دراسة علمية جديدة تشير إلى أن الثدييات الضخمة التي جابت العالم قبل العصر الجليدي، والتي انقرض عدد كبير منها بسبب الاستيطان البشري، هي أحد الأسباب الرئيسية في خصوبة التربة وذلك لأنها كانت تزود الأرض بالسماد الطبيعي.
إعلان
كشفت دراسة نشرت نتائجها الاثنين (27 أكتوبر/ تشرين الأول) عن أن الانقراض أو التراجع الشديد في أعداد الثدييات البرية والبحرية الكبيرة الحجم بدءاً من نهاية آخر عصر جليدي وحتى يومنا هذا حرم المنظومة البيئية من مصدر حيوي للسماد الطبيعي، وذلك من خلال روث وبول تلك الحيوانات، وحتى جيفها المتحللة بعد نفوقها.
وقال العلماء إن هذه الثدييات الكبيرة – ومنها الحيتان وحيوان الماموث وحيوان الماستودون المنقرض وحيوان الكسلان البري ووحيد القرن وحيوان المدرع الضخم (أرماديلو)، فضلاً عن الطيور البحرية والأسماك المهاجرة مثل السلمون – لعبت دوراً رئيسياً في الحفاظ على خصوبة التربة على كوكب الأرض، من خلال نشر المواد المغذية عبر المحيطات ومنابع الأنهار وفي عمق التربة.
وقال كريستوفر داوتي، أستاذ البيئة بجامعة أكسفورد: "في الماضي كانت الأعداد الوفيرة من الحيوانات التي ترعى في كل مكان تنشر المواد المغذية بصورة متساوية، ما زاد من خصوبة التربة في العالم". ووجدت الدراسة أن هذه الثدييات الضخمة – من خلال سيرها مسافات طويلة – نقلت وأعادت تدوير المواد المغذية، مثل المواد الفوسفاتية والنيتروجينية، إلى منظومات بيئية نائية، الأمر الذي ضاعف من خصوبتها وإنتاجيتها.
وأوضحت الدراسة أن هذه القدرة على نشر المواد المغذية من مصادرها ذات التركيز العالي في البر والبحر إلى منظومات بيئية أخرى تراجعت إلى ستة في المائة عن المستويات السابقة. وأضافت جو رومان، خبيرة الحفاظ على الكائنات الحية بجامعة فيرمونت: "كانت الأرض مرتعاً للعمالقة على نحو ما قبل أن يستعمر الإنسان الكوكب".
وأشارت رومان إلى أن نحو 150 نوعاً من الثدييات الكبيرة انقرض منذ نحو عشرة آلاف عام ويرجع ذلك في معظمه إلى مجموعة من عوامل الصيد وتغير المناخ.
كما أكد داوتي أن من بين 48 نوعاً من الثدييات البرية كبيرة الحجم آكلة العشب التي عاشت خلال العصر الجليدي، ومن بينها 16 نوعاً من الفيلة وأقاربها، لم يتبق سوى عدد قليل من أنواع وحيد القرن وحيوان الكسلان، فيما لم يتبق شيء في الأمريكتين.
كما أشارت تقديرات الباحثين إلى أنه قبل أن يؤدي صيد الحيتان على المستوى التجاري إلى تراجع أعدادها عالمياً بنسبة وصلت إلى 90 في المائة خلال القرون الأخيرة، نقلت الحيتان والثدييات البحرية الأخرى نحو 340 ألف طن سنوياً من المواد الفوسفورية من أعماق تصل إلى نحو مائة متر حيث تتغذى. وتراجع ذلك إلى 23 في المائة عن مستواه السابق.
عمالقة البحر: بين قسوة المطاردة ورحمة القانون
منذ عام 1986 يُحظرُ صيد الحيتان لأغراض تجارية، ومع ذلك، فإن بعض البلدان لا تلتزمُ بهذا الحظر وخاصة اليابان. ولكي يتوقف هذا الإجرام في حق هذه الثدييات البحرية قضت محكمة العدل الدولية في لاهاي بمنع صيد الحيتان بشكل قاطع.
صورة من: picture-alliance/Robert Harding
هل سيصبح صيد الحيتان أمر من الماضي؟
على الرغم أن صيد الثدييات البحرية المهددة بالانقراض كان محظورا منذ عام 1986 إلا أن الصيادين في النرويج وآيسلندا واليابان لم يلتزموا بهذا الحظر. ويستند اليابانيون في خرقهم لهذا الحظر إلى قاعدة استثنائية تسمح بالصيد لأغراض علمية، إلا أن محكمة العدل الدولية أشارت إلى تزايد عدد الحيتان التي يتم اصطيادها بشكل يتجاوز الأغراض العلمية وبالتالي منعت اليابان من صيد الحيتان في محيط القطب الجنوبي.
صورة من: picture-alliance/dpa
قرار منع من لاهاي لصالح الحيتان
منذ عشرين عاما وأستراليا تحاول بطرق دبلوماسية وقف البرنامج الياباني لصيد الحيتان، لكن دون أي جدوى، لتتقدم بدعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد اليابان على استمرار صيد الحيتان الكبيرة لأغراض تجارية رغم الحظر الدولي. يذكر أن هذه الدعوة قُدمت في شهر يونيو/ حزيران من عام 2013 وتم حسمها في 31 من شهر مارس/ آذار 2014 بوقف اليابان لبرنامج بحوثها المثيرة للجدل في المحيط الجنوبي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
حيوانات مهددة بالانقراض
ساهم الحظر المفروض على صيد الأسماك منذ عام 1986 في بقاء العديد من أنواع الأسماك. لكن الحيتان الزرقاء والحيتان الزعنفية وحيتان الساي والحيتان الجنوبية وحيتان العنبر لازالت كلها معرضة للخطر أو مهددة بالانقراض. يُشار أن الحيتان حيوانات ثديية يمكن أن يصل طولها إلى 33 مترا ووزنها إلى 190 طنا ما يجعلها من أكبر الحيوانات في العالم.
صورة من: DW
أسطول الصيد الياباني
يقوم أسطول الصيد الياباني بصيد الحيتان رسميا لأهداف البحث العلمي، لكن لحوم غنيمة الحيتان تُباع في وقت لاحق في أسواق السمك والمطاعم الفاخرة. يذكر أن معهد الأبحاث الياباني للحيتان تأسس بعد عام واحد فقط من الحظر الذي فرضته اللجنة الدولية على صيد الحيتان.
صورة من: Greenpeace/Kate Davison
تقاليد يابانية
للحوم الحيتان شعبية كبيرة منذ فترة طويلة في المطبخ الياباني، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، فقد اعتمد عدد كبير من السكان على لحوم الحيتان في تغذيتهم. وفي المدارس والمقاصف يُعتمد بشكل أساسي على لحوم الحيتان لأنها أرخص ثمنا من لحوم البقر. لكن مع مرور الزمن تغيرت الأذواق أيضا وأصبح استهلاك لحوم الحيتان لا يُشكل اليوم سوى واحد في المائة فقط من اللحوم المستهلكة في اليابان.
صورة من: gemeinfrei
غذاء للكلاب
نظرا للإقبال الهزيل على لحوم الحيتان الزعنفية فإن 7000 طن من لحومها مكدسة في مخازن التبريد اليابانية، حيث تستخدمها شركة يابانية في تصنيع أغذية للكلاب، لكن هذه الشركة أعلنت سحب منتوجها من لحوم الحيتان من السوق نظرا للاحتجاجات الكبيرة لمنظمات الرفق بالحيوان الدولية ضدها.
صورة من: picture-alliance/dpa
ضغوط دون جدوى
رغم الضغوط الدولية، إلا أن العديد من اليابانيين يُساندون صيد الحيتان ويُهينون حماة البيئة مثل منظمة السلام الأخضر (غرينبيس) ويتهمونهم بالإرهاب البيئي. كذلك الحكومة اليابانية لم تستسلم لهذه الضغوط الدولية وساندت طيلة 25 عاما صيد الحيتان ودعمته سنويا بما يعادل 6 ملايين و300 ألف يورو.
صورة من: picture-alliance/ dpa
ليست حالة استثنائية
آيسلندا والنرويج يسمحان أيضا رسميا بصيد الحيتان، فقد تقدمت الحكومتان باستئناف ضد الحظر الذي فرضته اللجنة الدولية على صيد الحيتان ولا يشعران بأي التزام اتجاه هذا الحظر.
صورة من: picture-alliance / dpa
صيد حيتان مسموح به
يُسمح للشعوب الأصلية مثل شعبي تشوكشي أو الإسكيمو في كندا بحق صيد الحيتان رسميا إذا لم يُتاجروا بلحومها، وذلك لاعتبارات إنسانية لاسيما وأن صيد الحيتان عند هذه الشعوب تقليد قديم يمارسونه منذ قرون. وتُوفر هذه الثدييات البحرية للشعوب الأصلية اللحوم والزيت والعظام ويستخدمون كل شيء منها دون الاستغناء عن أي شيء.
صورة من: picture-alliance/empics
حماة البيئة في مقدمة المدافعين عن الحيتان
يرجع الفضل في حظر صيد الحيتان الآن إلى المنظمات البيئية، فمنذ عقود وهي تكافح من أجل الحفاظ على هذه الثدييات البحرية وتساهم في توعية الرأي العام بالخطر الذي تعيشه هذه الحيوانات وتبعات الإفراط في صيدها. وتُعرَفُ المنظمة البيئية "مجموعة راعي البحر للحماية" بدفاعها القوي عن الحيتان ونهجها العدواني المثير للجدل لحماية "عمالقة البحر".
صورة من: cc by John Guano sa 2.0
عروض سياحية لمعاينة الحيتان
غيرت العديد من البلدان، التي كانت تعتمد في السابق أساسا على صيد الحيتان، نهجها وأصبحت تقدم عروضا سياحية الآن لمشاهدة الحيتان. فبعض العاملين في هذا القطاع كانوا من هواة صيد الحيتان في اليابان والنرويج سابقا، والآن يقدمون خدمات سياحية ويتبادلون آرائهم مع السياح، كما أن العديد من اليابانيين يفضلون بأن تنعم هذه الثدييات البحرية بحريتها عوض الاستمتاع بها في وجبات غذائية.