قبل خمس سنوات تدخلت روسيا في الحرب في سوريا ـ في إطار عملية قالت إنها لمحاربة الارهاب. ماذا حققت موسكو وبأي ثمن؟ وما الذي أخفقت فيه؟ برأي خبراء.
إعلان
في الـ 30 سبتمبر/ أيلول 2015 أعلنت روسيا عن عملية عسكرية في سوريا. والهدف، كما قال الرئيس فلاديمير بوتين حينها هو محاربة تنظيم "داعش" الارهابي. وتحول ذلك حتى اليوم إلى أكبر وأطول تدخل خارجي للجيش الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي خطوة أولى وجب على سلاح الجو مساندة الجيش السوري. وتم تحريك وحدات المشاة لاحقا وبحجم محدود ـ في شكل وحدات خاصة وفي نهاية الغزو كشرطة عسكرية. وأفادت أيضا تقارير باستخدام هياكل خاصة شبه عسكرية.
الانتصار على داعش والحفاظ على سلطة الأسد
غريغوري لوكيانوف، خبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية وأستاذ في معهد الاقتصاد في موسكو يعتقد أن هدف العملية هو بالفعل محاربة الارهاب، كما ذكر بوتين. وهذا تم تحقيقه: "إنه انتصار على داعش"، يقول لوكيانوف. وهو يقارن مساعدة روسيا لسوريا بالمساعدة الأمريكية للعراق:"تم وقف مشروع من شأنه وضع علامة استفهام على جميع حدود الدول في المنطقة". وبدون التدخل الروسي، كما أشار لوكيانوف لما كانت الدولة السورية موجودة والرئيس بشار الأسد على سدة حكمها. والتدخل الروسي سبقه نداء نجدة من الأسد. لكن موسكو لم تتمكن من إنهاء الحرب بسرعة، كما يعترف لوكيانوف.
ماركوس كايم، خبير مؤسسة العلوم والسياسة في برلين يعتقد أيضا أن روسيا حققت أهدافها في سوريا. لكنه يرى جزئيا أهدافا أخرى:" الهدف الأول هو العودة إلى الشرق الأوسط. فروسيا تخلفت هناك بعد نهاية الاتحاد السوفياتي كقوة فاعلة وهي الآن باشرت عودتها. وهذا لا نراه فقط في سوريا، بل حتى في ليبيا. ليس هناك طريق لا يمر عبر روسيا". والهدف الثاني كان تفادي "الثورة التي يُنظر إليها في الجوار بأنها غير شرعية، يعني محاولة المعارضة الاطاحة بالأسد. ففي خريف 2015 كان انهيار النظام متوقعا في غضون أسابيع قليلة، كما يتذكر الخبير الألماني، مضيفا: "والهدف الثالث كان البرهنة على أن روسيا قادرة على القيام بعمليات في الخارج من نوع عسكري. وحتى هذا تحقق. والكثير من أنظمة السلاح الجديدة تمت معاينتها وتجربتها بنجاح".
والقيادة الروسية أعلنت بتكرار أنها تعتزم تجربة أسلحة حديثة في سوريا. كما هو معروف تم أيضا تجربة الدبابة ت 14 أرماتا وأنظمة جديدة لسلاح الجو.
"التواجد في سوريا هو لبنة للسياسة الروسية برمتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، كما يقول غريغوري لوكيانوف. وهذا ينطبق على العلاقات الجديدة مع بلدان المنطقة التي ترى في روسيا فاعلا مؤثرا جديدا وكذلك لنوع جديد من المحادثات على غرار عملية أستانا. ففي هذا الإطار تبحث روسيا مع تركيا وإيران الوضع في سوريا. وبين موسكو وأنقرة طرأت في فترات معينة مواجهة عنيفة، مؤخرا في بداية 2020 عندما شهد الوضع في ادلب تصعيدا وقُتل جنود أتراك. لكن الجانبين تمكنا من التوافق مجددا.
وحتى ماركوس كايم يعتقد أن روسيا "حورت الالتزام العسكري إلى تأثير سياسي". فإطار أستانا لبلورة نظام ما بعد الحرب في سوريا كان "بديلا فعالا لبوتقة الأمم المتحدة حيث يتم التطلع لشيء مشابه".
لكن الحصيلة الدبلوماسية تقتصر على الشرق الأوسط. فعند بداية العملية اعتقد الكثير من المراقبين أنه بإمكان روسيا - عبر سوريا - اختراق عزلتها الدولية بسبب ضم القرم ومن خلال تقديم تنازلات الحصول على فوائد في الجانب الآخر. "النجاح في سوريا لم يأت فيما يتصل بأوكرانيا بتقدم"، كما يؤكد لوكيانوف. وأهم الانجازات تمثلت في العلاقات الجديدة مع بلدان منطقة الشرق الأوسط. لم يتحقق النجاح في توظيف سوريا لتطبيع علاقة موسكو مع الغرب.
السؤال عن ثمن التدخل
وما هو ثمن التدخل العسكري في سوريا إلى حد الآن وماذا سيكلف لاحقا، فهذا غير معروف بالتدقيق. ففي وسائل الاعلام الروسية تم الحديث في البداية عن 156 مليون روبيل في اليوم (نحو 1،7 مليون يورو) والخسارات العسكرية لم تكن كبيرة ولم تتسبب لدى الرأي العام في غضب بخلاف غزو الوحدات السوفياتية لأفغانستان في 1979. "لقد تم مراعاة التجربة الأفغانية"، يقول لوكيانوف، ويؤكد أن "الثمن في المجموع يبدو مقبولا". لكن التدخل في سوريا يستنفد موارد روسية. كما أن أسعار النفط المتهاوية عالميا ووباء كورونا يقفان حجرة عثرة أمام انفراج سريع للاقتصاد السوري.
وروسيا تضغط من أجل الحصول على التزام الاتحاد الأوروبي، كما يقول ماركوس كايم، إلا أن هذا لا يمكن الحصول عليه في الظرفية الحالية. "من وجهة نظر دولية أو غربية يبقى الوضع الانساني في سوريا كارثيا"، كما يضيف كايم. فالضحايا المدنيين مثلا أثناء الهجوم على حلب أثاروا في الغرب انتقادا قويا للتحرك الروسي. وموسكو نفت حينها جميع الاتهامات.
روسيا توسع قاعدتها في حميميم
كلا الخبيرين يجمعان على أن روسيا في وقت منظور لن تغادر سوريا. وإلا فان "بعض الاتفاقات المبرمة مع بلدان المنطقة ستتلاشى"، كما قال لوكيانوف. وبدوره يبدو كايم مقتنعا أن روسيا تريد الاستمرار عسكريا في سوريا وتعتبر البلاد كموقع خارجي للتأثير الروسي. وبالفعل اتفق الكرملين في أغسطس/آب مع دمشق على الحصول على قطعة أرضية إضافية بالقرب من قاعدة حميميم الجوية لبناء قاعدة روسية جديدة متاخمة للقاعدة البحرية في ميناء طرطوس الموجودة منذ زمن الاتحاد السوفياتي.
رومان غونشارينكو/ م.أ.م
استعراض النصر في موسكو: إظهار القوة بأي ثمن
في كل سنة تحيي روسيا باستعراض عسكري ضخم الانتصار على ألمانيا النازية. وهذه المرة يُراد أن يكون الحفل الأكبر من نوعه عبر كل الأزمنة ـ لكن هذا التطلع كان موجودا أيضا في استعراضات أخرى.
صورة من: Reuters/M. Shemetov
24 حزيران/ يونيو 1945: استعراض النصر الأول
الاحتفال بالنصر الأول للجيش الأحمر كان من فكرة يوزيف ستالين (وسط الصورة). كان يريد إحياء نصر الاتحاد السوفياتي على ألمانيا الفاشية بموكب كبير. وفي الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو 1945 سار في شوارع موسكو 40.000 جندي و 1850 عربة عسكرية. وكان ستالين يتطلع لاستقبال الموكب وهو يمتطي حصاناً.
صورة من: Imago Images
شوكوف بدلا عن ستالين فوق صهوة جواد أبيض
وفي النهاية كان قائد القوات الأعلى غيورغي شوكوف هو من اعتلى صهوة الجواد الأبيض . والسبب هو أن ستالين لم يكن متمكنا من ركوب الخيل، وسقط خلال صولة التدريب العامة من صهوة الحصان وأصيب في كتفه. ولهذا أمر الدكتاتور الجنرال شوكوف باعتلاء الجواد والسير في طليعة الموكب. فيما تتبع ستالين الحدث الضخم من مدرج الشرف على ضريح لنين.
صورة من: Imago Images
إحياء التقليد: 1995
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ألغي الاستعراض لبضع سنوات. وفي 9 حزيران/ مايو 1995 أعيد إحياء التقليد تحت قيادة الرئيس الأسبق بوريس يلتسين إثر مرور 50 عاما على نهاية الحرب. ومنذ تلك اللحظة بات استعراض النصر يقام مجددا كل سنة. وحدات عسكرية تسير عبر الميدان الأحمر ومن ضريح لنين يُلقي الأقوياء خطبهم التذكارية.
صورة من: Imago Images
الذكرى الستين: زوار من أنحاء العالم
ويحضر الاستعراضات العسكرية في الساحة الحمراء بموسكو غالباً رؤساء دول وشخصيات رفيعة المستوى من جميع أنحاء العالم. وفي الذكرى السنوية الستين عام 2005 كان من بين الحضور المستشار الألماني السابق غرهارد شرودر مع عقيلته السابقة دوريس والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ونظيره الأمريكي (الأسبق) جورج دبليو بوش.
صورة من: Getty Images/AFP/P. Kovarik
استعراض المحاربين القدامى
بالنسبة لروسيا يكون "يوم النصر" يوماً مقدساً مكرساً لإحياء ذكرى ضحايا الاتحاد السوفياتي في "الحرب الوطنية العظمى"، كما يطلق الروس على الحرب العالمية الثانية. وتحيي العائلات ذكرى ذويها وتضع زهوراً حمراء على المآثر والقبور. وفي كثير من الأماكن تصدح أغاني الحرب الحماسية.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Antonov
عودة التقنية العسكرية
موكب النصر من شأنه استعراض القوة الروسية على وجه الخصوص. وفي التاسع من أيار/ مايو 2008 تم لأول مرة استعراض تقنية عسكرية ثقيلة ـ للبرهنة للعالم وللمواطنين على قدرة البلاد على الدفاع. ومن أجل ذلك لا يتم توفير التكاليف: 40 مليون يورو كانت تكلفة الخسائر في الطرقات وشبكة الصرف الصحي التي تتسبب فيها العربات الثقيلة فحسب.
صورة من: Imago Images/UPI
قلما يحصل تعاطي واقعي مع التاريخ
لا تحصل معالجة نقدية وتعاطي واقعي مع التاريخ الروسي أثناء الاحتفالات بالنصر. فمواضيع التاريخ المعاصر وضحايا الحرب وستالين والفواجع التي أصابت الجنود الروس هي من المحرمات. فالحفل من شأنه أن يرمز للوطنية والوحدة.
صورة من: Imago Images
2010: أكبر استعراض عبر الأزمنة
أكثر من 10.000 جندي ـ بينهم لأول مرة قوات من بلدان أخرى مثل فرنسا وبريطانيا أو بولندا ـ ساروا في الذكرى السنوية الـ 65. وكان يعتبر إلى تلك اللحظة أكبر استعراض للأسلحة. وأفادت وسائل إعلام روسية أن 2.5 مليون شخص شاركوا في الاحتفالات. وحتى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تتبعت حينها الاستعراض.
صورة من: Imago Images
الكتيبة الخالدة
الذكرى السنوية الـ 70 في 9 مايو 2015 أُقيمت بدون مشاركة زعماء دول غربية. وغالبية رؤساء الدول المدعوين لم تحضر بسبب أزمة القرم. وفي ختام الاستعراض أُقيم نشاط "الكتيبة الخالدة" شارك فيها 500.000 من أحفاد قدماء المحاربين، أرادوا إحياء ذكراهم برفع صور لهم. وحتى بوتين شارك بصورة لوالده.
صورة من: picture-alliance/Russian Look/D. Golubovich
9 أيار/ مايو 2020 : استعراض جوي بدلاً عن موكب عسكري
بسبب جائحة كورونا أجّل الرئيس فلاديمير بوتين الاستعراض العسكري لهذه السنة. ففي "يوم النصر" أقيم حفل هادئ حضره الرئيس الروسي ونُقل عبر التلفزيون. ونُظم استعراض جوي للقوات الجوية الروسية.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Kudryavtsev
تظاهرة جماهيرية في زمن كورونا
تنتقد المعارضة الروسية فلاديمير بوتين لأنه يريد تنظيم الموكب العسكري السنوي رغم أعداد الإصابات المتزايدة بكورونا. عمدة موسكو هو الآخر اقترح على المواطنين متابعة العرض من خلال شاشات التلفزة . كما أن منتقدين يتهمون بوتين بتوظيف الاستعراض في التصويت على التعديل الدستوري الذي يتواصل حتى فاتح يوليو تموز، وسيمكنه من البقاء في السلطة حتى 2036.
صورة من: Reuters/A. Druzhinin
إعادة تنظيم أكبر استعراض عسكري في التاريخ
أن يكون عدد أقل من الجنود مشاركين في الذكرى السنوية الـ 75 مقارنة مع السنوات الماضية لم يكن خيارا للرئيس بوتين. فبالرغم من وباء كورونا سار 13.000 جندي في العاصمة في صفوف متراصة. إنه أكبر استعراض عسكري في التاريخ. وحتى في مدن أخرى نُظمت مواكب، وحسب وزارة الدفاع شارك 64.000 جندي في مختلف أنحاء البلاد.
صورة من: Reuters/M. Shemetov
بوتين: إحياء الذكرى رغم قيود كورونا
في الحقيقة تبقى الاحتفالات والحشود الجماهيرية بسبب جائحة كورونا محظورة في موسكو. لكن بوتين والقيادة العسكرية أكدوا أن الاستعراض يقام بالأساس لتكريم ضحايا عمليات تحرير أوروبا من فاشية هتلر. وفضل عدد كبير من المدعويين في العالم البقاء في بيوتهم بسبب الجائحة.