أبرزت دراسة حديثة عن علاقة غريبة بين إتقان الأشخاص للغات متعددة، ومدى انعكاس ذلك على تفادي الخرف والشيخوخة. فما الجديد الذي تقدمه الدراسة؟
تقدم الدراسة دليلا واضحا على أن الأشخاص الذين يتحدثون أكثر من لغة واحدة يتقدمون في السن بشكل أبطأصورة من: Stephan Schulz/imagebroker/IMAGO
إعلان
أظهرت دراسة جديدة أن التعدد اللغوي يحمي من تسارع الشيخوخة، فالأشخاص الذين يستخدمون عدة لغات بانتظام، يحافظون على لياقتهم العقلية لفترة أطول.
الشيخوخة حسب الدراسة عملية بيولوجية معقدة، لا تتقدم بنفس المعدل لدى الجميع، ففي حين أن بعض الأشخاص يظلون بصحة عقلية وجسدية بعد تقدمهم في العمر، تظهر لدى آخرين أولى علامات الشيخوخة في وقت مبكر، وهو ما يسميه الباحثون "الشيخوخة المتسارعة".
في مثل هذه الحالات، تتدهور الوظائف البدنية والإدراكية بشكل أسرع مما هو متوقع إحصائيا، حسب ما نقله موقع "تاغس شاو" الألماني في تقرير حول الموضوع. وتُعد العوامل التي يمكن أن تبطئ هذه العملية أحد الأسئلة المحورية في أبحاث الشيخوخة، من التغذية وممارسة الرياضة إلى النشاط العقلي.
يوروماكس - الجيلي لتسهيل حياة المصابين بالخرف ومواضيع أخرى!
26:04
This browser does not support the video element.
تعدد اللغات.. عامل وقائي!
ولطالما اشتبه علماء الأعصاب في أن التعدد اللغوي قد يكون من بين العوامل الوقائية، فالذين ينتقلون بانتظام بين لغات مختلفة يدربون آليات الانتباه والتحكم التي غالبا ما تتراجع مع التقدم في السن. لكن لم يكن واضحا في السابق ما إذا كان لهذا الأمر تأثير ملموس على الشيخوخة البيولوجية.
تقدم هذه الدراسة الحديثة لأول مرة، دليلا واضحا على أن الأشخاص الذين يتحدثون أكثر من لغة واحدة يتقدمون في السن بالفعل بشكل أبطأ. ولتأكيد العلاقة بين التعدد اللغوي وتباطؤ الشيخوخة، أدرج فريق البحث عوامل أخرى لتباطؤ الشيخوخة، مثل التعليم والنشاط البدني والتأثيرات الاجتماعية.
وقد أثبتت الدراسة الجديدة ما كان يُشتبه به منذ فترة طويلة في أبحاث الشيخوخة، إذ يرى بيتر بيرليت، الأمين العام للجمعية الألمانية لعلم الأعصاب، في حديثه لوكالة الأنباء الألمانية (dpa) أن هذه الدراسة "تؤكد نتائج دراسات رصدية أصغر حجما أظهرت أن تعدد اللغات يبدو عاملا وقائيا ضد الخرف".
بيانات صحية من 27 دولة أوروبية
مما يجعلها دراسة قوية وفريدة من نوعها، أنها أُجريت في كلية ترينيتي في دبلن، ونُشرت في مجلة Nature Aging، وقد قام فريق البحث بقيادة أغوستين إيبانيز بتحليل بيانات صحية لأكثر من 86 ألف شخص في 27 دولة أوروبية.
أراد الباحثون معرفة ما إذا كانت الشيخوخة لدى الأشخاص الذين يتحدثون لغات متعددة تختلف بشكل ملحوظ عن سرعة الشيخوخة لدى من يتحدثون لغة واحدة. ولأجل ذلك، قاموا بحساب ما يُسمى "العمر البيولوجي السلوكي" لكل شخص، وهو مقياس يشير إلى مدى تغير الوظائف الجسدية والعقلية والاجتماعية.
وكانت النتيجة أن الأشخاص الذين يستخدمون أكثر من لغة بانتظام يُظهرون علامات أقل بكثير على تسارع الشيخوخة. واستمر هذا الارتباط حتى مع مراعاة عوامل مؤثرة أخرى مثل التعليم والدخل وجودة الهواء. فكلما زاد عدد اللغات، زاد التأثير.
لم يتضح بعد كيف يؤدي التعدد اللغوي إلى مرونة أكبر في مواجهة الشيخوخة، إلا أن الباحثين يرون أن التبديل المستمر بين اللغات يمثل نوعًا من "تدريب الدماغ"، يُبقي الشبكات المعرفية المهمة نشطة. ووفقًا لفريق البحث، فإن هذا يُعزز قدرة الدماغ على حماية نفسه من التلف.
إعلان
متى يُظهر التعدد اللغوي تأثيره الوقائي؟
وجد مايكل فاغنر، الأستاذ في جامعة بون، مؤشرات على التأثير الوقائي للتعدد اللغوي في دراسة أجريت قبل عامين مع زميلته إليزابيث كون.
في مقابلة إعلامية، أكد أن "الذين يلجؤون إلى دورات اللغة بعد التقاعد لن يستفيدوا من الأمر على الأرجح". لكن من الجيد حسب الباحثين مواصلة التحدث باللغات التي تعلموها سابقا، والحفاظ على النشاط الذهني والبدني بشكل عام. يخطط فريق البحث بقيادة أغوستين إيبانيز لدراسة هذه المسألة عن كثب في دراسات مستقبلية.
أمراض الدماغ الناتجة عن ممارسة الرياضة
الصدمات التي تصيب الرأس أثناء ممارسة بعض الرياضات قد تؤدي إلى أضرار كبيرة في الدماغ، وتسبب تغيرات سلوكية وإدراكية و"خرف ارتجاج الدماغ". تكمن المشكلة في افتقار العلم لعملية تشخيص معتمدة للتعرف على هذه الأمراض.
صورة من: Getty Images/D. Rogers
كان لاعب كرة القدم الأمريكية مايك ويبستر يلقب بـ"مايك الحديدي". حاز أربع مرات مع فريقه على لقب السوبر بول، وهي البطولة الوطنية لكرة القدم الأمريكية. لكن مايك تعرض لعدة إصابات دماغية رضية بسبب ممارسته لهذه الرياضة العنيفة وتوفي مبكراً في سنة 2002 وهو في الخمسين من عمره. اكتشف الأطباء بعد تشريح جثته وجود ارتجاجات في الدماغ، ولذلك يعد مايك أول لاعب يصاب بأمراض الدماغ الناتجة عن الرياضة.
صورة من: picture alliance/AP Photo/G.J. Puskar
الطبيب الشرعي بينيت أومالو (وسط الصورة) هو أول طبيب يختص بعلاج وتشخيص أضرار الدماغ المزمنة الناتجة عن ممارسة الرياضة. تعرض أومالو للكثير من الضغوطات والتهديدات للتوقف عن البحث عن أسباب هذه الأمراض، لكنه أستمر في عمله ما جعله نجماً عالمياً، وهو ما حفز المخرج بيتر لانديسمان (يمين) لعمل فيلم يروي قصة حياته من بطولة ويل سميث (يسار). الفيلم يحمل عنوان "كونكشن" (وتعني ارتجاج الدماغ).
صورة من: picture alliance/AP Photo/M.S. Gordon
الصدمات التي تصيب الرأس تسبب تغيرات سلوكية وإدراكية للشخص، ويسمى هذا المرض "سي تي إي" أو "خرف ارتجاج الدماغ". ويحدث لدى الملاكمين مثلاً فقدان القدرة على الكلام والكآبة والخرف. وتسبب الصدمات المتكررة أضراراً في الخلايا العصبية بالدماغ وإطلاق البروتينات التي تتجمع في الجسم، مسببة التغيرات السلوكية وزيادة الميل إلى العنف وارتفاع الرغبة في الانتحار.
صورة من: picture-alliance/dpaW. Grubitzsch
انتحر الكثير من لاعبي الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية بين عامي 2008 و2015، مثل تيري لونغ وتوم ماكهيل ويوفان بيلشر وأدريان روبنسن وديف ديورسون (في الصورة)، الذي انتحر في سنة 2011 وتبرع بدماغه للطب. وبعد الكشف على الدماغ وجد الأطباء إشارات على وجود مرض خرف ارتجاج الدماغ.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/S. Walsh
حتى في عالم الكرة القدم يعاني بعض اللاعبين من إصابات الدماغ، إذ تعرض لاعب المنتخب الألماني لكرة القدم كريستوف كريمر في المباراة النهائية لمونديال 2014 لصدمة في الدماغ، لكنه استمر في اللعب لدقائق بعد ذلك، ما كاد يعرضه لخطر الإصابة بـ"الصدمة الثانية"، التي قد تؤدي إلى خرف ارتجاج الدماغ. المشكلة التي يعاني منها الرياضيون والأطباء هي افتقار العلم لعملية تشخيص معتمدة طبياً للتعرف على المرض.
صورة من: picture alliance/dpa/T.Eisenhuth
يمكن للاعبي كرة القدم التعرض لإصابات الدماغ عبر الاحتكاك بالرأس مثلاً مع لاعب آخر. وذكرت دراسة حديثة صادرة عن المؤسسة الاتحادية الألمانية للعلوم الرياضية أن مخاطر التعرض لإصابات الدماغ تصل إلى نحو 38 في المائة عند لاعبي الدفاع وإلى 28 في المائة عند لاعبي خط الوسط والهجوم وإلى سبعة في المائة عند حراس المرمى.
صورة من: picture alliance/dpa/N.Schmidt
تعد الرغبي أكثر الرياضات التي تحدث فيها حالات خرف ارتجاج الدماغ، بالإضافة إلى ارتجاج الدماغ والإصابة الدماغية الرضية، حسب المؤسسة الاتحادية الألمانية للعلوم الرياضية، ومن ثم تتبعها كرة القدم الأمريكية وهوكي الجليد وكرة السلة. وتعد الإصابات في الدماغ بسبب ممارسة كرة القدم قليلة مقارنة بالرياضات الأخرى، ولكن وبسبب انتشار اللعبة جماهيرياً تنتشر هذه الحالات بين ممارسيها.
الكاتب: زمن البدري/ DW