ختان الإناث- عادة بائدة تغلغلت في المجتمع الموريتاني وعاداته
١٥ فبراير ٢٠١٠أزيد من 71 في المائة من الموريتانيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة، تعرضن لعملية الختان أو ما يعرف بـ "الخفاض"، وهو رقم تعتبره وزارة شؤون المرأة في موريتانيا انه مقلق للغاية ومؤشر على مدى تجذر هذه الظاهرة في المجتمع الموريتاني، رغم حملات التوعية التي تقوم بها السلطات الموريتانية ومنظمات المجتمع المدني. وحسب آخر مسح إحصائي قامت به الوزارة المكلفة بشؤون المرأة والطفل، فإن نسب انتشار ظاهرة ختان الإناث في المجتمع الموريتاني تتباين بين المناطق والقوميات. وفيما تصل نسبة انتشارها في أوساط الأغلبية العربية نسبة 70 في المائة، فإن هذه النسبة ترتفع لدى بعض قوميات الأقلية الزنجية، حيث تصل نسبة النساء المختونات لدى قومية "السونكي" إلى 92في المائة، وتبلغ لدى مجموعة "البولار" 72 في المائة. أما قومية "الولوف" فإن النسبة لا تتجاوز في أوساط نسائها 25 في المائة.
وعلى مستوى التوزيع الجغرافي تختلف نسبة انتشار ظاهرة الختان بين المناطق، حيث تصل في المناطق الشرقية من البلاد نسبة النساء اللواتي تعرضن للختان في أوقات مبكرة من أعمارهن 91 في المائة، بينما تتراجع النسبة قليلا في المناطق الوسطى من البلاد لتصل إلى 86 في المائة، أما في المناطق الشمالية والغربية فإن النسبة تبلغ 54 في المائة. كما تتأثر هذه النسب بالتوزيع الديموغرافي للسكان ووضعهم الحضري، حيث تقول الوزارة المكلفة بشؤون المرأة إن نسبة النساء المختونات في الأوساط الريفية تبلغ 72 في المائة، مقابل نسبة 66 في المائة تم تسجيلها في الأوساط الحضرية.
جهود محاربة الظاهرة
وقد أكدت وزيرة المرأة الموريتانية، السيدة مولاتي بنت المختار، أن النقاشات الدينية والتاريخية أثبتت أن ظاهرة "الخفاض" هي جزء من العادات البائدة ولا علاقة لها بحقيقة الدين الإسلامي، وأضافت أن هذه الظاهرة تعتبر شكلا من أشكال العنف التي تمارس ضد المرأة وقد دخلت منظومة العادات والتقاليد الإسلامية منذ فترة زمنية طويلة، دون أن يكون لها أصل في الدين. وفي السياق ذاته أكدت الوزيرة أن "ختان البنات يشكل عائقا حقيقيا في وجه المرأة الموريتانية، حيث يمنعها من أن تلعب دورها في تنمية البلد". وتقول السلطات الموريتانية إنها تحارب "الخفاض" قانونيا، وتدرجه ضمن الممارسات الضارة بالمرأة والتي يعاقب عليها القانون الجنائي الموريتاني.
وقد شهد مبنى البرلمان الموريتاني خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير/ شباط الجاري ندوة حول خطورة ختان الإناث ووسائل محاربته، أسفر عن صدور جملة من التوصيات بهذا الخصوص من أبرزها المطالبة بسن قانون يجرم ممارسة ظاهرة الخفاض بشكل خاص، والدعوة إلى تنظيم حملات توعية دينية وطبية للتحذير من هذه الظاهرة بالإضافة إلى القيام بتوثيق وجمع المعلومات الدقيقة عنها وتوفير الوسائل المادية الكفيلة بمواجهتها.
فتوى تحرم ختان الإناث
وعلى مستوى رأي علماء الدين، يقول الشيخ حمدا ولد التاه، رئيس رابطة أئمة وعلماء موريتانيا "إن القراءة المعتدلة للإسلام في موريتانيا أكسبت المرأة منزلة خاصة داخل هذا المجتمع الذي يعترف لها بحقوقها في ظل احترام العادات والتقاليد الموريتانية.وطالب بانتهاج فقه يتماشى ومتطلبات المدينة، من أجل تمييز ما هو محرم شرعا وما هو داخل في إطار الاستهجان الموروث عن العادات والتقاليد. كما أصدر تكتل الأئمة والعلماء المدافعين عن حقوق الطفل والمرأة والذي يضم عددا من العلماء موريتانيا وأعضاء في المجلس الإسلامي الأعلى، فتوى تحرم "خفاض" البنات "نظرا لما يسببه من أضرار صحية ونفسية على البنت".
جهود غير حكومية
وتنشط في موريتانيا عدة منظمات غير حكومية محلية ودولية ضد ظاهرة ختان الإناث، من أبرزها الشبكة البرلمانية للسكان والتنمية، والمنظمة الموريتانية لمكافحة الممارسات الضارة بالمرأة والطفل، وتكتل العلماء المدافعين عن حقوق الأم والطفل. ودوليا تقوم منظمة "تجريت" الألمانية غير الحكومية بنشاطات دورية في موريتانيا لمحاربة هذه الظاهرة، وقد تمكنت هذه المنظمة من استصدار فتوى لبعض كبار العلماء الموريتانيين بتحريم "الخفاض"، وقامت بكتابة تلك الفتوى على لافتة ضخمة وتعليقها على مسجد مدينة شنقيط التاريخية، وهو أقدم مسجد في موريتانيا على الإطلاق.
ويقول باحثون اجتماعيون أن القوانين والعقوبات، وحتى الفتاوى الدينية لن تكون كافية للقضاء على ظاهرة ختان الإناث في موريتانيا بالسرعة المطلوبة، وذلك بسبب وجود مباركة اجتماعية تقليدية تجيز هذه الظاهرة وتمجدها وتحث عليها. وقد كشفت إحصائيات الوزارة المكلفة بشؤون المرأة أن نسبة 31 في المائة من الأمهات الموريتانيات يعتقدن أن "الخفاض" ضروري لإبعاد الفتيات عن الانحراف، مقابل 41 في المائة من الرجال لديهم نفس الاعتقاد، بينما عزت نسبة 35 في المائة من النساء انتشار هذه الظاهرة إلى التقاليد الاجتماعية وحدها دون تقديم أي مبرر آخر، مقابل 29 في المائة من الرجال. أما من يعتقدون بأن ختان الإناث يتم امتثالا لتعاليم الدين الإسلامي، فتصل نسبتهم بين النساء إلى 30 في المائة، مقابل 40 في المائة من الرجال.
نواكشوط ـ محمد محمود أبو المعالي
مراجعة: طارق أنكاي