استقالة باثيلي.. "تقويض" لآمال الديمقراطية في ليبيا
٢٣ أبريل ٢٠٢٤قبل أيام، فجر المبعوث الأممي في ليبيا عبدالله باثيلي مفاجأة مدوية بإعلانه الاستقالة من منصبه بسبب ما وصفه بـ "أنانية" القادة الليبيين وتفضيلهم المصلحة الشخصية على مصلحة بلادهم ما نجم عنه شعور المسؤول الأممي بالإحباط جراء الوضع السياسي في البلاد.
وجاءت الاستقالة بعد 18 شهرا من توليه المنصب فيما شدد الدبلوماسي السنغالي المخضرم على أنه بذل قصارى جهده لحل القضايا الرئيسية التي تعرقل العملية السياسية في البلاد وهي إنهاء الخلافات بشأن القوانين الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة ووضع البلاد على مسار الانتخابات.
ومتحدثا أمام الصحافيين، قال باثيلي الثلاثاء (16 أبريل / نيسان) "محاولاتي قوبلت بمقاومة عنيدة وتوقعات غير معقولة ولامبالاة بمصالح الشعب الليبي. لا يوجد إرادة سياسية وحسن نية فضلا عن أن الزعماء الليبيين سعداء بالمأزق الحالي."
ولم يكن باثيلي أول مبعوث أممي في ليبيا يقدم استقالته إذ سبقه المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش الذي قدم استقالته بصورة مفاجئة عام 2021 فيما يسلط ذلك الضوء على المهمة الثقيلة التي تواجه البعثة الأممية في ليبيا التي تأسست عام 2011 للمساعدة في تسهيل العملية السياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى انتخابات وطنية وبرلمانية بعد فترة فوضى أعقبت الإطاحة بنظام معمر القذافي.
وقبل ذلك، استقال غسان سلامة من منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا عام 2020، لكنه عزا ذلك إلى أسباب صحية، قائلا في حينه: "حاولت على مدار عامين إعادة توحيد الليبيين وكبح التدخل الأجنبي... لكن لأسباب صحية، لم يعد بإمكاني الاستمرار بهذا المستوى من التوتر".
وفي تعليقه، قال جلال حرشاوي، المتخصص في الشأن الليبي والزميل المشارك في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، إن الأمريكية ستيفاني خوري، نائبة رئيس البعثة الأممية في ليبيا، ربما تتولى المنصب بشكل مؤقت.
ونقلت فرانس برس عن حرشاوي قوله "لكن بدون الدعم الكامل من مجلس الأمن الدولي، فإن خوري قد تكون عاجزة عن تحقيق ما يمكنها تحقيقه".
ويقول خبراء إنه رغم الدعم الأممي الكامل، إلا أن تأثير المبعوث الخاص ظل محدودا في ليبيا لسنوات في ظل الانقسام والتناحر السياسي التي تئن تحت وطأته البلاد وهو ما نجم عنه وجود حكومتين متنافستين الأولى حكومة معترف بها من قبل الأمم المتحدة برئاسة عبد الحميد دبيبة وتتمركز في طرابلس والثانية بشرق البلاد بقيادة أسامة حماد المدعوم من الجنرال خليفة حفتر.
الفراغ السياسي
وفي مقابلة مع DW، رأت فيرجيني كولومبييه، الأستاذة في جامعة لويس الإيطالية، أن استقالة باثيلي "لن تترك أثرا كبيرا على أرض الواقع".
وأضافت كولومبييه، التي شاركت في تأليف كتاب "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا"، أنه خلال العام الماضي "ركز باثيلي على نوع من الدبلوماسية المكوكية في محاولة لإقناع الأطراف الرئيسية بالاجتماع معا لإجراء محادثات رفيعة المستوى، لكنه محاولته لدفع الفرقاء للاجتماع باءت بالفشل".
وأشارت إلى أن الاستقالة من شأنها أن تفاقم الفراغ الدبلوماسي الحالي في البلاد في ظل عدم طرح أي مبادرة سياسية حقيقية خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.
ويتفق في هذا الرأي تيم إيتون الزميل الباحث في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، قائلا: "واجه باثيلي عملية سياسية متعثرة للغاية، ولا يبدو أن هناك آمال كبيرة بشأن إحراز أي تقدم خاصة في سياق رغبته في التوصل إلى اتفاق بين الخمسة الكبار".
وكان باثيلي قد دعا الأطراف الخمسة الرئيسية في ليبيا إلى حوار سياسي وهم رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى جانب الدبيبة وحفتر.
وفي مقابلة مع DW، قال إيتون "رفض ثلاثة من الخمسة الكبار المبدأ التي قامت عليه مبادرة باثيلي فيما لم تكن هناك طريقة واضحة للتغلب على هذا الأمر".
يشار إلى أن المنفي وتكالة وصالح قد التقوا في القاهرة في مارس/آذار الماضي في إطار اجتماع نظمته الجامعة العربية لتبدأ بعد ذلك مفاوضات مع بعثة الأمم المتحدة، لكن خبراء تحدثوا إلى DW أشاروا في حينه إلى غياب أي "نية حقيقية للتغيير.
دوافع التسوية
من جانبها، رأت محللة شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا جازيني، أن الأمر لا يتوقف على عدم إبداء الأطراف الليبية أي نية حسنة، مشيرة إلى أن المشهد السياسي والاقتصادي في ليبيا "لا يمنح الأطراف الفاعلة الحالية سوى القليل من الحوافز للتوصل إلى تسوية".
وفي مقابلة مع DW، قالت جازيني، التي تولت في السابق منصب مستشارة المبعوث الأممي السابق غسان سلامة، إن الدولة "ممزقة وغير قادرة على السيطرة على موارد البلاد فضلا عن حقيقة مفادها أن أموال مبيعات النفط تصل إلى شرق البلاد مما يقلل من أي حوافز قد تدفع الأطراف إلى التوصل إلى حل سياسي ديمقراطي".
ورغم ذلك، حملت جازيني الدبلوماسي السنغالي باثيلي بعض المسؤولية في هذا الفشل، قائلة "عماد مبادرته تمحور حول إجراء مفاوضات بشكل حصري مع من هم في السلطة. ونعلم أنه من المستحيل إجراء أي عملية طالما بقي هؤلاء القادة في السلطة."
بعض الأمل
ويشير مراقبون إلى أن إيجاد خليفة باثيلي سوف يستغرق بعض الوقت للوصول إلى إجماع داخل مجلس الأمن الدولي حيال من سيتولى منصب المبعوث الأممي في ليبيا.
وفي ذلك، قال تيم إيتون "ما تعلمناه بمرور الوقت ومن سوابق تعيين المبعوثين الأمميين السابقين هو أن شخصية المبعوث وجنسيته تلعبان دورا هاما"، مضيفا أنه يتعين على المبعوث الأممي الجديد أن يكون قادرا على التواصل والانخراط مع الجميع لإيجاد حلول لمشاكل ليبيا بشكل استباقي.
وقال "سيتعين على المبعوث الأممي الجديد أن يكون قادرا على إنهاء الوضع الراهن الخطير في البلاد خاصة مع قيام مسؤولي بالبلاد بنهب ثروات البلاد. هذا الأمر سيتطلب عملية سياسية أكثر شمولا وهو ما فشل فيه باثيلي ".
أعده للعربية: محمد فرحان