"دروب الورق"...ثقافة الشرق بعيون غربية
٢ نوفمبر ٢٠٠٧تحت عنوان "دروب الورق" يقام حالياً في متحف بيرغامون الشهير في برلين معرض للفنان الألماني فولفغانغ تيمان. ولعل إقامة معرض "دروب الورق" في هذا المتحف العريق يعد دليلا على مدى أهمية هذا الفنان و أهمية موضوعات لوحاته. ويمكن أن نطلق على تيمان لقب "الفنان الرحالة" لكثرة أسفاره إلى أصقاع الأرض وانفتاحه على الثقافات ومحاولته الدائمة لفتح حوار مع الأخر عبر لوحاته الفنية. موقعنا (دويتشه فيله) زار هذا المعرض الهام وترك للفنان فسحة ليشرح لنا لوحاته.
"الحجاب والجيش والإرهاب"
يريد تيمان أن يوضح من خلال معرضه أن يوضح أن حوار الحضارات ليس بالأمر الصعب؛ فقد تنقل تيمان في دول مختلفة من العالم وأقام معرضه في ثلاث محطات رئيسية من رحلاته، هي أوزبكستان والصين وسوريا. كذلك رسم تيمان جزئاً كبيراً من لوحات المعرض في تلك البلاد. و يقول الفنان حول ردود الأفعال التي لقيها في تلك البلاد: "لقد كانت رائعة للغاية في أوزبكستان و كانت متميزة في شنغهاي حيث تحدثت عنها الإذاعة هناك... وفي دمشق كانت القمة فقد حضر الرئيس بشار الأسد لزيارة المعرض".
ولم تُعرض جميع لوحات تيمان في متحف بيرغامون رغم أنها توزعت على 11 قاعة عرض قام الرسام بتنسيقها بنفسه. وبحسه الفني ربط الفنان تلك القاعات ببعض من خلال اللوحات التي اختارها بعناية لتفي بهذا الغرض. فجعل كل قاعة تحوي موضوعاً منفصلاً عن مواضيع القاعة التالية من حيث الألوان والمادة التي تناولها إلا أنها مرتبطة معها من حيث مجمل فكرة المعرض والسرد التاريخي لمواضيع اللوحات. وعلى هذه النقطة يُعلق تيمان قائلاً: "تتناسب ألوان اللوحات مع الأماكن والأزمنة التي رُسمت فيها، و معي أنا شخصياً أيضاً فجاءت منسجمة كلياً مع موضوعاتها". قد احتوى المعرض على قاعات ليس لها علاقة بموضوعاتها الأساسية وهي إما تمثل مرحلة انتظار الرسام للحصول على أذن لإقامة معرضه في بعض الدول أو أنها أعمال فضّل الفنان اقحامها بين قاعات العرض لأنه " يحق للفنان أن يعرض أعمالاً خاصة به تمثله شخصياً".
تاريخ صناعة الورق: من الآسيويين عبر العرب إلى أوروبيين
وأما عن فكرة المعرض فقد بدأت تتبلور في رأس تيمان منذ تسعينيات القرن الماضي، حينها فكر حينها بالغوص في الحقب البائدة مستعيناً بدراسة التاريخ. وبدء الفنان بعام 751 في مدينة سمرقند ليسبر تاريخ صناعة وانتشار الورق انطلاقاً من سمرقند عبر البلاد العربية العرب ومن ثم إلى الأوروبيين. لذا فإن المعرض يتناول الناس والتاريخ كمادة له محاولاً ربطهم ببعض.
وقد أخذت أحداث 11/ أيلول حيزاً كبيراً من "دروب الورق" تجسدت في بعض اللوحات الفنية من حيث الألوان والأشكال. ويحاول تيمان من خلال هذه اللوحات طرح سؤال على الأوروبيين هو: "ماذا يعرف الأوروبيون عن الشرق؟". وبجيب المعرض على هذا السؤال بأن الحجاب والإرهاب والجيش هي ما يسيطر على صورة الشرق لدى الأوروبيين. ويرفض تيمان تماماً هذه الصور النمطية، فقد رسم لوحاته بريشة فنان محب للمشرق، إلا أنه يطرح في الوقت نفسه عبر لوحاته السؤال: "لماذا نخاف من هذه الصور النمطية؟"، آملاً في أن يراجع الزائر لمعرضه نفسه في إيجاد الجواب دون الرجوع إلى الأحكام المسبقة. وقد استخدم تيمان الألوان ببراعة للتعبير عن ذلك.
الحروب الصليبية مقابل أحداث الحادي عشر من أيلول
وقد ربط الفنان أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 بالحروب الصليبية التي يقول: " إنها كان يُفترض أن تحمل رسالة إنسانية إلا أنها تحولت إلى حرب دمرت الشرق في السابق". ويريد تيمان الاعتذار عن ما قام به أسلافه عن طريق لوحاته التي تظهر استمرار العرب باستقبال الغرب بقلب منفتح ومشدداً بالوقت نفسه على أهمية الحوار الثقافي. وحين تواجده في سوريا أصر الرسام على أن يقيم ورشة عمله في قلعة الحصن التي بناها الصليبيون لينسل عبق الزمان الغابر إلى أعماقه. ويعتبر تيمان هذه القلعة من أهم نقاط التقاء الثقافتين الشرقية مع الغربية.
وانتقد تيمان عدم مبالاة السياسيين بدور الفن الإيجابي كرابط بين الثقافات قائلا:"من وجهة نظري كفنان يجب التركيز على الحوار. فكلما تحاور الناس مع بعضهم ازدادت معرفتهم ببعض، الشيء الذي يبدد الأحكام المسبقة على الأخر". ويشدد تيمان على أهمية تكثيف التبادل الثقافي بين بلدان العالم عبر دعوة فناني ومثقفي الدول الأخرى إلى هنا والعكس. ويرى تيمان أن هذا التبادل لا يلقى حتى الآن الدعم الكافي. ويشير إلى أنه عندما كان في دمشق عام 2004 أراد أن تُعرض لوحاته في متحف الإسكندرية في مصر ، إلا أن ندائاته لم تجد آذاناً صاغية. ومع ذلك لا يزال تيمان مستعدا للذهاب بمعرضه إلى هناك إذا وُجهت له دعوة بذلك.
التخاطب مع النفس والآخر من خلال اللوحة
وحينما سألنا الرسام أن يقف إلى جانب عمل له يعتز به بشكل خاص، نظر حوله حائراً كمن طُلب منه أن يفضل أحد أولاده عن الأخر. وفي نهاية المطاف وقف بجانب لوحة كبيرة كُتب عليها بالعربية مقولات تيمان حول أهمية كسر الحدود بين الثقافات والترابط بين البشر. وبهذا المعرض "دروب الورق" يكون تيمان قد جلب ثقافة عالم آخر إلى ألمانيا من خلال عيون أوروبية، وهو الأمر الذي جعل لوحاته تتيح للمرء أن يتخاطب معها ويتخاطب مع نفسه وفي الحالة المثالية يتخاطب مع الآخر.