بدأت فكرة إقامة نصب تذكاري لضحايا المحرقة من اليهود في برلين بمبادرة خاصة، كان وراءها المؤرخ إيبرهارد يكل والناشرة ليا روش. وعندما وجه الاثنان نداءً عاماً لتنفيذ الفكرة في مطلع عام 1989 أثارت الفكرة صدى متبايناً، غير أنها كادت تقع ضحية النسيان بعد سقوط جدار برلين في خريف العام نفسه، إلى أن أحياها المستشار الأسبق هلموت كول في عام 1992. غير أن سنوات عديدة مرت حتى افتتاح النصب في عام 2005.

في عام 1953 تأسس النصب التذكاري لضحايا المحرقة في ياد فاشيم بالقدس، وبعد أربعين عاماً تم تأسيس متحف الهولوكوست التذكاري في واشنطن. أما في بلد الجناة، أي في ألمانيا التي أودت حتى عام 1945 بحياة ما يقدر بستة ملايين يهودي، فقد استغرق الأمر نحو ستين عاماً حتى تم افتتاح نصب تذكاري للضحايا.

ويضم النصب مركزاً للمعلومات تم فيه توثيق مصائر آلاف من الضحايا اليهود. وقد بُنيت قاعات العرض تحت النصب التذكاري مباشرة والذي تبلغ مساحته 19 ألف متر مربع، وهو يتكون من 2711 شاهد قبر رمادي اللون.

يبدو النصب اليوم شيئاً بديهياً في قلب العاصمة الألمانية بجانب مقر الحكومة الألمانية، كما أنه يجذب الملايين من الزوار من داخل ألمانيا وخارجها، غير أنه كان حتى عام 1999 مثار جدل شديد إلى أن قرر البرلمان الألماني (البوندستاغ) إقامة النصب، لإطلاق "إشارة واضحة" بعد انتقال العاصمة من بون إلى برلين، مثلما قال نوربرت لامرت، رئيس البرلمان.

وقام بتصميم النصب التذكاري المهندس الأمريكي بيتر أيزنمان الذي لم يكن آنذاك متحمساً لإقامة مركز للمعلومات تحت النصب، أما اليوم فهو سعيد لتوافر تلك الإمكانية التي تتيح للزائر أن يعرف أكثر عن الضحايا وعن الأماكن التي تمت فيها الإبادة.

واليوم، بعد خمسة وستين عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، ما زالت الفرصة متاحة للزائر لكي يتقابل مع الناجين من المحرقة النازية، وأن يسمعهم في النصب التذكاري وهم يروون ما عايشوه. ويشاء القدر أن يستمع الزائر إلى شهاداتهم الحية في المكان الذي كان حتى عام 1945 مقر وزارة الدعاية النازية تحت قيادة يوزف غوبلز.

إعداد: سمير جريس

مراجعة: احمد حسو