"انتكاسة دبلوماسية" للجزائر بعد القرار الأممي بشأن الصحراء
علاء جمعة أ ف ب
٧ نوفمبر ٢٠٢٥
يرى خبراء أن الدبلوماسية الجزائرية تواجه اختبارا صعبا بعد تبني مجلس الأمن الدولي قرارا لصالح المغرب في قضية الصحراء، يضاف العلاقات المضطربة مع جيرانها ومع فرنسا والإمارات، ورفض انضمامها إلى "بريكس". لكن هناك نجاحات أيضا.
يرى خبراء أن الدبلوماسية الجزائرية تواجه اختبارا صعبا بعد تبني مجلس الأمن الدولي قرارا لصالح المغرب في قضية الصحراء الغربية (أرشيف)صورة من: Ryad Kramidi/AFP/Getty Images
إعلان
تواجه الدبلوماسية الجزائرية اختبارًا معقدًا بعد تبني مجلس الأمن الدولي قرارًا يعتبر أنمقترح الحكم الذاتيالذي يطرحه المغرب يمكن أن يشكّل "الحلّ الواقعي" لنزاع الصحراء الغربية، في خطوة تعكس تحولًا لافتًا في موازين المواقف داخل المجلس الدولي.
القرار الذي دُفع به بدعم من الولايات المتحدة، حظي بموافقة أحد عشر عضوًا، فيما امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، وهي دول تُعدّ من أبرز حلفاء الجزائر، التي لم تصوت على مشروع القرار.
وقال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف عقب التصويت إن "المغرب لم ينجح في فرض الحكم الذاتي كخيار وحيد لحل القضية الصحراوية"، مؤكدًا استمرار موقف الجزائر الداعم لحق تقرير المصير للصحراء.
لكن محللين يرون أن تبنّي القرار يشكّل "انتكاسة سياسية للدبلوماسية الجزائرية"، التي تسعى منذ سنوات إلى تثبيت حضورها في ملفات المنطقة.
تقول الباحثة سابينا هينبيرغ من معهد واشنطن إن "جهود المغرب في تسويق مبادرته بدأت تؤتي ثمارها، في وقت تواجه فيه الجزائر تحديات داخلية وإقليمية متزايدة".
وتعتبر الأمم الصحراء الغربية – المستعمرة الإسبانية السابقة حتى عام 1975 – من بين "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي" في ظل غياب تسوية نهائية. وهي الإقليم الوحيد فيالقارة الإفريقية، الذي لا يزال وضعه معلقًا بعد انتهاء الاستعمار، ويشهد نزاعا بين الرباط و جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر، والتي تطالب باستفتاء لتقرير المصير.
توترات إقليمية وحدود مفتوحة على الأزمات
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه علاقات الجزائر مع محيطها توترات متعددة خاصة مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو، عقب حادثة إسقاط طائرة مسيرة ماليّة داخل أجوائها في مارس/آذار الماضي، وما تبعها من تصعيد دبلوماسي متبادل.
كما تواصل الجزائر انتقاداتها لفرنسا بسبب ما تصفه بـ"ازدواجية المواقف"، وللإمارات بسبب دعمها لأطراف في ليبيا والساحل الإفريقي لا تتوافق مع مصالحها.
ويرى الباحث الجزائري حسني عبيدي أن السياسة الخارجية الجزائرية أنه "لا يمكن للجزائر أن تتحمل البقاء في خلاف دائم مع فرنسا"، القوة الاستعمارية السابقة، مشيرا إلى أزمة غير مسبوقة تجسدت في دعم فرنسا لخطة المغرب بشأن الصحراء الغربية. ويضيف "تحتاج (الجزائر) إلى إعادة ضبط أولوياتها" في ظل متغيرات سريعة بالمنطقة، مشيرًا إلى أن "هيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي تجعل الدبلوماسية الجزائرية بطيئة في الاستجابة للتحولات الدولية".
ومع تصاعد الدور المغربي داخل الاتحاد الإفريقي وتنامي علاقاته الاقتصادية مع أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء، تواجه الجزائر تحديًا استراتيجيًا مزدوجًا: الحفاظ على نفوذها التقليدي في القارة، وتفادي العزلة الدبلوماسية المتزايدة التي فرضها التوازن الجديد في مجلس الأمن.
إعلان
رغبة في العودة للعب دور نشط على الساحة الدولية
انتهجت الجزائر تاريخيا مسار عدم الانحياز، لكن دبلوماسيتها شهدت تراجعا كبيرا منذ تعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسكتة دماغية في العام 2013. حينها، اختفت الجزائر إلى حد كبير من الساحة الدولية والإقليمية والعربية والأفريقية. وسعت لاحقا إلى استعادة مكانتها على الساحة الدولية.
إلى جانب ثرواته النفطية، يُعرف البلد بخبرته في مقاومة المجموعات الإرهابية بعد أن شهد عقدا من الحرب الأهلية ضد الجماعات المتشددة.
وتوضح سابينا هينبيرغ "لقد أظهرت الجزائر في السنوات الأخيرة رغبتها في لعب دور أكثر نشاطا على الساحة العالمية، وخصوصا من خلال انتخابها في مجلس الأمن الدولي" كعضو غير دائم. كما اتخذت "خطوات محدودة لتعميق علاقتها الثنائية مع الولايات المتحدة".
الصحراء الغربية.. ساحة صراع خفي بين القوى العظمى؟
30:04
This browser does not support the video element.
وبفضل الحرب في أوكرانيا، تمكن هذا البلد من أن يطرح نفسه كبديل لتوريد الغاز الطبيعي والنفط للدول الاوروبية التي تسعى الى الإقلال من اعتمادها على روسيا على صعيد الطاقة. وأرست تبعا لذلك علاقات قوية وخصوصا مع إيطاليا.
وعلى الصعيد الأفريقي، وقعت الجزائر في شباط/فبراير مع نيجيريا والنيجر اتفاقيات لتسريع تنفيذ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء.
ومع ذلك، "للسياسة الدبلوماسية الجزائرية حدود"، على ما يقول حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي. ومن الأمثلة على ذلك، فشل ترشح الجزائر للانضمام إلى مجموعة بريكس في صيف العام 2023. ويوضح عبيدي أن "الرئيس عبد المجيد تبون تلقى رفضا شبه مهين من روسيا"، الحليف التاريخي الذي يزود الجزائر معظم أسلحتها.
تحرير: ع.ج.م
الصحراء الغربية ـ خمسة عقود من النزاع.. فهل بات الحل وشيكًا؟
منذ 5 عقود لم يتوقف الصراع في الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر. ومؤخرا ظهرت مؤشرات على اختراق نحو الحل أبرزها تصويت مجلس الأمن لصالح خطة الحكم الذاتي المغربية. ملف صور عن مسار النزاع.
صورة من: picture alliance/UPI
الصحراء الغربية.. ميدان الصراع
تعتبر الأمم المتحدة الصحراء الغربية منطقة متنازعا عليها، تبلغ مساحتها 266 ألف كلم متربع، ومدينة العيون هي كبرى حواضرها. عام 1991 صدر قرار من الأمم المتحدة بإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم، كما نص القرار على وقف إطلاق النار الساري بين الطرفين. تعثر الاستفتاء رغم تكليف ثمانية مبعوثين خلال ثلاثة عقود ونصف. سنة 2007 عرض المغرب مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادته باعتباره حلا وحيدا للنزاع.
صورة من: Darrin Zammit Lupi/REUTERS
المسيرة الخضراء
مباشرة إثر قرار إسبانيا الانسحاب من مستعمرتها السابقة الصحراء الغربية، وتوقيع ما يعرف باتفاقية مدريد بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا. أمر الملك الراحل الحسن الثاني بتنظيم المسيرة الخضراء التي شارك في فيها 350 ألف مغربي يوم 6 نوفمبر تشرين ثاني 1975. ومنذ ذلك التاريخ يبسط المغرب نفوذه على معظم الإقليم.
صورة من: picture alliance/UPI
البوليساريو.. التأسيس والداعمون
تأسست في 10 مايو/أيار 1973، ولقيت دعما غير محدود من النظام الليبي، واحتضانا من الجزائر التي سمحت لها بإقامة مخيماتها في ولاية تيندوف جنوبا. خاضت الجبهة منذ عام 1976 حروبا ضد المغرب. توقفت الحرب بين الجبهة والمغرب عام 1991، عقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء تقرير المصير برعاية الأمم المتحدة مع التوجه لاحقا للبحث عن حلول سياسية للنزاع.
صورة من: Ryad Kramdi/AFP/Getty Images
رفض مقترحات حلول أممية
اقترحت الأمم المتحدة عدة حلول، لكن البوليساريو ترفض الانضمام للمغرب، والمملكة ترفض الانفصال. فشل الاستفتاء بسبب عدم الاتفاق على من يحق له المشاركة فيه. وقدم ممثل الأمين العام جيمس بيكر خيار الحل الثالث القائم على منح الصحراء حكما ذاتيا بإدارة مغربية، لكن الجبهة والجزائر رفضتا. عام 2002 طرح كوفي عنان خيار التقسيم كحل رابع، عبر احتفاظ المغرب بالثلثان وللبوليساريو بالثلث، وهو ما رفضه المغرب.
صورة من: Fadel Senna/AFP
اختراق دبلوماسي؟
يُرجَّح أن ملف الصحراء الغربية ومعه عقود من النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، والتوتر بين المغرب والجزائر، الداعمة البوليساريو، يتجه نحو اختراق دبلوماسي غير مسبوق. إذ صرح ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط يوم 20 أكتوبر 2025، أن فريقا يعمل على إنجاز "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر. وأضاف أنه "سيتم التوصل إلى صفقة خلال 60 يوما".
صورة من: Carlos Barria/REUTERS
مجلس الأمن يصوت لصالح خطة المغرب للحكم الذاتي
صوّت مجلس الأمن الدولي يوم 31 اكتوبر تشرين أول 2025 لصالح دعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية، معتبرا أنها "قد تمثل الحل الأكثر واقعية" للإقليم المتنازع عليه، داعيا جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات بناء على هذه الخطة.
وصوت لصالح القرار 11 دولة، فيما أمتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، بينما لم تصوت الجزائر. كما جدد المجلس ولاية بعثة مينورسو في الصحراء الغربية لمدة عام واحد.
صورة من: Lev Radin/Pacific Press/picture alliance
إسبانيا.. تغيير جذري في موقفها من النزاع
في تغيير جذري لموقفها أعلنت إسبانيا في مارس 2022 دعم الموقف المغربي علنا، ودخول "مرحلة جديدة" في العلاقات مع الرباط، في خطوة رحبت بها المملكة ونددت بها جبهة البوليساريو والجزائر التي جمدت معاهدة الصداقة مع مدريد. واعتبرت الحكومة الإسبانية أن القرار يُدخل علاقة البلدين "مرحلة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل، والتواصل الدائم". ووصفت صحيفة "إل موندو" الإسبانية الموقف الجديد لإسبانيا بـ "التاريخي".
صورة من: /AP Photo/picture alliance
فرنسا خطة الحكم الذاتي "الأساس الوحيد للتوصل الى حل سياسي"
نهاية يوليو/ تموز 2024، أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، العاهل محمد السادس أن خطة الحكم الذاتي التي تقدمت بها الرباط بشأن قضية الصحراء هي "الأساس الوحيد للتوصل الى حل سياسي، عادل ومستدام ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن". وتسبب الموقف الفرنسي جينها في أزمة ديبلوماسية بين فرنسا والجزائر.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/AFP/C. Archambault
روسيا تمتنع عن التصويت في مجلس الأمن
في تصريحات أشعلت الجدل مجدداً بين المغرب والجزائر، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أكد أن "مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يمكن أن يكون حلا ناجحا إذا حظي بموافقة الأطراف المعنية وأشرفت عليه هيئة الأمم المتحدة". وألمح إلى أن ستكون مستعدة وفق ذلك للترحيب بهذا المخطط. بيد أن موسكو أحجمت فيما بعد عن التصويت لصالح الخطة المغربية في جلسة مجلس الأمن (31 أكتوبر/تشرين أول 2025).
صورة من: Shamil Zhumatov/REUTERS
بوليساريو "مستعدة" لقبول مقترح الحكم الذاتي بشرط..
أكد القيادي في بوليساريو محمد يسلم بيسط لفرنس برس (23 أكتوبر 2025) أنه في حال تم تنظيم استفتاء واختار الصحراويون الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كما تقترح الرباط، بدل الاستقلال كما تطالب جبهته، فسيتم قبوله.
وأوضح أن "المقترح الموسع" الذي قدمته الجبهة إلى مجلس الأمن "يتضمن الخيارات الثلاثة.. والضمانات المرتبطة بها، وهي: الاستقلال والانضمام وميثاق الارتباط الحر الذي قد يشبه ما يقترحه المغرب".
صورة من: Fermin Rodriguez/NurPhoto/picture alliance