خضروات من الصحراء
٢٢ أغسطس ٢٠١٣خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، وقف مهندس المياه الإسرائيلي سيمحا بلاس في قطعة الأرض التي يمتلكها في صحراء النقب وهو يتساءل لماذا تنمو إحدى الأشجار أسرع من غيرها من الأشجار المحيطة بها؟اكتشف سيمحا بلاس أن أنبوبا للمياه بجانب الشجرة يسرب الماء قطرة قطرة، لتتساقط على الأرض. فهل كان هذا هو السبب وراء نمو هذه الشجرة بسرعة؟ بدأ سيمحا بلاس يجري تجارب مختلفة، وفي النهاية، كان قد نجح في تطوير طريقة ري جديدة انتشرت في جميع أنحاء العالم: الري بالتنقيط.
وكانت الفكرة الأساسية تتمثل في وصول قطرة ماء فقط إلى الأرض، وأن تصل إلى حيث الحاجة إليها قائمة بالفعل، بدلا من السقي من وقت لآخر بصب الكثير من الماء دفعة واحدة على الأرض.
الحل في خرطوم مثقوب
في أواخر الخمسينيات نجحسيمحا بلاس في تطوير نظام حقيقي للري بالتنقيط. وفي عام 1959، قدم أول خرطوم من البلاستيك يحوي على الكثير من الثقوب الصغيرة وتم وتوزيعها على جهات مختلفة. وفي عام1965 تأسست شركة نتافيم، التي تصنع اليوم نظم الري بالتنقيط وتوزعها في أكثر من مائة بلد في أنحاء العالم المختلفة.
كان الاكتشاف عرضيا، ولكن هذا الأسلوب يستخدم الآن على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، سواء في إفريقيا أوأمريكا اللاتينية أوأستراليا وإيطاليا واليونان، كما يقول جدعون أورون من جامعة بن غوريون في النقب، والذي يهتم منذ سنوات بالطريقة المثلى لري الفواكه والخضراوات والحبوب، بحيث يمكن أن تزدهر وتثمر في الصحراء. ويضيف أورون "استخدام نظام الري بالتنقيط يوفر حوالي نصف كمية المياه التي تستهلك لدى اتباع نظام الري بالرش". ويعلم جدعون أيضا المشكلة التي ظهرت منذ البدايات الأولى لاستخدام نظام الري بالتنقيط، والتي تتمثل في أن المياه في نهاية الخط تكون أقل مما في مقدمته. وتم تجاوز المشكلة عبر استخدام غشاء خاص يضمن تساوي ضغط المياه في الخرطوم، وبالتالي تتوزع كميات متساوية من المياه من بدايته وحتى نهايته.وكما يقول أورون "يمكن لطول التوصيلات أن يصل الآن إلى 500 مترا".
ري حدائق الخضار بمياه البحر
لكن لا بد من الحصول على الماء من مكان ما، ويمكن للواحات توفير المياه اللازمة للزراعة في الصحراء كما يقول العالم الزراعي ميشائيل هيرمان من المنظمة غير الحكومية"Crops for the Future" أو "محاصيل من أجل المستقبل" . وتسعى المنظمة إلى إعادة زرع المحاصيل المهملة مجددا، مثل شجرة الخبز وغيرها في غرب إفريقيا أو في المنطقة شبه الصحراوية، "حيث توجد كميات ضخمة من المياه الأحفورية، ولكن تم استهلاك الكثير منها، بحيث يمكن للاحتياطيات أن تنفذ في أي وقت."
وهناك خيارات أخرىللحصول على المياه اللازمة لري الحدائق الصحراوية، إذ تقوم بعض البلدان بجمع مياه الصرف الصحي من المدن، ويتم بعد ذلك تنقيتها وتسويقها كمياه معاد تدويرها.في إثيوبيا على سبيل المثال، أقام السكان المحليون مدرجات على المرتفعات الجرداء وحفروا الخنادق للسماح لمياه الأمطار بالتسرب إلى التربة بشكل أفضل وزيادة مستوى المياه الجوفية.وفي أستراليا قامت إحدى الشركات الألمانية وهي شركة"Sundrop Farms"بتحلية مياه البحر بواسطة أشعة الشمس، ومن ثم زراعة الخيار والطماطم والفلفل.
الصحارى مناسبة تماما لزراعة الفاكهة
في إحدى التجارب التي أجراها أورون مع زملائه حول أفضل الفترات الزمنية التي تطرح فيها أشجار الكمثرى في صحراء النقب ثمارها، وما هي أفضل وسائل الري : ماء الصنبور أم مياه البحر، الري بالتنقيط أم الري التقليدي. وتم التوصل إلى أن المياه العذبة على عمق 30 سنتمترا هي الأفضل على الإطلاق، إذ يمكن أن تساهم في بلوغ متوسط الحصاد سنويا -على مدى ثلاث سنوات متتالية- 70 كجم لكل متر مربع. أما المزيج من الماء والملح على عمق 30 سنتمترا، فجاء في المرتبة الثانية، حيث يبلغ متوسط الحصاد سنويا 63 كجم لكل متر مربع
"الصحراء تصلح بشكل ممتاز لزراعة الفواكه والخضروات والحبوب"، كما يرى ميشائيل هيرمان من منظمة"محاصيل من أجل المستقبل. قد يبدو هذامتناقضا للوهلة الأولى، لكن الأمر ليس كذلك في الحقيقة، كما يوضح المهندس الزراعي: "بالتأكيد، لا شئ ممكن دون توفر الماء، وعندما تتعدى درجة الحرارة في الصحراء بشكل دائم 35 درجة مئوية، فإن النباتات غير المحلية تصاب بالإجهاد الحراري، وهي لا تتكيف بشكل خاص مع الحرارة والجفاف مقارنة بأشجار النخيل والمانجو والحمضيات، لكن أشعة الشمس الغنية تكثف من عملية التمثيل الضوئي، والجفاف يمنع تكاثر الفطريات وانتشار الآفات".ولذلك، فمن المنطقي زراعة الخضروات كالفلفل أو الطماطم في الصحارى.