لأول مرة في التاريخ، تمكن علماء من رصد ضوء خلف ثقب أسود، رغم أن الثقوب السوداء معروفة بأنها تبتلع كل شيء بسبب جاذبيتها الهائلة. فما أهمية هذا الاكتشاف؟ وما علاقته بالنظرية النسبية العامة لآينشتاين؟
إعلان
على الرغم من الأبحاث المكثفة حولها، لاتزال الثقوب السوداء لغزاً يحير العلماء، لكن يُعرف عنها بأن جاذبيتها الهائلة تجعل من الصعب أن "يفلت منها أي شيء، حتى الضوء"، على الأقل حسب ما هو معروف عنها حتى الآن. ولم يتم نشر أول صورة لثقب أسود سوى قبل عامين فقط.
لكن علماء الفيزياء الفلكية في جامعة ستانفورد الأمريكية توصلوا حديثاً إلى اكتشاف غير مسبوق حول الثقوب السوداء، فقد رصدوا انبعاثات ضوئية خلف ثقب أسود عملاق، وهو ما يثبت نظرية آينشتاين "النسبية العامة" التي وضعها قبل أكثر من مائة عام، والتي لم يكن قد تم إثباتها حتى الآن!
وذكر العلماء في ملاحظاتهم التي نشرت في الدورية العلمية "نيتشر" أن التلسكوبان الفضائيان "نوستار" و"إكس إم إم نيونونيان" رصدا "انبعاثات أشعة سينية" خلف الثقب الأسود الموجود في مركز مجرة على بعد 800 مليون سنة ضوئية.
وقال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ستانفورد، دان ويلكنز، الذي قاد الفريق العلمي الذي توصل إلى هذا الاكتشاف الجديد: "أي ضوء يدخل هذا الثقب الأسود لا يخرج، لذلك لا ينبغي أن نكون قادرين على رؤية أي شيء خلفه"، لكنه أضاف: "تمكننا من رؤية الضوء يرجع إلى انحنائه وتعديلالحقول المغناطيسيةحول نفسه، بحيث استطعنا رصده خلف الثقب الأسود".
"رؤية نظرية آينشتاين بشكل عملي"
وأثناء إجراء البحث، لاحظ العلماء سلسلة من التوهجات الساطعة للأشعة السينية، ثم سجل التلسكوبان شيئاً غير متوقع: ومضات إضافية من الأشعة السينية كانت أصغر حجماً، وذات "ألوان" مختلفة عن التوهجات الساطعة. وبذلك خلصوا إلى أن الضوء يجب أن يكون آتياً من الجزء الخلفي من الثقب الأسود. واستنتج العلماء أن الثقب الأسود الهائل أجبر الفوتونات الضوئية على أن تنحني حوله.
ويشكل هذا الاكتشاف "حدثاً خاصاً" لعالم الفضاء والمؤلف المشارك في البحث، روجر بلاندفورد الذي قال: "منذ خمسين عاماً، عندما بدأ علماء الفيزياء الفلكية في التكهن بكيفية تصرف المجال المغناطيسي بالقرب من الثقوب السوداء، لم تكن لديهم فكرة أنه في يوم من الأيام قد يكون لدينا تقنيات لمراقبة هذا مباشرة ورؤية نظرية النسبية العامة لأينشتاين في حالة تطبيق عملي".
وكانت النظرية النسبية العامة لآينشتاين، والتي وضعها في عام 1915، قد تنبأت بأنه يمكن رؤية الضوء خلف الثقوب السوداء بسبب "تشوه الزمكان حولها"، كما ذكرت مجلة "سبيكتروم" الألمانية العلمية.
و"الزمكان" هو دمج لمفهومي الزمان والمكان، وهو الفضاء بأبعاده الأربعة، الأبعاد لمكانية الثلاثة التي نعرفها وهي الطول والعرض والارتفاع، مضافاً إليها الزمن كبعد رابع.
م.ع.ح/ع.ش
كيف تنشأ الثقوب السوداء؟
الثقوب السوداء هي أكثر الأسماء غرابةً في عالم الفيزياء وأكثر الظواهر إخافةً وهي نقاط رعب في السماء، فما هي تلك الثقوب وكيف نشأت؟
صورة من: NASA/CXC/SAO/A.Prestwich et al
كأنه كتلة من العدم؟
ليست الثقوب السوداء ثقوبا، وإنما هي بقايا نجوم ميتة. وتمضي ملايين، بل ومليارات الأعوام قبل أن ينقضي عمر هذا النجم أو ذاك وتتحول بقاياه إلى ثقب أسود.
صورة من: cc-by-sa 2.0/Ute Kraus
انفجار السوبرنوفا
سوبرنوفا أو ما يطلق عليه الانفجار المستعرّ الأعظم، أو الطارف الأعظم، وهو تعبير يصف انفجارات تحدث عند نهاية عمر النجم. وأثناء هذا الانفجار تنهار كتلة النجم في انفجار عظيم، يبث ضوء شديد الإشعاع وكأنه مجرة.
صورة من: NASA
قوة الانفجار العكسية
تحت تأثير الجاذبية الذاتية، تبدأ كتلة النجم مرحلة انهياره بالانضغاط. ويحدث فيها انهيار من نوع خاص ناجم عن قوة الانفجار العكسية، فالضغط يجعل النجم صغيرا جدا ويتحول إلى ثقب أسود شديد الكثافة، وهي عملية معقدة تساعدنا على فهمها النظرية النسبية لآينشتاين.
صورة من: NASA and M. Weiss (Chandra X -ray Center)
تكون الثقب الأسود
وبفعل الجاذبية القوية للثقب الأسود، يمتص الأخير كل الكتل القريبة منه كالنجوم والكواكب الأخرى، بل حتى الضوء الذي يمتصه الثقب الأسود فيعجز عن الانفلات منه بفعل قوة الجاذبية.
صورة من: X-ray: NASA/CXC/MIT/C.Canizares, M.Nowak; Optical: NASA/STScI
الكتلة والمصير النهائي للنجم
لا تتحول كل النجوم بالضرورة إلى ثقوب سوداء، إلا إذا فاقت كتلتها 1,4 من كتلة الشمس وإلا فإنها تتحول إلى قزم أبيض. أما إذا تجاوزت الكتلة تلك النسبة، فإما أن يتحول النجم إلى ثقب أسود أو نجم نيوتروني، علما أن الأول يتكون من كتلة أكبر بكثير من تلك التي يتكون منها النجم النيوتروني.
صورة من: NASA and H. Richer (University of British Columbia)
لغز الثقوب السوداء العملاقة
يميز العلماء بين أنواع من الثقوب السوداء حسب كتلتها، ومنها الثقب الأسود الصغير المتكون من معجل جسيمات، وثقب متوسط الكتلة، وهي أجرام تبلغ كتلتها بين أربع وخمس عشرة مرة الكتلة الشمسية، إضافة إلى الثقوب المتوسطة والعملاقة التي يمكن أن تتجاوز ملايين المرات كتلة الشمس.
صورة من: NASA/CXC/MIT/F.K. Baganoff et al
وجود غير مرئي؟
الثقوب السوداء غير مرئية ولا ينبعث منها الضوء. ولأن الثقب يجذب إليه كل أشكال المادة من حوله، فلا يمكن رصده إلا من خلال التأثير الذي يمارسه في محيطه.
صورة من: X-ray: NASA/CXC/Wisconsin/D.Pooley & CfA/A.Zezas; Optical: NASA/ESA/CfA/A.Zezas; UV: NASA/JPL-Caltech/CfA/J.Huchra et al.; IR: NASA/JPL-Caltech/CfA
بين النجم..والثقب!
رصد ثقب أسود لأول مرة عام 1972 من قبل تيلسكوب سينيوس إكس واحد، وإلى ذلك التاريخ ساد جدل واسع بين العلماء حول وجود الثقوب السوداء أصلا، نظرا للتشابه بينها وبين النجوم النيترونية الدوارة.
صورة من: NASA/CXC
الاكتشاف الجديد
اكتشف رواد الوكالة الأوروبية للفضاء نوعا جديدا من الثقوب السوداء، معتمدين في ذلك على مسبار حمله "آريان-5" الذي أطلق عام 1999. وتبلغ كتلة هذا الثقب ما يوازي خمسمائة ضعف كتلة الشمس. وقد ذلك الحلقة المفقودة بين أحجام الكتل الخفيفة والضخمة للثقوب السوداء. وأطلق العلماء اسم "أتش أل أكس-1" على هذا الثقب الأسود.
صورة من: ESO/L. Calçada
لغز دائم
وإلى غاية اللحظة لم يتوصل العلماء إلى تفسير ظاهرة الثقوب السوداء بالكامل، فهي لازالت ظاهرة تستدعي المزيد من الأبحاث.