بينما يحاول المجتمع الدولي انتزاع وقف لإطلاق النار من قائدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نزاعهما على السلطة، إلا أن المعارك تتواصل. خبراء يرون أن البرهان و"حميدتي" باتا في مأزق عسكري وسط افتقار كل منهما للدعم.
إعلان
يتواصل القتال والاشتباكات الدامية في السودان بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وفشلت حتى الآن المساعي الدولية في وقف إطلاق النار بين الطرفين، اللذين وافقا على هدنتين لكنه أيا منهما لم يصمد.
وعلى وقع المعارك المحتدمة، قال خبراء إن طرفي الصراع البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان القائد العام للقوات المسلحة، من جهة قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية السودانية، الجنرال محمد حمدان دقلو ، عالقان في مأزق عسكري وسياسي.
وكانت التوترات بين البرهان وحميدتي قد تصاعدت على وقع خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
وفي ذلك، قالت هاجر علي، الباحثة في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، إن البرهان كان يرى أن خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش "تعني القضاء على أي خطر وقوع انقلاب محتمل ضده".
في المقابل، يرى سامي حمدي، مدير شركة "إنترناشونال إنترست" للاستشارات الدولية ومقرها لندن، أن حميدتي كان ينظر إلى خطط دمج قواته في الجيش بمثابة محاولة "لقص جناحيه".
وأضاف أن البرهان "كان يحاول كبح جماح قوات الدعم السريع وهو الأمر الذي فطن إليه حميدتي قبل حدوثه، لذا كان عليه التحرك بشكل مسبق للاستيلاء على السلطة".
المأزق العسكري
وعسكريا، أشارت هاجر علي إلى أن كفة الطرفين متساوية إذ أن الأمر الحاسم يتمثل في "النسبية وليس الحجم المطلق بين القوتين".
وفي مقابلة مع DW، أضافت "قوام قوات الدعم السريع يقدر ما بين 70 ألف و 150 ألف مقاتل في حين أن يتراوح تعداد الجيش ما بين 110 ألف و 120 ألف عنصر يخدمون في الجيش بشكل فعلي".
من جانبه، قال ياسر زيدان، الباحث والمحاضر في الجامعة الوطنية في السودان، إن الجيش السوداني يمتلك مجموعة أوسع من الأسلحة مقارنة بقوات الدعم السريع، مضيفا أن "عتاد الجيش العسكري أفضل فضلا عن امتلاكه مروحيات قتالية وكتائب مختلفة"
ورغم ذلك، أشار الخبير في الشأن السوداني إلى أن قوات الدعم السريع "مجهزة بشكل أفضل للانخراط في حرب الشوارع والمدن بفضل امتلاكها مركبات صغيرة مزودة بمدافع رشاشة".
وفي مقابلة مع DW، قال إنه في حالة تمكن البرهان أو حميدتي من تحقيق انتصار عسكري محتمل، رغم صعوبة ذلك، فإن كلاهما "لن يكون بمقدوره حكم البلاد بشكل منفرد نظرا إلى افتقارهما لقاعدة سياسية داعمة لأي منهما".
الافتقار إلى المؤسسات الديمقراطية
يشار إلى أنه بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، جرى تشكيل مجلس عسكري بقيادة البرهان للإشراف على الانتقال الديمقراطي في السودان.
وخلال التظاهرات، قامت قوات الدعم السريع بأعمال قمع ضد المحتجين ما أسفر عن مقتل المئات وإصابة الآلاف.
وفي سياق متصل، قالت هاجر علي إنه على الرغم من إقدام البرهان على "تغييرات دستورية وتسهيل فوزه في الانتخابات بما في ذلك إنشاء مفوضية الانتخابات يمكنها تعديل القواعد الانتخابية، إلا أنه لا يزال يفتقد إلى الوسيلة السياسية التي تضمن له النجاح الفعلي في أي انتخابات مقبلة في السودان".
وأضافت أن غياب وجود حزب سياسي قوي يحكم البلاد على غرار حزب المؤتمر الوطني السابق بزعامة عمر البشير، سيمثل إشكالية كبيرة مع بدء الأطراف المتصارعة في المفاوضات.
وقالت هاجر "لقد أصبح واضحا جدا أن البرهان لا يستطيع أن يحكم البلاد بمفرده، لذا فهو بحاجة إلى الدخول في تحالفات أو اتفاقيات تقاسم سلطة مع أي حزب سياسي. لكنه لا يستطيع ذلك لأنه يفتقر إلى القاعدة السياسية".
محاربة "الجماعات الإسلامية المتطرفة"
وفي الوقت الذي كان فيه البرهان قليل الحديث إلى الإعلام منذ بدء الاشتباكات السبت الماضي، فإن حميدتي استغل منصات التواصل الاجتماعي لدعوة المجتمع الدولي لدعمه في قتاله ضد ما أسماهم "إسلاميين متطرفين".
وفي تعليقه، قال سامي حمدي إن تغريده حميدتي تشير " إلى أن الأمور لا تسير بالشكل الذي توقعه، لذا فهو يناشد الدعم الدولي."
من جانبها، ترى هاجر علي أن البرهان وحميدتي لن يكون بمقدورهما تحقيق انتصار سياسي أو عسكري في المستقبل القريب، مضيفة "لن يخرج أي طرف منتصرا في هذه الحالة لأن هذه الاشتباكات مجرد معركة وليست الحرب بين الطرفين بشكلها الأوسع".
جنيفر هوليس ) م.ع)
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.