خبراء: يجب معالجة العنصرية المرتبطة بماضي فرنسا الاستعماري!
٤ يوليو ٢٠٢٣وصلت أعمال الشغب في فرنسا إلى ذروتها هذا الأسبوع بمحاولة اقتحام منزل عمدة ضاحية "لاي-لي-روز" في العاصمة الفرنسية باريس فيما باتت مشاهد السيارات المحترقة والنوافذ المحطمة قاسما مشتركا للعديد من الشوارع الفرنسية.
ففي جميع أنحاء البلاد، تدفق عشرات الآلاف من المحتجي إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم في أعقاب مقتل "نائل م."، الشاب البالغ من العمر 17 عاما من أصل جزائري، بعد إطلاق ضابط شرطة النار عليه يوم الثلاثاء (27 يونيو / حزيران الماضي).
أثارت الاحتجاجات ودوامة العنف بين المتظاهرين الشباب والشرطة تساؤلات حيال السبب وراء اندلاع هذا الكم الهائل من العنف والتدمير العشوائي للمحال التجارية وغيرها، لكن الأمر ارتبط أيضا بتساؤلات حيال دور أصول الشاب "نائل م." وأيضا حالة الغضب في الشوارع ضد العنصرية المنهجية داخل المجتمع الفرنسي وارتباطها بماضي البلاد الاستعماري.
بدوره، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن مقتل الشاب نائل "لا يمكن تفسيره... وغير مبرر"، لكنه في الوقت نفسه ندد بـ"مشاهد عنف .. لا يمكن تبريرها" في الأحياء الفرنسية ضد "المؤسسات والجمهورية".
وفي مقابلة مع DW، تقول كريستال فلمنغ، أستاذة علم الاجتماع في جامعة ستوني بروك الأمريكية، إن تصريحات ماكرون عقب مقتل نائل "غير صائبة"، مضيفة "الأمر ليس لغزا، إنها العنصرية".
وتضيف فلمنج أن الاحتجاجات وأعمال الشغب التي أعقبت مقتل نائل كانت بمثابة "رد فعل على العنصرية في فرنسا المرتبطة بالماضي الاستعماري وهما أمران تم إنكارهما ومحوهما من جانب السلطات والسياسيين في فرنسا على السواء رغم مرور قرون على القمع العنصري للأقليات وسكان المستعمرات السابقة".
شبح الإرث الاستعماري
صحيح أن فرنسا كانت واحدة من أكبر القوى الاستعمارية في أوروبا. ومن القرن السادس عشر حتى السبعينات، كان زعماؤها، مثل زعماء كثيرين آخرين في القارة الأوروبية، يعتقدون أن "مهمة التحضر" لها تبرر استغلال الدول والأقاليم في جميع أنحاء العالم بقوة.
ورغم أن الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789 حملت معها "الحرية والمساواة والأخوة" لجميع الفرنسيين، إلا أن من يعيشون داخل المستعمرات لم يحظوا بمثل هذه المساواة في الحقوق حيث اتسمت حياتهم اليومية بالقمع فيما أُجبروا على "الاندماج" في الثقافة واللغة الفرنسيتين.
وفيما يتعلق بالجزائر التي ينحدر منها الشاب نائل الذي أشعل مقتله شرارة الاحتجاجات وأعمال العنف الحالية، فقد ظل الماضي الاستعماري الفرنسي قضية ذات حساسية بالغة.
ورغم حصول الجزائر وباقي الدول التي استعمرتها فرنسا على الاستقلال بفضل حركات التحرر، إلا أنّ القوة الكولونيالية حافظت على نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري في مستعمراتها السابقة خاصة في القارة الأفريقية من خلال دعم الزعماء الأفارقة المستبدين للدفاع عن مصالحها.
وقد اعترف الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، بالماضي الاستعماري لبلاده باعتباره "جريمة تاريخية" ليكون أكثر رئيس فرنسي يتحدث بهذه النبرة حيث تعهد بإعادة القطع الأثرية المسروقة وإنشاء لجان تحقيق لتحديد دور فرنسا في الجزائر منذ بداية الاستعمار إلى حرب التحرير وأيضا دورها إبان الإبادة الجماعية في رواندا.
لكن كُتاب مثل كريستال فلمنغ يؤكدون أن هذا الأمر لم يكن كافيا.
يشار إلى أن ماكرون قد صرح في كانون الثاني / يناير الماضي أنه لن يطلب "الصفح" من الجزائريين عن استعمار فرنسا لبلدهم، قائلا: "لست مضطراً لطلب الصفح، هذا ليس الهدف. الكلمة ستقطع كلّ الروابط".
الحكومة الفرنسية والعنصرية؟
ورغم ذلك، يزعم بعض فئات من المجتمع الفرنسي والكتب المدرسية بأن الاستعمار الفرنسي حمل جوانب إيجابية حيث قالت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في عام 2017 أن الاستعمار الفرنسي "أعطى الكثير" للمستعمرات السابقة.
وكانت لوبان قد خاضت جولات الإعادة خلال الانتخابات الرئاسية في عامي 2017 و2022 ضد الرئيس الحالي ماكرون وقد تملك فرصة أفضل خلال الانتخابات القادمة في ضوء انتشار مثل هذه الأفكار المتطرفة.
بدورها، تقول أستاذة علم الاجتماع فلمنغ إن مثل هذه التحركات تتزامن مع استمرار "الحكومة الفرنسية في تصوير نفسها على أنها غير عنصرية لكنها في حقيقة الأمر مصابة بعمى الألوان بما يعني عدم إقدامها على تنظم أي إحصاء أو جمع بيانات أخرى عن أعراق مواطنيها."
وتقول الكاتبة الفرنسية رقية ديالو والتي تعد أيضا من أبرز دعاة المساواة في البلاد، إن مثل هذه التدابير والتصريحات الصادرة عن الحكومة لا ترقى إلى الأهداف التي يطالب بها المحتجون خلال المظاهرات السابقة والحالية. وتضيف: "هناك مشكلة عنصرية ممنهجة داخل الشرطة الفرنسية" وهو ما تنفيه الحكومة الفرنسية.
وفقًا لدراسة قام بها مفوض حقوق الإنسان في البلاد، فإن الشبان الذين يُعتبرون من أصل أفريقي أو عربي في فرنسا يتعرضون للتوقيف من قبل الشرطة بمعدل يصل إلى 20 مرة أكثر من الآخرين. ويعود أصل العديد من هؤلاء الشبان إلى المستعمرات الفرنسية السابقة ويعيشون فيما يُعرف بـ "الضواحي"، وهي ضواحي المدن الكبرى مثل باريس ومرسيليا وليون.
وتعد هذه الضواحي، كما صورها الكاتب البريطاني جوني بيتس في كتابه "أفروبيان: ملاحظات من أوروبا السوداء"، إحدى الآثار الجانبية لخلق باريس أو عاصمة النور والموضة والجمال في رونقها الحالي.
ففي منتصف القرن التاسع عشر قام الإمبراطور نابليون الثالث بتكليف المهندس جورج–أوجين هوسمان بإعادة تصميم وبناء العاصمة الفرنسية باريس بما يشمل إنشاء شوارع أوسع ونظام صرف صحي أفضل، لكن المستعمرات الفرنسية في حينه كانت وراء التمويل.
وبمرور الوقت، زحف الفقراء إلى العيش في ضواحي باريس فيما جرى تشييد المباني الشاهقة استجابة للنمو الاقتصادي في أعقاب الحرب العالمية الثانية وهو الأمر الذي شجع على استقدام المهاجرين.
لكن تاريخيا، أهملت الحكومة الفرنسية هذه الضواحي إذ اقترح الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في عام 2005 تدشين حملة تنظيف تستهدف هذه الضواحي حيث تم وضع برنامج ونُظمت محادثات، لكن ذلك لم يُحدث التغير الكبير.
وفي مقابلة مع DW، تقول سونيا فالينكار، التي تسكن في حي نانتير حيث قُتل نائل، إن الحكومة الفرنسية خلقت "حالة من الحرمان مما تسبب في تفشي الفقر والبؤس. ويبدو أننا لا نستطيع التخلص من ذلك".
مارينا شتراوس / م .ع