تسعى إيران لسحب ثلاثمائة مليون يورو من حسابات في ألمانيا وتحويلها إلى طهران بحقائب تنقل بالطائرات، وهذا لا يروق للجميع. كيف سترد إيران، وما هي علاقة هذا المشروع بالاتفاق النووي؟
إعلان
صلب الموضوع؟
إيران تريد سحب رصيد لدى البنك التجاري الأوروبي الإيراني، ومقره هامبورغ وتحويله إلى طهران. ويفيد تقرير لصحيفة "بيلد" أن إيران تريد منح الـ 300 مليون يورو لمواطنين ليس بمقدورهم استخدام بطاقات بنكية أثناء أسفارهم في الخارج، بسبب العقوبات الأمريكية والعقوبات يبدأ مفعولها ابتداء من آب/ أغسطس المقبل.
السفير الأمريكي في برلين ريشارد غرينل حث في الأثناء الحكومة الألمانية على التدخل ووقف التحويل المالي إلى إيران، بقوله "نحن قلقون جداً من التقارير التي تفيد بأن النظام الإيراني يحاول نقل مئات ملايين اليورو نقدا من بنك ألماني إلى إيران"، كما كشف السفير لصحيفة "بيلد"، مضيفاً "نحن نشجع الحكومة الألمانية بأعلى مستوياتها على التدخل لوقف هذا المشروع".
وهذه القضية معقدة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد مرتبطة بالاتفاقية النووية مع إيران وتسعى لتشديد العقوبات عليهاـ بخلاف الاتحاد الأوروبي والصين و روسيا. كما أن الحكومة الأمريكية تهدد الشركات الأجنبية بفرض عقوبات في حال مواصلتها التجارة مع إيران.
ماذا يفعل بنك التجارة الأوروبي الإيراني؟
دور بنك التجارة الأوروبي الإيراني يتمثل في المقام الأول في تمويل التجارة بين شركات إيرانية وألمانية. ومن أجل ذلك هو يستخدم وسائل ومنها القروض لضمان تحويلات إلى المشترين. وجزء من المخاطر المالية في حال عدم الدفع يتحمله البنك.
ويعمل بنك التجارة الأوروبي الإيراني منذ أكثر من 40 عاما من مقره في هامبورغ. وحسب بيانات داخلية فإن البنك يرى دوره "كمصرف متخصص في الصفقات الدولية مع إيران والعالم". وهو يعرض "جملة من الخدمات البنكية لتنفيذ تمويلات تجارية تشمل إلى جانب الوسائل البنكية التقليدية حلولا لتمويلات معقدة".
وبنك التجارة الأوروبي الإيراني أطلق كمشروع مشترك يضم ثلاثة مصارف إيرانية. وغالبية أسهمه توجد بحوزة البنك الإيراني الحكومي "بنك صنعت ومعادن" وهو بنك للصناعة والمناجم.
والتفاصيل حول التحويل الممكن لـل 300 مليون يورو إلى إيران غير معروفة إلى حد الآن. كما لا يُعرف إلى متى ستغطي هذه الأموال نفقات مسافرين إيرانيين مستهدفين بالعقوبات. ولكن عندما ننطلق من أن إيرانيا واحدا يحتاج لسفر عادي إلى أوروبا نحو 3000 يورو، فإن 300 مليون يورو ستكفي لـ 100.000 من الأسفار.
ماذا تعني هذه القضية بالنسبة إلى العلاقات بين ألمانيا وإيران؟
في الأسبوع الماضي زار الرئيس الإيراني حسن روحاني سويسرا والنمسا. وركزت الزيارة في صلبها من ناحية رسمية على مستقبل الاتفاقية النووية. وبعد عودته إلى إيران، تحدث فجأة محمد دغان، عضو اللجنة القانونية في البرلمان الإيراني:" ألمانيا حجزت قسطا من الودائع الإيرانية"، كما أعلن. وقال دغان:" وضع الثقة في الأوروبيين كان خطأ. سلوك الألمان برهن على ذلك". إشارة أولى إلى حجز للودائع في الحسابات الألمانية؟ دغان ضمن المقربين من الحرس الثوري العسكري في إيران الذي يعارض منذ مدة الاتفاقية النووية. وهم يستفيدون منذ أكثر من 30 عاما من اقتصاد الريع. كما أنهم يعارضون تطبيع العلاقة بين إيران والغرب.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي نفى صحة تصريحات دغان بسرعة. وقال إن البعض يمارس الدعاية في شكل حرب نفسية فقط لإلحاق الضرر بالعلاقة بين إيران وأوروبا. وبعد أربع وعشرين ساعة ذكرت صحيفة "بيلد" الألمانية أن الحكومة الإيرانية قدمت طلبا لسحب 300 مليون يورو من ألمانيا وتحويلها نقدا إلى طهران. ولم يعقب أحد رسميا في إيران على هذه الخطوة. وسائل إعلام إيرانية تحدثت فقط عن الطلب وأكدت أن الأموال ملك لإيران. "قرار الحكومة الألمانية سيكون إشارة مهمة بالنسبة إلى الإيرانيين"، يعتبر خبير الشؤون الاقتصادية فريدون خفاند من جامعة باريس. "موافقة ألمانيا تعني أن أوروبا لديها موقف واضح وتفي بالتزاماتها. ولكن إذا حصلت مشكلة في نقل الأموال، فإن ذلك سيؤثر بقوة على العلاقة بين إيران وألمانيا ـ وهي تكتسي تاريخيا وبسبب دور ألمانيا في أوروبا أهمية كبيرة بالنسبة إلى إيران".
كيف تفاعل سياسيون ألمان مع الجدل حول المعاملة المالية؟
أوميد نوريبور من حزب الخضر الذي يحمل إلى جانب الجنسية الإيرانية أيضا الجنسية الألمانية قال في حوار مع DW إنه "جد مهتم" بمعالجة القضية من طرف الحكومة الألمانية:" الجانب الإيراني يحاول استباق العقوبات الأمريكية التي نعتبرها نحن الأوروبيون خاطئة".
رولف موتسنيش، نائب رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي يعتبر المعاملة المالية غير عادية. فهي تتبع "منطقا خطيرا يتجلى منذ التخلي عن الاتفاقية النووية من قبل الرئيس الأمريكي". وأوضح أن الحكومة الألمانية ستتحقق الآن من قضية هل الأموال ستُستخدم في أنشطة غير شرعية. كما انتقد رئيس الكتلة النيابية للاتحاد المسيحي، يوهان فادبول طلبات السفير الأمريكي، وقال:"إذا كان لا غبار من الناحية القانونية على المعاملة المالية، فإنه لا يحق منعها سياسيا"، كما قال هذا السياسي لوكالة رويترز للأنباءمضيفا " وتحويل العملة لا يجب أن يخضع لمصالح سياسية، موقف السفير الأمريكي مثير للقلق ويصعب توافقه مع دوره الدبلوماسي". وتعرض السفير الأمريكي للانتقاد عدة مرات منذ توليه المنصب في برلين، آخرها بسبب لقائه بمدراء شركات صناعة سيارات ألمانية.
كيف سيستمر الوضع؟
وزارة المالية الاتحادية تحقق في صحة المعاملات المالية حاليا، وكشفت متحدثة باسم الوزارة "أن تحقيقاتنا مبنية على خطوات عمل واضحة"، وقد وضعت هذا الخطوات قيد التحقق بعد التأكد من وجود مخاطر خاصة تتعلق بتبييض الأموال، وبتمويل الارهاب. وهكذا فإنّ سلطة الرقابة المالية الاتحادية العليا، ودائرة التفتيش المركزي الخاص بالمعاملات المالية، منتدبون للعمل بهذا الاتجاه.متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية أضاف "بالطبع، من الواضح أنّ جزءاً من التدقيق الحكومي الاتحادي يدور حول احتمال وجود مخالفات تخرق قوانين نظام مقاطعة مفروض ".
جنيفر فاغنر/ شابنام فون هاين/ م.أ.م
البرنامج النووي- محطات من الشد الإيراني والجذب الغربي
لعبة القط والفأر مع الغرب. بداية البرنامج النووي الإيراني في نهاية خمسينات القرن الماضي كانت واعدة. ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب: اتفاق عام 2015، ثم انسحاب أمريكي وعقوبات قاسية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة