خبير ألماني: أيام صعبة بانتظار إسرائيل إذا حدث التالي!
١٥ نوفمبر ٢٠١٨
لا شك أن تراجع المكانة القيادية لأمريكا في العالم، ستستفيد منها قوى أخرى مثل روسيا والصين. الخبير العسكري الألماني، أولريش كون، يرى أن ذلك التراجع سيكون مصحوباً بمرحلة حرجة من عدم الاستقرار للشرق الأوسط وبالأخص لإسرائيل.
إعلان
في ظل المؤشرات التي تتحدث عن تراجع المكانة القيادية للولايات المتحدة الأمريكية كأول قوة عسكرية في العالم، يطرح الأوروبيون فكرة الجيش الأوروبي. هذه التغيرات قد تقبل موازين قوى العالم في السنوات القادمة، فمن المستفيد من هذا التراجع؟ كيف يؤثر ذلك على منطقة الشرق الأوسط وأمن إسرائيل؟. الباحث والخبير العسكري الألماني أولريش كون يجيب عن هذه الأسئلة وأسئلة أخرى في حواره التالي مع DW عربية:
سيد كون، بالنظر إلى تقرير جديد لمجلة "شبيغل" الألمانية، والذي تحدث عن مؤشرات فقدان هيمنة الولايات المتحدة، بالنسبة لك كيف يؤثر ذلك على المكانة القيادية للولايات المتحدة باعتبارها القوة العسكرية الأولى في العالم؟
لا تعاني السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة الأمريكية من نقص تمويل القوات العسكرية، بل من إهمال الأدوات الدبلوماسية. إذ ما أمعن المرء النظر في الإنفاق العسكري الأمريكي مقارنة بجميع الدول الأخرى، سيلاحظ وبسهولة أن واشنطن تتقدم الجميع وتقريباً لا يمكن اللحاق بها. الولايات المتحدة الأمريكية ليست بحاجة إلى المزيد من الأسلحة، بل هي بحاجة إلى سياسات أكثر ذكاءً. إن التهديد الحقيقي الذي يتربص بالولايات المتحدة الأمريكية ويهدد مكانتها القيادية في العالم، موجود داخلها، ويتمثل في غياب العدالة الاجتماعية، والتعليم السيئ، وسياسة تحرير السوق المبالغ فيها.
مع وجود المشاكل الاقتصادية، التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية، هل تعتقد أنها سوف تكون قادرة على الحفاظ على قوتها ومكانتها القيادية خلال السنوات القادمة؟
بشكل عام، أؤمن بقدرات المجتمع الأمريكي على التعافي الذاتي، كذلك بعد مرحلة الرئيس ترامب. لكن، سيصبح من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات القادمة التغلب على الانقسامات الاجتماعية الداخلية. لأن مبدأ الحلم الأمريكي - أي أن أي شخص يمكنه أن يحقق حلمه في الولايات المتحدة الأمريكية – مع الوقت بات عدد قليل من الناس باستطاعتهم تحقيقه.
كيف ستستفيد القوى الصاعدة الأخرى، وهما روسيا والصين، من تراجع قوة الولايات المتحدة الأمريكية؟
حيثما تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من أي منطقة في العالم تترك فراغاً جيوسياسياً. وسوف تحاول دول مثل الصين أو روسيا أو حتى إيران الاستفادة من ذلك التراجع لصالحها وبالتالي توسيع نفوذها. لكن على الرغم من عدم الرضا المتزايد عن سياسات الولايات المتحد الأمريكية، يجب ألا ننسى أن الأسس التي تقوم عليها هذه الأنظمة المذكورة هي الظلم وقمع الحرية.
هل تراجع الدور الأمريكي والقوة الأمريكية هو الذي دفع الأوروبيين لطرح مشروع الجيش الأوروبي؟ وهل تتوقع أن لدى أوروبا إمكانيات تجعلها من ضمن القوى العسكرية في العالم؟
إن فكرة الاستقلالية الأوروبية في المجال العسكري هي في المقام الأول نتيجة قلة معرفة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فهل سيدعم ترامب بالفعل الحلفاء الأوروبيين داخل الناتو؟ هنا لا يمكن للمرء أن يكون متأكداً مئة في المئة. فكرة استقلالية أوروبا وتطورها (بمعزل عن واشنطن) في مثل هذه القضايا هي فكرة جيدة، وهي بلا شك جاءت بفضل ترامب.
كيف سيؤثر تراجع المكانة القيادية للولايات المتحدة الأمريكية على العالم العربي ومنها منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وكذلك ماذا يعني ذلك أيضاً بالنسبة لأمن إسرائيل؟
إذا فقدت الولايات المتحدة الأمريكية موقعها المهيمن الحالي في السياسة العالمية أو انسحبت من الشرق الأوسط، أرى أياماً صعبة تنتظر إسرائيل. على سبيل المثال، قد تحاول دول مثل إيران والسعودية توسيع نفوذها الإقليمي على حساب إسرائيل. كما أتوقع أيضاً اندلاع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، على سبيل المثال بين إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا. في الوقت نفسه، قد تُجبر إسرائيل على الانخراط أكثر في الجانب الدبلوماسي والمشاركة بشكل أكبر في حوار للتعاون مع جيرانها في المنطقة.
لكن في نهاية المطاف، بالنسبة إلى الشرق الأوسط، كما هو الحال مع جميع مناطق العالم الأخرى، فإن تراجع قوة مؤثرة في المنطقة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، عادة ما يكون مصحوباً بمرحلة حرجة من عدم الاستقرار.
الدكتور أولريش كون، خبير عسكري، نائب مدير معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية في جامعة هامبورغ وباحث من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
أجرت الحوار: إيمان ملوك
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.