اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السلطات الألمانية بـ "إيواء إرهابيين". في حوار مع DW يوضح الخبير في الشؤون التركية كريستوف رام أبعاد هذا التصريح ومستقبل العلاقات التركية الألمانية في ظل التصعيد الأخير بين البلدين.
إعلان
DW: طيب أردوغان قال إن ألمانيا هي "ملاذ للإرهابيين". كيف يمكن قراءة هذا التصريح؟
كريستوف رام: يبدو أن طيب أردوغان تأثر بالانتقاد الحذر الذي وجهته الحكومة الألمانية حول تعامل السلطات التركية مع صحيفة "جمهوريت" وإلا فإنه ما كان ليدلي بتصريحات بهذا الشكل.
حسب أردوغان فإن ألمانيا هي مخبأ لحركة غولن ولحزب العمال الكردستاني وللحزب اليساري المتطرف، حزب التحرير الشعبي الثوري. ما صحة ذلك؟
التعامل مع هذه المنظمات يتم هنا وفق المعايير الدستورية. لذلك توجد هنا أيضا في ألمانيا دعاوي ضد حزب العمال الكردستاني وضد حزب التحرير الشعبي الثوري. وهي دعاوي مثيرة للجدل. لكن بالنسبة لحركة غولن فالمشكلة تكمن في أن الطرف التركي لم يرسل لحد الآن أي أدلة لألمانيا. وهذه الأدلة تبقى ضرورية للشروع في أي تحقيق بهذا الخصوص.
الكاتبة التركية، أسلي أردوغان بعثت برسالة لمؤسسة دويتشه فيله من داخل السجن تقول فيها "أي رأي يخالف توجهات الحكام يتم قمعه". رغم الاحتجاجات الخارجية تتصرف القيادة التركية كما يحلو لها؟
تركيا تتجه نحو العزلة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. والسبب في ذلك يرجع بالأساس لسياستها الداخلية: فحزب العدالة والتنمية أصبح هو المسيطر بعد محاولة الانقلاب وبات بإمكانه لوحده تقريبا رسم السياسة العامة لتركيا. بل إن الحزب يفكر أكثر من ذلك، فهو يريد اغتنام الفرصة لإدخال النظام الرئاسي إلى تركيا. ومن أجل ذلك يسعى حزب العدالة والتنمية ـ على الأقل بشكل غير رسمي ـ إلى التحالف مع حزب الحركة القومية اليميني. فكلا الحزبين يؤيدان الانعزالية والتوجهات القومية اليمينية. ويجري التفاوض بشكل مكثف حاليا وراء الكواليس. كما أن تطبيق عقوبة الإعدام تعد من بين القضايا المطروحة حاليا للنقاش.
اليوم هدد وزير الخارجية التركي من جديد بفسخ الاتفاق الخاص باللاجئين إذا لم يتم إعفاء الأتراك من تأشيرة دخول دول الاتحاد الأوروبي. هل هناك تحايل بهذا الخصوص؟
السؤال هو إلى أي مدى يمكن استخدام اتفاق اللاجئين كورقة ضغط وإلى أي مدى يبقى من مصلحة تركيا السماح بتدفق أفواج اللاجئين إلى اليونان. فبهذا الشكل تغامر تركيا بالدخول في قطيعة مع أوروبا. وفي الوقت الراهن تحارب تركيا على كثير من الجبهات، على مستوى السياسة الداخلية من جهة وعلى مستوى السياسة الخارجية من جهة أخرى، على سبيل المثال في سوريا. وأُفضل في الوقت الراهن عدم التنبؤ بما سيقع، فالكثير من الأشياء حدثت في الآونة الأخيرة لم تكن متوقعة.
كما هو الحال بالنسبة للعلاقة الألمانية التركية؟
اتفاق اللاجئين هو ما يبقي على العلاقات حاليا. عدا ذلك فالعلاقة سيئة بشكل غير مسبوق.
هناك الجانب السياسي في العلاقة بين الحكومتين وهناك الجانب الإنساني، إذ يعيش الملايين من أصول تركية في ألمانيا. ما هي الإشارات التي يجب إرسالها إلى هؤلاء في هذه الأيام؟
أحد أبرز هذه الرسائل هي عدم اعتبار كل الأشخاص من أصول تركية هنا في ألمانيا، أنهم أتراك أو مؤيدين لأردوغان. تنوع الأتراك الموجودين في ألمانيا يعكس الاختلافات الموجودة في تركيا، من يمينيين ويساريين وعلويين وأكراد وسنة. ولا بد من أخد هذا الاختلاف بعين الاعتبار. والكثير من الأشخاص هم ضد أردوغان وقلقين مما يجري في تركيا. وهذه الحقيقة لا بد من إبرازها في وسائل الإعلام.
الدكتور كريستوف رام هو خبير في الشؤون التركية وأستاذ في جامعة بيرن.
أجرى الحوار: دانييل هاينريش
ترجمة : هشام الدريوش
بعد محاولة الانقلاب - أردوغان يتعهد بقيام تركيا جديدة
بعد نحو ثلاث أسابيع من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ومظاهرات يومية في نحو ثمانين مدينة تركية، لا تزال الحكومة التركية تواصل حملة التطهير التي أطلقتها وطالت عدة قطاعات حكومية. أردوغان نفسه تعهد بقيام تركيا جديدة.
صورة من: DW/D. Cupolo
خلال محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف الشهر الماضي دعا الرئيس رجب طيب أردوغان أنصاره إلى النزول إلى الشوارع للمساعدة على إفشال مخطط بعض العسكر الإطاحة بحزب العدالة والتنمية من الحكم. ويعود الفضل الكبير في ذلك إلى أنصاره الذين ملوؤا الشوارع في مختلف أنحاء البلاد. ومذاك الحين وهو يدعوهم للخروج في مظاهرات ليلية "من أجل السهر على الديمقراطية".
صورة من: DW/D. Cupolo
آخر المظاهرات شارك فيها مليونا متظاهر في إسطنبول ونحو عشرة آلاف آخرين في أنقرة. وقد نظمت في نحو ثمانين مدينة مظاهرات مؤيدة لحزب الرئيس أردوغان، حزب العدالة والتنمية الذي نجح في الإفلات من محاولة الانقلاب العسكري. أنصار أردوغان اعتبروا ذلك نصرا على الانقلابات التي شهدتها البلاد وكذلك على الدستور العلماني.
صورة من: DW/D. Cupolo
وفي إسطنبول تعهد أردوغان أمام المتظاهرين بـ "إعادة بناء تركيا من الأساس" ناشرا بذلك مشاعر التفاؤل لدى أنصاره. لاله أليجي (ليست في الصورة)، التي شاركت في جميع المظاهرات المؤيدة لأردوغان منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، تقول: "عندما تنتهي عملية التطهير، فإن تركيا ستدفع بعجلة التنمية سريعا إلى الأمام لأن أولئك الذين انخرطوا في الحكومة لن يشكلوا بعد ذلك عبئا على بلادنا".
صورة من: DW/D. Cupolo
آتالاي (ليس في الصورة) هو مصمم هندسة داخلية، رفض إعطاء اسمه بالكامل ولكنه أكد أنه يدعم أردوغان لأن الأخير سيقود تركيا إلى الساحة العالمية. "أردوغان بصدد إعلام العالم بأننا نحن هنا وأننا سنصبح قوة كبيرة"، على حد تعبيره. "حتى إن لم تحب ذلك، فعليك أن تقبل به. العالم أكبر من (مجموعة الدول السبع)."
صورة من: DW/D. Cupolo
وعلى الرغم من أن العديد من المشاركين في مظاهرات الأحد أكدوا أنهم يدافعون عن الديمقراطية، إلا أن المعارضين لاحظوا أن ثالث أكبر حزب سياسي، وهو حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد منع من المشاركة فيها. "بما أني كردية، فلا يمكنني الذهاب إلى هذه المظاهرات لأنني لن أشعر بالأمان"، هذا ما تقوله حواء أوزكان (ليست في الصورة)، إحدى رؤساء منظمة توهاد-فيد المدافعة عن حقوق السجناء. "ليس الكل مرحب بهم."
صورة من: DW/D. Cupolo
تقول أوزكان إن الحكومة تدعم كليا هذه المظاهرات، فيما تحظر بشكل واسع المظاهرات الاحتجاجية الأخرى. وتشير إلى أن المشاركين حصلوا على الماء والغذاء مجانا، كما أنه كان بإمكانهم استخدام كل وسائل النقل في أنقرة وإسطنبول مجانا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بهدف تحفيز الناس على المشاركة في المظاهرات الداعمة لأردوغان. "نحن بصدد معايشة اشتراكية مؤقتة في تركيا"، على حد تعبير أوزكان.
صورة من: DW/D. Cupolo
وفيما كانت الحكومة تفرض حظرا على مواقع التواصل الاجتماعي في حالات الطوارئ، لعبت هذه المواقع دورا مهما خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث استخدم أردوغان نفسه موقع فيس تايم للتواصل مع أنصاره ودعوتهم إلى النزول إلى الشوارع لإفشال مخطط الانقلابيين. أما المعارضة فتقول إن الحكومة تسمح باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي فقط عندما تعود عليها بالنفع.
صورة من: DW/D. Cupolo
من جهة أخرى يشكو أصحاب المطاعم والمقاهي في قلب مدينة أنقرة من تراجع عدد الزبائن منذ انطلاق المظاهرات المؤيدة لأردوغان. وفي سياق متصل يقول جان، وهو صاحب مقهى رفض الإفصاح عن اسمه كاملا، إن "هذه المظاهرات مؤشر على أن الأمور ستسوء قريبا."
صورة من: DW/D. Cupolo
يرى البعض أن هذه المظاهرات بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم طريقة لتقوية قاعدته الشعبية، على حد تعبير محمد، وهو لاجئ سوري. ويقول – شريطة عدم الكشف عن هويته - بأنه كان شاهد عيان على الانقلاب الذي حصل في مصر وأن هذه المظاهرات هي عبارة عن "تدريب لأنصار أردوغان" وأنه "سيدعوهم قريبا للتظاهر ضد الحركات التي لا يحبها."
صورة من: DW/D. Cupolo
قامت الحكومة التركية بتغيير أسماء مناطق شهيرة انطلاقا من ساحة كيزيلاي وصولا إلى جسر البوسفور في إسطنبول تكريما لضحايا محاولة الانقلاب الفاشلة. وأصبح اليوم يتعين على المسافرين من الجزء الأوروبي لإسطنبول إلى القسم الآسيوي المرور عبر ساحة "شهداء جسر الـ 15 من يوليو".