوضع كبار الباحثين الاقتصاديين في تقريرهم لفصل الخريف، الذي تم عرضه في 25 أيلول/سبتمبر في برلين. وجاء فيه أنَّ الإصلاحات الجذرية المعززة لموقع ألمانيا الاقتصادي لم تتحقق، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الآفاق المستقبلية بالنسبة لألمانيا. وإنَّ "ارتفاع تكاليف الطاقة والأجور بالمقارنة مع مستواها الدولي، ونقص العمالة الماهرة، وكذلك تراجع القدرة على التنافس، عوامل تكبح باستمرار آفاق النمو على المدى الطويل".
وفي هذا التقرير يوصي الباحثون الحكومة بجملة من الإجراءات من أجل "خريف إصلاحات" الذي أعلن عنه كثيرًا المستشار ميرتس. ومن هذه الإجراءات زيادة الكفاءة على جميع المستويات الحكومية، وتقليل عدد الموظفين في الإدارات، وزيادة القدرة الإنتاجية من خلال الرقمنة، وصولًا إلى زيادة الكفاءات في نظام الرعاية الصحية.
ويجب أن ترتفع المعاشات التقاعدية بشكل أبطأ من الأجور، وإلغاء حوافز التقاعد المبكر. وفي سوق العمل نحتاج إلى اعتراف مبسّط وموسّع بالشهادات الأجنبية لجذب العمالة الماهرة إلى ألمانيا. ولكن ما يطالب به الباحثون قبل كل شيء هو: سياسة مالية أكثر تشددًا مع ديون أقل، وخفض النفقات في الميزانية يعتبر بحسب التقرير أكثر منطقية من زيادة الضرائب. والبنية التحتية العامة يجب تمويلها بشكل أكبر من قبل المستخدمين.
آفاق مستقبلية سيئة بالنسبة لألمانيا
غيرالدينه داني-كنيدلك باحثة من المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين وأحد واضعي تقرير الخريف، تحذر من أنَّ: "الاقتصاد الألماني لا يزال يقف على ساقين غير ثابتتين". ولا يمكن بحسب تعبيرها ملاحظة انتعاش طفيف إلا لفترة قصيرة. فبعد عامين من الركود، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنسبة 0,2 بالمائة هذا العام، وأن تصل نسبة نموه في عام 2026 إلى 1,3 بالمائة، وفي عام 2027 إلى 1,4 بالمائة إضافية.
ويعود سبب هذا النمو إلى الديون المرتفعة التي تنوي الحكومة الألمانية اقتراضها في السنين القادمة. ومن المقرر استثمار 500 مليار يورو في البنية التحتية المتهالكة وحماية المناخ. ويوضح الباحثون الاقتصاديون رأيهم في ذلك من خلال عنوان تقريرهم الخريفي: "سياسة مالية توسعية تخفي ضعف النمو".
ولا يلوح في الأفق وجود انتعاش اقتصادي ذاتي الدعم بكثير من الاستثمارات الخاصة، كما يُحذّر شتيفان كوتس، وهو خبير من معهد كيل للاقتصاد العالمي، ويستعين بهذه المقارنة الصادمة: عندما يتم إعطاء حقنة لمدمن مخدرات، يشعر في البداية بعد الحقن بأنَّه أفضل. "ولكن عندئذٍ لا أحد - وخاصة الطبيب - سيفكر في القول إنَّ المريض قد تعافى الآن".
أزمة تصدير رغم الصورة المميزة: ألمانيا تخسر المنافذ
يعتمد الاقتصاد الألماني كثيرًا على التجارة الخارجية. وتقريبًا ربع الوظائف في ألمانيا تعتمد على التصدير. وتزيد المشاكل بسبب السياسة التجارية العدوانية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهذه السياسة تهدد من وجهة نظر الباحثين الاقتصاديين بأن تصبح عائقًا أمام النمو الاقتصادي العالمي، كما يكتبون في تقريرهم الخريفي. وإنَّ مستوى الرسوم الجمركية المرتفع بات يصبح ثابتا.
وكذلك استمر تراجع الطلب من الخارج على السلع الألمانية. وهذا مع أنَّ المنتجات التي تحمل علامة الأصل "صنع في ألمانيا" تتمتع دوليًا بسمعة ممتازة بحسب دراسة من معهد نورنبرغ لقرارات السوق. ولكن الباحثين يحذرون: رغم أنَّ ألمانيا لديها صورة جيدة، لكنها ما تزال مثل ذي قبل رمزًا لمنتجات مثل محركات الاحتراق. بينما حققت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان نتائج أفضل في المنتجات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية والإلكترونيات.
التغيير التكنولوجي كمفتاح
المستشار يعرف ذلك أيضًا، إذ قال في البوندستاغ: "نحن بلد يفتقر إلى المواد الخام. يعتمد رخاؤنا وأمننا بشكل كبير على أن نتقدم في التطورات التكنولوجية التي تحدث في العالم الآن، وليس أن نلهث وراءها". ولكن التغييرات تحتاج بحسب تعبيره وقتًا وصبرًا.
ودعا ميرتس إلى ذلك في مؤتمر للصناعات الكيميائية والدوائية أيضا، وقال إنَّ الإصلاحات الضرورية لا يمكن تحقيقها "بين عشية وضحاها". وأضاف: "نحن نتعامل مع تغييرات عميقة، ويجب أن نجيب عليها بعملية شاملة من الإصلاحات والتجديدات، بتكاتف السياسة والاقتصاد والمجتمع كله".
وبحسب ميرتس فقد تم في الأشهر الأخيرة اتخاذ وبدء مجموعة كاملة من القرارات من أجل البدء من جديد في السياسة الاقتصادية. ولكن الكثير من ذلك ما يزال ينتظر تصويت البرلمان.
تراكم الإصلاحات في دولة الرفاه الاجتماعي: تزايد الانتقادات لميرتس
ولكن هذه نصف الحقيقة فقط. إذ يحذّر المنتقدون بالفعل من أنَّ "خريف الإصلاحات" قد لا يحدث أو على الأقل قد يتأخر بشكل ملحوظ. وهذا يتعلق بالإصلاحات في أنظمة الضمان الاجتماعي، أي في المعاشات التقاعدية، والإعانة المدنية، مثل الضمان الاجتماعي الأساسي للعاطلين عن العمل، وكذلك في التأمين الصحي وتأمين الرعاية التمريضية. وفي جميع المجالات ارتفعت التكاليف بشكل كبير، مع استمرار ارتفاع اشتراكات التأمين التي يدفع نصفها الموظفون ونصفها الآخر أصحاب العمل. ومع ذلك فإنَّ حزبي الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي غير متفقين على المدى الذي يمكن أن تصل إليه التخفيضات في نظام الرعالية الاجتماعية.
والاقتصاد الألماني يشكو من تأخر تنفيذ حتى الإجراءات التي تم إقرارها. وتقول غرفة الصناعة والتجارة الألمانية إنَّ: "البدء في إصلاحات ضريبة للشركات في عام 2028 وخفض أسعار الكهرباء لبعض اللقطاعات الصناية فقط، وكذلك إجراء تغييرات هامشية في قانون سلسلة التوريد، إجراءات غير كافية على الإطلاق".
المستشار يحذر الحزب الاشتراكي الديمقراطي
ويريد المستشار فريدريش ميرتس الآن أن يناقش فقط القدرة على التنافس وتحديث الدولة، وذلك في اجتماع وزاري للحكومة الاتحادية يستمر يومين، في 30 أيلول/سبتمبر و1 تشرن أول/أكتوبر. وسيتم في هذا الاجتماع اتخاذ "قرارات محددة جدًا"، كما وعد ميرتس.
وقال موجها تحذيرا للحزب الاشتراكي الديمقراطي، شريكه في الائتلاف الحكومي، من أنَّ: "هدف الإصلاحات ليس هدم دولة الرفاه الاجتماعي، بل المحافظة عليها، كما نحتاجها في الواقع. ومن يرفض هذه الإصلاحات فإنَّه في الحقيقة يزعزع أسس سياستنا الاجتماعية ودولتنا الاجتماعية".
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: عارف جابو