"دور أوروبا ينحصر كل مرة في إعادة بناء ما دمرته إسرائيل"
٧ أغسطس ٢٠١٤DW ما هو الدور الفعال الذي يمكن للأوروبيين عموما وألمانيا خصوصا أن تلعبه في إحلال السلام في الشرق الأوسط؟
ميشائيل لودرز: يمكن لأوروبا أن تلعب دورا فعالا إذا تمكنت من أن تتعامل مع الواقع كما هو، وبدلا من التركيز فقط على المصالح الأمنية الإسرائيلية، علي الأوروبيين أن يأخذوا رغبة الفلسطينيين في تأسيس دولة مستقلة خاصة بهم بعين الاعتبار.
ولكن تجارب وخبرات الماضي أظهرت أن المهمات التي قامت بها البعثات الأوروبية أو الألمانية لم تجدي نفعا، نتذكر مثلا مهمة نشر مراقبين من أوروبا على حدود غزة في عام 2005 وانسحابها في عام 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع، وتجربة مراقبة السواحل اللبنانية بعد الحرب الإسرائيلية في عام 2006 مع حزب الله لمنع الأخير من توريد الأسلحة، كل تلك التجارب فشلت. فلماذا يمكن لمهمة من هذا النوع أن تنجح هذه المرة؟
حاليا لا توجد خطط ملموسة على الأرض كي نتمكن من تحليلها أو تقيميها أو لنقول يمكن للأوروبيين تنفيذها أو لا. ولكن هناك مقترح قدمه أفيغودر ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي يتضمن طلبا بأن تقوم ألمانيا بدور ريادي في مراقبة الحدود بين غزة ومصر. والمقترح بحد ذاته يظهر أن إسرائيل لم تفهم بعد أنه لا يمكن حل الأزمة من منظار المصالح الأمنية لها. إسرائيل تريد الاستمرار في غلق حدودها مع غزة وتوافق على فتح حدود غزة مع مصر. ومن المحتمل أن توافق الحكومة المصرية على مقترح من هذا النوع إذا حصلت هي مقابل ذلك على الثمن الذي تريدها، أي مقابل المساعدات المالية التي تطالب بها، وخصوصا إذا أرتبط ذلك بالاعتراف الكامل بالوضع الجديد في مصر وعودة مصر إلى سابق عهدها إقليميا ودوليا. لكن ذلك سوف لا يساهم في حل مشاكل غزة.
كانت هناك اتفاقية أوسلو التي لم يأخذها أحد اليوم في إسرائيل على محمل الجد. الاتفاقية كانت تنص على أن تكون غزة والضفة الغربية من مكونات الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها في القدس الشرقية. لكن السياسية الإسرائيلية تهدف إلى إحالة غزة ومشاكلها إلى مصر وبإشراف أوروبي. وفي نفس الوقت تحاول إسرائيل المراوحة في مكانها في مفاوضاتها مع الفلسطينيين في الضفة الغربية في الوقت الذي يتم فيه بناء مستوطنة تلو الأخرى. وهذه السياسة يمكن لها أن تكون وصفة "لكارثة" جديدة أخرى وليس حلا للأزمة.
وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان قال في حديث مع صحيفة ألمانية إنه يؤيد نشر مفتشين أوروبيين على حدود غزة، ورفض استخدام مصطلح رجال شرطة أو جنود، بل ركز على مفتشين. وهو ليبرمان نفسه الذي طالب قبل فترة وجيزة بإعادة احتلال غزة من قبل الجيش الإسرائيلي. هل طرأ تغيير على السياسة الإسرائيلية بعد الحرب الأخيرة على غزة؟
لم يتغير أي شيء في جوهر السياسة الإسرائيلية والتي تهدف إلى منع ظهور دولة فلسطينية. لكن تكتيكات إسرائيل تتغير حسب الظروف التي تمر بها المنطقة. وحاليا ترغب إسرائيل في وضع قطاع غزة تحت إشراف دولي، وتفضل هنا إشراف الأمم المتحدة، وذلك انطلاقا فقط من مصالحها الأمنية. والأمر هنا يتعلق بمراقبة الحدود بين غزة ومصر فقط، وليس حدود غزة مع إسرائيل. ويعني ذلك عمليا أن قطاع غزة يبقى جيبا فلسطينيا على الحدود مع مصر أشبه بالسجن المفتوح عبر بوابة صغيرة تقود إلى الأراضي المصرية. وبالمقابل تخرج إسرائيل من المعضلة دون أي التزامات فعلية، خصوصا أن إسرائيل لا تريد أن تلتزم بفتح طريق يربط غزة بمناطق الضفة الغربية. وهذا تصور لا يمكن له أن يؤدي إلى حل فعلي للأزمة، وإنما يساهم في تأجيل الحل مرة تلو الأخرى. وعلى هذا الأساس فأن نقطة ضعف السياسة الأوروبية تكمن في تكرار اللعبة وفق قواعدها لمعروفة لحد ألان في المنطقة: يتم تدمير غزة في فترات زمنية تقصر دوما، ويقوم الأوروبيون بالمساهمة في إعادة البناء المرة تلو الأخرى. أما المسؤولية فتلقى دوما على عاتق حماس وتشددها فقط. لكن هذا الموقف يشوبه قصر نظر، فلا يمكن الحديث عن تطرف حماس فقط دون الحديث عن تطرف الحكومة الإسرائيلية أيضا.
رغم ذلك هل يعني هذا أن إسرائيل مستعدة للموافقة على إجراءات قد تطالبها بها بعثة أوروبية لتحقيق انفراج في المنطقة، كرفع الحصار عن غزة مثلا؟
لا أرى مجالا للأوروبيين كي يضعوا كامل ثقلهم فيه لممارسة ضغط فعال على الحكومة الإسرائيلية، بل العكس أرى أن الأوروبيين يتجنبون ممارسة الضغط على إسرائيل. كان من الممكن مثلا أن يطالب الأوروبيون والألمان إسرائيل بأن تفتح الحدود مع غزة في غضون ستة أشهر ليتم التواصل بين سكان غزة وسكان الضفة الغربية مقابل مهمة الأوربيين في تولي مراقبة الحدود بين غزة ومصر وأن تعلن إسرائيل عن خارطة طريق لإعلان الدولة الفلسطينية. لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث. وبهذا الطريقة تدفع إسرائيل بالأوروبيين والأمم المتحدة إلى الانزلاق في الأزمة كطرف فيها من خلال مطالبة إسرائيل لاحقا بمكافحة حماس في غزة، عندما يحدث ما لا يرضي إسرائيل. ولا يمكن أن يؤدي ذلك إلى حل دائم للأزمة في المنطقة، وخصوصا تنفض إسرائيل أعباء سياستها في غزة عن نفسها وتحملها الآخرين.
DWـ هناك من يقول إن الأوروبيين لم ينجحوا لحد ألان في حل أزمة في عقر دارها، والمقصود هنا الأزمة الأوكرانية، فلماذا يمكن لها النجاح في أزمة الشرق الأوسط؟
المشكلة الأساسية تكمن في أن الأوروبيين كدول وكمجموعة لم يطوروا لحد ألان سياسة خاصة بهم في الشرق الأوسط. ليست هناك ما يمكن تسميته بسياسة أوروبية إزاء الشرق الأوسط. أوروبا تكتفي بدور المانح. ولحد ألان لم تقرر أي حكومة أوروبية سواء أكانت في ألمانيا أو في غيرها من دول الاتحاد الأوروبي، شكل سياستها أو تقرر إطارا لمهمة مستقبلية في الشرق الأوسط. وفي أحسن الأحوال سيقومون مجددا بتخصيص الأموال لإعادة بناء غزة. كما من المحتمل أن يتولى الأوربيون مهمة مراقبة الحدود بين غزة ومصر، لكن ذلك لا يكفي، لأنها إجراءات تجميلية لا تساهم في حل جوهر الأزمة والذي يتمثل في استمرار الرقابة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين. كما يفتقر الأوربيون إلى سياسة إطار ليس فقط بشأن أزمة الفلسطينيين وإسرائيل، بل أيضا فيما يخص تقدم تنظيم " الدولة الإسلامية" في عدد من الدول العربية.
*الدكتور ميشائيل لودرز باحث أكاديمي مختص بشؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. له حضور قوي في الندوات الحوارية في مختلف وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية. وله إصدارات كثيرة بهذا الشأن. كما ينشر الكثير من المقالات السياسية في الصحف الألمانية.
أجرى الحوار حسن ع. حسين