خلفيات الصراع الحوثي الإصلاحي في اليمن
٨ يناير ٢٠١٢رغم التناقضات الإيديولوجية والاختلافات المذهبية شكل كل من حزب التجمع اليمني للإصلاح، الحزب السياسي ذي التوجه الإسلامي السني، والحركة الحوثية ذات التوجه الزيدي الشيعي، مكونين أساسيين من مكونات الثورة ضد نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على مدى عشرة أشهر تقريبا، وذلك إلى جانب القوى ذات التوجهات الاشتراكية والقومية والليبرالية والمستقلين التي كانت تلتقي حول هدف واحد هو إسقاط النظام.
بيد أن التناقضات بين حزب الإصلاح وحركة الحوثيين ما لبث أن طفت إلى السطح بعد نشوب المواجهات بين الحوثيين والسلفيين في صعده شمال اليمن، وبعد تبني الحوثيون موقفا مناهضا لتوقيع المبادرة الخليجية ولحكومة محمد سالم باسندوة الوفاقية، التي شارك فيها حزب الإصلاح ضمن تكتل أحزاب "اللقاء المشترك" المعارضة لنظام صالح. هذه العوامل ساهمت مجتمعة في توتر العلاقة بين الشريكين في الثورة السلمية، كما يرى الدكتور محمد الحليف، الأستاذ بجامعة صنعاء، في تصريح لدويتشه فيله. وكان التسابق للسيطرة على معسكرات ومعدات الجيش في محافظة الجوف شمال شرق اليمن، قد بدأ بين الطرفين قبل ذلك في محاولة على ما يبدو للحصول على موطئ قدم لكل منهما بالقرب من الحدود اليمنية السعودية. وعادة ما تذمر الإصلاح مما قال "أنها محاولات حوثية للتمدد إلى محافظات ومناطق خارج صعده، كالجوف وحجة وعمران والمحويت".
التراشق بالتهم المتبادلة
ويتهم الإصلاح الحوثيين بالتنسيق مع نظام الرئيس صالح لتسلم بعض معسكرات الجيش، والتمدد الديني إلى محافظة حجة، وتسلم مبالغ مالية من صالح، وتنفيذ المخططات الإيرانية، فيما ينفي الحوثيون ذلك ويردون باتهام الإصلاح بالسعي لاحتكار القوة العسكرية بالتنسيق مع اللواء المنشق علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع ، الذي يخطط ـ حسب الحوثيين ـ للسيطرة على الثورة السلمية بذريعة حمايتها. ويتهم الحوثيون الأحمر بقيادة ستة حروب ضدهم صعده خلال الفترة بين عامي 204 و 2010. وبلغ التوتر بين الحوثيين والإصلاح ذروته بعد وصول ما عرف بـ "مسيرة الحياة" إلى العاصمة صنعاء، وتصريحات حسن زيد الأمين العام لحزب الحق، المقرب من الحركة الحوثية، بأن "العالم سوف يتفاجأ بسيطرة تنظيم القاعدة على اليمن من بوابة حزب الإصلاح والفرقة الأولى مدرع ".
"مسيرة الحياة" تظهر الصراع للعلن
ففيما كان ثوار تعز يحضرون لـ"مسيرة الحياة" إلى العاصمة اليمنية صنعاء، كان حزب الإصلاح يبدي معارضته لتنفيذ المسيرة بحجة أنها غير ممكنة عمليا علاوة على أنها ترفع شعار إسقاط المبادرة الخليجية، وهو موقف يتقاطع مع الموقف الحوثي من توقيع المبادرة وحكومة باسندوة، الأمر الذي جعل حزب الإصلاح يعتقد أن المنظمين للمسيرة خاضعون للسيطرة الحوثية. ومن هذا المنطلق الحزبي منع شباب الإصلاح المسيطرون على منصة "ساحة التغيير" بصنعاء، قيادة مسيرة الحياة من إعلان بيان المسيرة من المنصة، وعدم الترتيب لاستقبال شباب المسيرة - كما استقبلوا في ساحات المحافظات والمدن التي مروا بها قبل أن يصلوا إلى ساحة صنعاء. فيما قام "شباب الصمود" المحسوب على الحوثيين بتجهيز مخيماتهم لاستقبال شباب المسيرة ونصب منصة خاصة لإعلان بيانهم. ولكن شباب الإصلاح كما يقول حمود العزي، أحد القيادات الحوثية الميدانية بساحة التغيير لـ دويتشه فيله " لم يتمالكوا أنفسهم فاندفعوا بحماية من قوات الفرقة الأولى مدرع، التي تدعي حماية المعتصمين بالساحة، لمهاجمة المخيمات التي حل فيها شباب المسيرة وهم نيام في السادسة فجرا". هذا الأمر عجل بإشهار "جبهة إنقاذ الثورة" من قبل عدد من المكونات الثورية بما فيها الحوثيون والحراك الجنوبي، وشخصيات برلمانية وسياسية.
خلفيات الصراع الحوثي الإصلاحي
من جانبه يرى الصحفي رشاد الشرعبي، العضو في حزب الإصلاح، أن للصراع مع الحوثيين أبعاد إقليمية ودولية، مؤكدا لـ دويتشه فيله "أن ما يدور حالياً، لا يمكن الحديث عنه دون الأخ في الاعتبار الصراع بين السعودية ودول الخليج ومن ورائها الأمريكان والأوروبيين من جهة، وبين إيران ومن يعملون كامتداد مذهبي وسياسي لها" من جهة أخرى. ويستطرد الشرعبي قائلا إن " هذا هو ما صعَّد من وتيرة الصراع بين الإصلاح كواجهة لتكتل اللقاء المشترك كطرف موقع على المبادرة الخليجية وملزم بتنفيذها، وبين الحوثيين كامتداد لمشروع إيراني التقى مع حاجة الرئيس صالح لإفشال المبادرة وعرقلة الانتخابات الرئاسية". ولكن الدكتور محمد الحليف، يرى أسباب الصراع في "تغيير اللجنة التنظيمية التي يهيمن عليها الإصلاح لشعارها من رفض المبادرة إلى رفض منح الحصانة للقتلة، في حين يرفض الحوثيون ومعهم مكونات شبابية أخرى المبادرة وآليتها التنفيذية ويطالبون بالتصعيد الثوري". ويضيف الحليف "ثم جاء الصراع الحوثي السلفي، ومسيرة الحياة الرافضة للمبادرة ليفجرا الصراع بين الفريقين بصورة علنية في الساحات وفي وسائل الإعلام". ومن جانبه يرى فيها الباحث الاجتماعي علي البكالي "علاقة تنافسية نابعة من فكرتين متضادتين متلفة بثوب السياسة". هذه العلاقة يصفها الدكتور عبد الله أبو الغيث، بأنها حالة " تشوبها رغبات الإقصاء المتبادل مع بروز عبارات التخوين والتشكيك وإدعاء كل طرف احتكاره للحقيقة وامتلاكه لها دون الأطراف الأخرى".
أثر الصراع على وحدة الصف الثوري
وقلل معظم من تم استطلاع آراءهم من تأثيرات هذا الصراع على وحدة الصف الثوري، لكن الدكتور الحليف يرى أنه سيؤثر لعدة اعتبارات: منها محدودية التنسيق بين الحوثيين والقوى المدنية المناهضة للمبادرة، والتفاهم الكبير بين مكونات اللقاء المشترك، والثورة المؤسسية التي يرى فيها الكثير وسيلة جديدة لإسقاط النظام وحرص المكونات الثورية على وحدة الصف الثوري. أما الدكتور صادق حزام فيرى، أنه " قد تكون هناك بعض الصدامات الحتمية لترسبات معينة ولكنها ستصفي وتقوي الصف الثوري الوطني". ويشاطره الرأي علي البكالي الذي يعتقد أن الخلافات " ستعمل على تصحيح الخط الثوري وتقوي مكانته". أما الناشط الشبابي في ساحة التغيير بصنعاء عمر البعداني فيدعو إلى "لم الصف والتعايش مع اختلاف الرؤى الطائفية والحزبية"، ولكن د. أبو الغيث يحذر من الأثر السلبي لهذه التداعيات ويتمنى من كافة الأطراف "مغادرة متارسها والابتعاد عن المغالاة والتطرف الفاحش في التخوين والاتهامات".
سعيد الصوفي – صنعاء
مراجعة: عبده جميل المخلافي