خبير: السعودية ترفض محاولة تركيا الهيمنة على العالم الإسلامي
٨ مارس ٢٠١٨
تصريحات ولي العهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بشأن تركيا كشفت النقاب عن خلافات جوهرية بين الرياض وأنقرة، فيما يعزو خبير في الشؤون التركية الأمر إلى رغبة أردوغان في منافسة السعودية على زعامة العالم الإسلامي.
إعلان
تشهد العلاقات السعودية - التركية فتوراً شديداً مؤخراً
02:09
صرح مؤخرا الأمير السعودي محمد بن سلمان، حسب ما تناقلته وسائل إعلامية مصرية، بأنه "يوجد ثالوث من الشر، ويضم تركيا وإيران والجماعات الإرهابية". كما أوضح أن "تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها على المنطقة، بينما تريد إيران تصدير الثورة، والجماعات الإرهابية التي تحاصرها الدول العربية".
تصريح الأمير السعودي، جعل كثيرين يربطون الأمر بنشوب خلاف بين البلدين حول زعامة العالم الإسلامي. خاصة بعد زيارة أردوغان للجزائر، والتي جعلت البعض أيضا يذهب إلى منافسة أردوغان للسعودية حول "السيطرة على العالم الإسلامي"، بالرغم من تاريخ العلاقات التركية السعودية والتي تميزت في كثير من الأحيان بتعاون اقتصادي وتحالف عسكري.
DW عربية، حاورت خبير الشؤون التركية في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، فادي حاكورة، وسألته عن واقع العلاقات التركية السعودية، ومستقبلها بين البلدين. وفيما يلي نص الحوار:
بعد تصريح محمد بن سلمان الذي يفيد أن تركيا تمثل أحد أعمدة ثالوث الشر، لماذا تصاعد الخلاف بين البلدين وصار يظهر بشكل علني؟
أولا؛ تركيا عملت بشكل مختلف في الأزمة ما بين قطر والسعودية وحلفائها، بحيث وقفت تركيا إلى صف قطر وتحالفت معها. وأرسلت 300 جندي تركي إلى قطر، كنوع من الضغط على السعودية. ثانيا؛ تقربت تركيا من إيران وهي تتعاون مع إيران في سوريا. وهذه السياسة غير متفق عليها في السعودية. ثالثا؛ تركيا تحاول الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وهذه السياسة التي تعتمدها تركيا لا تقبلها السعودية.
في نظركم، ما الذي يدفع تركيا لمنافسة السعودية حول قيادة العالم الإسلامي؟
أردوغان منذ البداية كان يسعى للرجوع إلى هيمنة العثمانيين التي خسروها قبل مائة أو تسعين سنة في الشرق الأوسط، وهذه غاية سياسية كان سعى إليها أردوغان منذ أن تولى الحكم. ويجب أن لا ننسى أن أردوغان تعاون مع الإخوان المسلمين في مصر بين عامي 2012 و2013. فأردوغان منذ بداية مسيرته السياسية كان يطمح بأن تكون تركيا هي المركز الرئيسي في العالم الإسلامي وهو ما لم تتفق معه السعودية فيه كما باقي الدول العربية.
ما هي أوراق الضغط التي يملكها أردوغان أو محمد بن سلمان، للحفاظ على مكتسباته أو اكتساب أرض أكبر؟
موقع تركيا الحالي هو موقع ضعيف نسبيا، إذ أنها الشريك الأصغر لإيران، وبالنسبة لروسيا في سوريا. وهي الآن في حرب مع القوميين الأكراد في عفرين في الشمال، وهي عملية عسكرية ستطول لأشهر ويمكن لسنين. وبالتالي فتركيا ليست في موقف قوي سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية...
أما السعودية، فهي تملك الآن علاقات قوية بمصر في حين أن تركيا ومصر بينهما خلاف شاسع، وهذه ورقة ضغط كبير على تركيا. كما أن السعودية حاربت قطر في منطقة الخليج، وهذه أيضا ورقة ضغط. بالإضافة إلى كل هذا، فالعلاقة السعودية الأمريكية قوية بالمقارنة مع تركيا.
على ضوء كل هذه الخلافات، ألا يمكن أن يكون تقارب بين الطرفين في المستقبل على أساس تحديد الأدوار الإقليمية لكل بلد على حدة، بحيث تقصى إيران مثلا؟
من المعروف على السياسة بين الدول في الشرق الأوسط أنها مبنية على المصالح. اليوم يوجد تشابك بيت تركيا وإيران في سوريا الآن، لكن هذا يمكن أن يختلف بعد سنة أو في المستقبل. فالشرق الأوسط كله مبني على المصالح المؤقتة. ونأخذ مثلا إقليم كردستان العراق وتركيا إذ في 2007 كانت العلاقات بينهما جيدة جدا، ولكن بعد 25أيلول السنة الماضية؛ أي بعد استفتاء الاقليم على الاستقلال اختلفت المصالح بينهما... وإذا أخذنا الاتحاد الأوروبي مثلا، نجد أن المصالح ممكن أن تختلف بين دولتين لكن توجد قواعد مشتركة بينهما، على عكس الشرق الأوسط.
فلو تأخذ جامعة الدول العربية وتقارنها بالاتحاد الأوربي فهي ليست قوية... وهذا هو الفرق بين الدول العربية وأوروبا، حيث توجد قواعد ومؤسسات قوية كل الدول الأوربية تحترمها.
الصعب بالشرق الأوسط هو تدخل كل الدول فيه؛ أمريكا وأوروبا، الصين، إيران.. كل هذا التدخل يساهم في تحالفات مؤقتة بين دول ويمزق العلاقات بين أخرى. كثرة التدخل في المنطقة لا يسمح للمنطقة بتصفية الخلافات بينها، وهذا موجود قبل اتفاقية "سايس بيكو"، إذ أن المنطقة العربية طول الوقت عانت من التدخل العثماني، وبعده الأمريكي، والآن التركي والإيراني وهذا كله يعقد المشاكل بالمنطقة.
أجرى الحوار عمادالدين حسن/م.م
تركيا والسعودية.. تاريخ طويل من المد والجزر وأشياء أخرى
على مدى قرنين من الزمن، مرت العلاقة بين السعوديين والأتراك بفترات مختلفة: حروب وقطيعة، برود وتباعد، استقرار وازدهار، انتكاسة وتوتر. مزيد من الضوء على هذا الموضوع في ملف الصور التالي.
حرب فتاكة
شهدت العلاقات بين آل سعود والعثمانيين تاريخ طويل من التوتر وصل حد الحرب. وعلى سبيل المثال شنت الدولة العثمانية وإبراهيم باشا، ابن محمد علي باشا والي مصر، بين عامي 1811 و1818 حرباً على الدولة السعودية الأولى انتهت بهزيمة السعوديين واندثار دولتهم الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية.
صورة من: picture alliance/dpa/CPA Media Co. Ltd
عهد جديد
في الثالث من آب/ أغسطس 1929، شهدت العلاقات الحديثة بين تركيا والسعودية بداية جديدة، إذ اعترفت تركيا بالسعودية. وفي هذه الفترة بالذات، وقع البلدان اتفاقية سلام وصداقة مشتركة، ولكن بقيت تلك العلاقات تتسم بالبرود حتى ثمانينات القرن العشرين، رغم أن البلدين كان مناهضين للمعسكر الشيوعي/الشرقي في الحرب الباردة.
الثمانينات.. المصالح تقرب البعيد
كانت تركيا والسعودية أكثر الدول المتضررة من أزمة النفط التي تسببت فيها الحرب بين العراق وإيران، ما نتج عنه تقارب بين البلدين؛ ولأن تركيا كانت تستورد النفط من السعودية عبر العراق، فقد زار الرئيس التركي آنذاك "كنعان إيفرين" السعودية عام 1984. وفي نفس العام، زار رئيس الوزراء التركي "تورغوت أوزال" أيضاً السعودية. الغاية كانت البحث عن طرق جديدة لتمديدات النفط وبناء علاقات حيوية واستراتيجية بين الطرفين.
صورة من: picture alliance/UPI
التسعينات..الحيوية والفعالية في العلاقات
كان لاحتلال العراق للكويت في بداية التسعينات، دوراً فعالاً في إيصال العلاقات بين أنقرة والرياض إلى أعلى مستوى من الحيوية والفعالية. حيث دعم الرئيس التركي حينها تورغوت أوزال، الموقف السعودي المعارض لهذا الاحتلال. هذا الدعم، دفع بالسعودية إلى التعبير عن امتنانها لتركيا ليس فقط برسائل وإنما بتقديم مليار دولار لصالح الخزينة المالية للجيش التركي، بالإضافة إلى هبة نفطية بمقدار 1,2 مليار بدون أي مقابل.
صورة من: picture-alliance/ dpa
2003.. انتعاش بعد جمود في العلاقات
طرأت الكثير من التغيرات على الحكومات التركية وغاب الاستقرار عن أوضاعها في الجانب السياسي والاقتصادي مما جعل العلاقة بين تركيا والسعودية تعرف نوعاً من الجمود. لكن عام 2003، سيجد البلدان نفسيهما في حاجة إلى التعاون خاصة بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، وظهور مستجدات سياسية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.
صورة من: AP
زيارات وصفقات تسليح
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، زار الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز تركيا، لكن الأمر لم يتوقف هنا وإنما تكررت الزيارات بين البلدين وذلك لتقوية العلاقات من الجانبين العسكري والاقتصادي. حيث تم توريد بعض الأسلحة التركية إلى السعودية، كما اهتمت شركات تركية بتصليح وتحديث المعدات العسكرية السعودية وأيضاً التوقيع على عقود لطائرات بدون طيار والعربات المدرعة وغيرها.
صورة من: AP
الأزمة السورية.. اتفاق ثم اختلاف
عززت الثورة السورية التقارب بين الرياض وأنقرة. إذ سعى الطرفان إلى إسقاط نظام بشار الأسد. لكن هذا التقارب لم يستمر طويلاً. فقد افترقت الدروب وانشغلت السعودية بحرب اليمن، فيما سيطر على تركيا هاجس قيام دولة كردية في شمال سوريا.
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/A. Suleyman
حرب اليمن.. بداية الصراع العلني
توتر العلاقات برز أكثر في الأزمة اليمنية. إذ أنه بالرغم من أن تركيا وقفت إلى جانب السعودية في عملية "عاصفة الحزم"، إلا أن مصالح البلدين عادت لتفترق من جديد.
صورة من: Reuters/Saudi Press Agency
الأزمة القطرية.. تباين في التوجهات
في 5 يونيو/ حزيران 2017، أعلنت بعض الدول العربية ومنها السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر؛ مبررين ذلك بتدخلها في شؤونهم الداخلية ودعم الإرهاب. في تلك الأثناء التزمت تركيا الحياد لفترة، لكنها لم تلبث حتى أعربت عن وقوفها إلى جانب قطر. وصرح رجب طيب أردوغان في 9 يونيو/حزيران 2017 بأن تركيا ستستمر بدعم أشقائها القطريين، ولن تتركهم وحدهم.
صورة من: picture-alliance/abaca/K. Ozer
2017.. حرب إعلامية
كانت السنة الفائتة سنة استثمار سعودي كبير في تركيا. إلا أن هذا لم يمنع البلدين من شن حرب إعلامية على بعضهما. إذ شكل موقف تركيا من القدس مادة دسمة للإعلام السعودي. في حين انهارت "الهدنة" التي تبناها الإعلام التركي لزمن، وشن هو الآخر هجوماً إعلامياً على السعودية، على خلفية الأزمة مع قطر وصراع الرياض مع الإخوان المسلمين.
صورة من: picture alliance /dpa/Saudi Press Agency
2018.. عام تبديد الخلافات؟
بالرغم من أن التنافس بين السعودية وتركيا حول قيادة العالم الإسلامي قد يبدو جلياً للبعض، إلا أن وسائل الإعلام التركية قد أعلنت عن زيارة مرتقبة لولي العهد محمد بن سلمان إلى أنقرة، وهو ما جعل البعض ينتظر هذه الزيارة التي من الممكن أن تذيب أي خلاف يكون قد نشب مؤخراً ويعيد للعلاقات حيويتها من جديد. إعداد: مريم مرغيش