أهوال الإبادة الجماعية عدلت التركيب الجيني لدى نساء رواندا
٢٢ فبراير ٢٠٢٢
كشفت دراسة هامة أجراها باحثون على خريطة المادة الوراثية لنساء من عرقية التوتسي اللواتي عايشن فترة الإبادة الجماعية التي عاشتها رواندا في منتصف التسعينات تغييرات في الحمض النووي ما أثر على الوظائف الجينية للمواليد هناك.
إعلان
قطع فريق من الباحثين في برنامج دراسات الجينوم بجامعة جنوب فلوريدا ومركز أبحاث الصحة العالمية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة شوطا طويلا في الكشف عن أسباب مشكلات الصحة النفسية التي يعاني منها بعض أبناء الشعب الرواندي جراء حملات الإبادة الجماعية التي تعرضت لها عرقية التوتسي عام .1994
وفي أول دراسة من نوعها، عكف الفريق البحثي الذي ضم في عضويته الباحثة مونيكا أودين والباحث ديريك وايلدمان من كلية الصحة العامة على تحليل خريطة الجينوم أي المادة الوراثية الكاملة لنساء من عرقية التوتسي ممن كن حوامل وعاشوا في رواندا خلال فترة الإبادة الجماعية وكذلك الأطفال الذين أنجبوهم، وقارنوا الحمض النووي الخاص بهذه الشريحة مع الحمض النووي الخاص بنساء أخريات من التوتسي وأطفالهم، ممن كانوا يعيشون في أجزاء أخرى من العالم وقت حدوث عمليات التطهير العرقي.
وخلال الدراسة التي تندرج في إطار علم ما فوق الجينات "التخلق" الذي يهتم بدراسة الطفرات الجينية الناجمة عن أسباب خارجية، توصل الفريق البحثي إلى أن أهوال الإبادة الجماعية ارتبطت بحدوث تغيرات كيميائية في الحمض النووي لدى النساء اللاتي عايشن تلك الفترة العصيبة وأطفالهن، وأضافوا أن كثيرا من هذه التغييرات وقعت في جينات ترفع من احتمالات الإصابة بالأمراض العصبية مثل اضطرابات ما بعد الصدمة أو الاكتئاب. وتشير هذه النتائج إلى أنه على خلاف الطفرات الجينية التقليدية، فإن التغييرات الجينية الناجمة عن التخلق لأسباب كيميائية تتسبب في ردود فعل سريعة وتنتقل عبر الأجيال.
وقالت الباحثة مونيكا أودين في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني "سايتيك ديلي" المتخصص في الأبحاث العلمية إن "التخلق يشير إلى تغييرات كيميائية مستقرة تطرأ على الحمض النووي، وتساعد في التحكم في وظائف الجين، وهذه التغيرات يمكن أن تحدث في نطاق زمني ضيق"، وأضافت أن "هذه الدراسة أظهرت أن التعرض لأهوال الإبادة الجماعية في مرحلة ما قبل الانجاب يرتبط بحدوث نسق من التخلق يؤثر على الوظائف الجينية للمواليد".
وخلص الفريق البحثي، الذي ضم الباحثة كلاريس موساناباجانوا من جامعة رواندا وزملاء لها، إلى هذه النتائج بعد دراسة الحمض النووي المستخلص من عينات دم تخص 59 شخصا تعرض نصفهم بشكل مباشر أو عندما كانوا أجنة لصدمات تتعلق بالإبادة الجماعية مثل حوادث الاغتصاب أو الهروب من الأسر أو مشاهدة جرائم قتل دموية أو هجمات بواسطة أسلحة نارية أو معاينة جثث أو أشلاء بشرية.
الإبادة الجماعية في رواندا... 100 يوم من التقتيل
عاشت رواند سنة 1994 على وقع الإبادة الجماعية، حيث قتل حوالي 800 ألف شخص وتعرض مئات الآلاف إلى اعتداءات وحشية. وذلك تحت أنظار المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة. هذه الصور تؤرخ لهذه الحقبة المظلمة في تاريخ البشرية.
صورة من: Timothy Kisambira
انطلاقة الإبادة الجماعية
قام مجهولون في 6 أبريل/ نيسان سنة 1994 بإطلاق صاروخ على طائرة الرئيس جوفينال هابياريمانا، رئيس رواندا آنذاك، عند اقترابها من العاصمة الرواندية كيغالي. وهو ما أدى إلى مقتل هابياريمانا ونظيره البوروندي وثمانية ركاب آخرين. بعد ذلك بدأت المذابح، التي امتدت إلى ثلاثة أشهر، ما أسفر عن مقتل حوالي 800 ألف شخص.
صورة من: AP
تصفية جسدية مع سبق الإصرار
بعد مقتل الرئيس، شن متطرفون من جماعة الهوتو حملة إبادة ضد الأقلية من جماعة توتسي. وقد استخدم مقاتلو جماعة الهوتو، التي تمثل الأغلبية في رواندا، مختلف الأسلحة وأشكال العنف لتصفية أعدائهم السياسيين. ويذكر أن رئيسة الوزراء Agathe Uwiringiymana كانت من أولى ضحايا هذه المجزرة في السابع من أبريل/ نيسان 1994.
صورة من: picture-alliance/dpa
إنقاذ الأجانب
في الوقت، الذي كان يقتل فيه آلاف الروانديين في كيغالي وغيرها من المناطق، قامت القوات الخاصة البلجيكية والفرنسية بإخلاء حوالي 3500 من الأجانب، الذين كانوا يعيشون في رواند. كما تمكن مظليون بلجيكيون في 13 أبريل/ نيسان من إنقاذ سبعة من الموظفين الألمان، التابعين لمؤسسة دويتشه فيله الإعلامية وعائلاتهم في كيغالي. غير أنه قد تم إنقاذ 80 فقط من أصل 120 من الموظفين المحليين من بطش المقاتلين.
صورة من: P.Guyot/AFP/GettyImages
صرخة نجدة غير مسموعة
القائد الكندي لقوات حفظ السلام روميو دالير كان على علم بمخطط الإبادة منذ مطلع سنة 1994. ولكن رسالته التحذيرية المعروفة باسم "فاكس الإبادة الجماعية" في 11 يناير/ كانون الثاني، تم تجاهالها من قبل الأمم المتحدة. وحتى نداءاته اللاحقة لرئيس قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كوفي عنان، بقيت غير مسموعة، حيث لم تحرك قوات حفظ السلام ساكنا لوضع حد لتلك المأساة.
صورة من: A.Joe/AFP/GettyImages
دعاية إعلامية قاتلة
إذاعة ميل كولين (RTLM) وصحيفة كنغورا الأسبوعية ساهمت أيضا في التحريض على كراهية وقتل جماعة التوتسي، فقد قامت صحيفة كنغورا سنة 1990 بنشر مقال عنصري بعنوان "الوصايا العشر للهوتو". ومن جهته كان راديو ميل كولينز يدعو يوميا لمطاردة وقتل التوتسي. فيلم المخرج ميلو راو بعنوان "راديو الكراهية" يبرز مظاهر مساهمة الإعلام الرواندي في نشر الكراهية والتحريض على القتل.
صورة من: IIPM/Daniel Seiffert
"مخابئ آمنة"
في كيغالي، قام Paul Rusesabagina بتوفير مأوى آمن لأكثر من 1000 شخص في فندق دي ميل كولين. فبعد أن غادر المدير البلجيكي البلاد، قام Rusesabagina بتولي مهامه في الفندق. وباستخدام الكثير من الكحول والمال، استطاع أن يوقف ميليشيات الهوتو من قتل اللاجئين. ولكن في العديد من المخابئ الأخرى، لم يسلم الضحايا من بطش المقاتلين.
صورة من: Gianluigi Guercia/AFP/GettyImages
مجازر في الكنائس
حتى الكنائس لم تكن مأوى آمنا للهاربين، حيث قتل حوالي 4000 من الرجال والنساء والأطفال في كنيسة بالقرب من كيغالي، وذلك باستخدام الفؤوس والسكاكين والمناجل. وتعتبر هذه الكنيسة في الوقت الحالي واحدة من بين العديد من النصب التذكارية، التي توثق لهذه الحقبة التاريخية المظلمة. الجماجم والعظام البشرية وثقوب الرصاص على الجدران تذكر أيضا بجرائم الإبادة الجماعية.
صورة من: epd
التدخل الفرنسي
تحافظ فرنسا على علاقات وثيقة مع نظام الهوتو. فعندما قام المتمردون من الجبهة الوطنية الرواندية بمواجهة مرتكبي الإبادة الجماعية تدخلت القوات الفرنسية. وهو ما أدى إلى فشل الجبهة في الحفاظ على تقدمها وانتصاراتها. فقد ساعدت فرنسا الميليشيات المسؤولة عن الإبادة الجماعية على الفرار بأسلحتهم إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا)، حيث يشكلون حتى اليوم تهديدا حقيقيا لأمن رواندا.
صورة من: P.Guyot/AFP/GettyImages
تدفق اللاجئين
هرب ملايين الروانديين من التوتسي والهوتو خلال هذه المرحلة إلى الدول المجاورة، وعلى رأسها تنزانيا وأوغندا وزائير، التي استقبلت حوالي مليوني لاجئ . هذا في حين أسس الأعضاء السابقين في الجيش والمسؤولين عن حرب الإبادة ما يسمى بالقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، والتي تهدد حتى يومنا هذا استقرار وأمن شرق الكونغو.
صورة من: picture-alliance/dpa
تحرير العاصمة كيغالي
أمام كنيسة "العائلة المقدسة" في كيغالي، قام المتمردون من الجبهة الوطنية الرواندية في 4 يوليو/ تموز 1994 بدوريات حراسة، بعد أن تمكنوا من تحرير معظم أنحاء البلاد وإجبار مسؤلي الإبادة على الهرب. ولكن نشطاء حقوق الإنسان يشتكون أيضا من ارتكاب المتمردين أنفسهم لجرائم مماثلة، لم يحاسبوا عنها حتى الآن.
صورة من: Alexander Joe/AFP/GettyImages
نهاية الإبادة
أعلن اللواء بول كاغامي، زعيم الجبهة الوطنية الرواندية في 18 يوليو/ تموز 1994 عن نهاية الحرب ضد القوات الحكومية. وذلك بعد أن سيطر المتمردون على العاصمة والمدن الرئيسية الأخرى. بعدها قاموا بتشكيل حكومة مؤقتة. ومنذ سنة 2000 يشغل كاغامي منصب رئيس البلاد.
صورة من: Alexander Joe/AFP/GettyImages
آثار الحرب الأهلية
استمرت الإبادة الجماعية حوالي ثلاثة أشهر، تمت فيها عمليات قتل وحشية، حيث ألقيت أجزاء من جثث الرضع والأطفال والبالغين وكبار السن في الشوارع. ولا تزال آثار الإبادة الجماعية باقية إلى اليوم، حيث تركت الإبادة الجماعية رواندا مدمرة، وخلفت مئات الآلاف من الناجين الذين يعانون من الصدمات النفسية وندوبا تطبع أجسادهم.
صورة من: Timothy Kisambira
12 صورة1 | 12
وتندرج هذا الدراسة الحديثة في إطار مبادرة بحثية أوسع نطاقا تحمل اسم "هيومان هيريديتي أند هيلث إن أفريكا" (إتش 3) أي مبادرة "علم الوراثة البشري والصحة في أفريقيا" وتتم بتمويل من معاهد بحثية وطنية، وتهدف إلى تمكين العلماء المتخصصين في مجال أبحاث الجينوم في القارة السمراء وتعزيز قدرتهم على الاستقلال العلمي وتوفير البنية التحتية اللازمة لتعزيز دراسة علوم الوراثة في مختلف أنحاء القارة، بغرض جمع بيانات تخدم علوم الجينوم في العالم بشكل أفضل.
ويقول الباحث وايلدمان إن "أبناء الشعب الرواندي المشاركين في هذه الدراسة بل والمجتمع الرواندي بأسره يريدون في حقيقة الأمر أن يسبروا أغوار ما الذي حدث لهم لأن اضطرابات ما بعد الصدمة وغيرها من المشكلات النفسية التي تعرضوا لها تتطلب إجابات لمعرفة أسباب تلك المشاعر التي تنتابهم ويعانون منها".
ورغم أن هذه الدراسة تركز بشكل محدد على تأثيرات الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، إلا أنها تؤكد دراسات سابقة تظهر أن الأحداث التي تتعرض لها الأم في فترة الحمل يمكن أن يكون لها تأثيرات طويلة المدى على الأجنة، وأن هذه الأعراض قد لا تظهر إلا في مراحل لاحقة من العمر، كما تسلط الدراسة الضوء على ضرورة تركيز الجهود لحماية الصحة النفسية العاطفية للنساء في مرحلة الحمل.
وأشار فريق الدراسة إلى أن الأشخاص الذين كابدوا أهوال الإبادة الجماعية وهم ما زالوا أجنة بدأوا أنفسهم ينجبون أطفالا من أصلابهم، ويأملون في معرفة ما إذا كانت هذه المشكلات النفسية التي يعانون منها سوف تنسحب أيضا على الجيل الثالث. وينتظر الباحثون كمية أكبر من عينات الحمض النووي كي يحددوا على وجه الدقة كيف يمكن أن تؤدي الصدمات أو حالات الكرب الشديد إلى الإصابة باضطرابات نفسية بعينها مثل مرض اضطرابات ما بعد الصدمة أو الكرب على سبيل المثال.