دور المؤسسات الألمانية في تهيئة الأجواء للانتخابات المغربية
١١ سبتمبر ٢٠٠٧هناك العديد من المؤسسات الألمانية التي تنشط في مجال التنمية السياسية في المغرب أهمها "مؤسسة كونراد ادناور"، و"مؤسسة "فريدريش ايبرت"، إضافة إلى"مؤسسة فرديدريش ناومان". وتتبع هذه المؤسسات نهجا متميزا في التعامل مع التطورات السياسية التي يشهدها هذا البلد المغاربي، الذي يقع في نقطة تقاطع بين القارتين الإفريقية والأوروبية. وقد ظهر ذلك جليا أثناء الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب في 7 سبتمبر/ أيلول الحالي ، إذ برزت خصوصية دور هذه المؤسسات من خلال مساهمتها في عملية تطوير الأداء السياسي المجتمعي بالاشتراك مع مؤسسات المجتمع المدني المحلية، لكن مع الحرص على مراعاة عدم التدخل في الشئون السياسية الداخلية للبلد المضيف. وفي هذا السياق يقول عبد الواحد بوغريان، ممثل "مؤسسة فريدريتش ناومان" في مقابلة مع دويتشه فيله، إن المؤسسات الألمانية تدرك تماما خصوصية دورها وحساسيته في هذا البلد، لذلك فإنها تحاول جاهدة أن تظل دوما على الحياد وتنأى بنفسها عن التدخل المباشر الذي تحاول مؤسسات أجنبية أخرى ممارسته.
تطوير قدرات أعضاء منظمات المجتمع المدني
وعن مؤسسته يقول بوغريان إن "مؤسسة فريدريتش ناومان" تعتبر من أعرق المؤسسات الألمانية العاملة في المغرب، إذ يعود تواجدها هنا إلى عام 1969 وبالتالي فإنها أضحت تمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع الشأن المغربي. أما عن دور هذا المؤسسة في الانتخابات الأخيرة فيؤكد بوغريان بأنها ساهمت من خلال دورات تأهيلية تهدف إلى تطوير قدرات أعضاء منظمات المجتمع المدني المحلية، الذين راقب بعضهم عملية الانتخابات. وأشار بوغريان إلى أن المؤسسة راقبت عن بعد أداء الفاعلين السياسيين أثناء الانتخابات، مستدركاً بالقول: "لكن دون تدخل فيها، لأن الاقتراع في نهاية المطاف هو شأن مغربي".
إثارة النقاش حول قضايا حساسة
من ناحيتها نظمت "مؤسسة كونراد أدناور"، التي تتمتع بشبكة من العلاقات الواسعة مع الهيئات غير الحكومية والأحزاب، إضافة إلى مؤسسات حكومية، نظمت خلال هذا العام سلسلة من اللقاءات الفكرية والتأهيلية، التي احتلت القضايا المتعلقة بالانتخابات حيزا مهما فيها. ويذكر هنا أن هذه المؤسسة كانت قد شاركت في تنظيم ندوة في يونيو/حزيران الماضي تناولت موضوع "الحركات الإسلامية والنظام السياسي في المغرب والبلدان العربية"، وشارك فيها مفكرون وخبراء من بلدان عربية عديدة. كما شاركت المؤسسة الألمانية في الشهر نفسه في تنظيم ندوة حول"الفكر الديني في المغرب العربي"، وكانت هذه الندوة فضاء للحوار بين مفكرين مغاربيين وخبراء ومستشرقين ألمان حول آفاق تطور المجتمعات المغاربية بشكل عام. هذا وتولي "مؤسسة كونراد أدناور"، كما يقول مدير مكتبها في الرباط توماس شيلر في حوار موع موقعنا، تولي اهتماما خاصا بالمغرب كونه نقطة تلاقي ليس فقط بين قارتي أوروبا وإفريقيا فحسب، بل بين حضارتي الغرب والشرق، ويعلق شلاير على ذلك بالقول: "وهو بلد يشق طريقه نحو الحداثة والديمقراطية والليبرالية، مع حفاظه على القيم التقليدية التي تقوم عليها ملكية مسلمة".
ويضيف شيلر قائلا إن اهتمام مؤسسته ينصب على رصد التحولات التي تشهدها المجتمعات المغاربية وكذلك على إثارة النقاش حول قضايا معينة كدور حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وبذلك تكون المؤسسة ـ وفقا للمسؤول الألماني ـ قد ساهمت في بلورة الحوار حول قضايا حساسة في المجتمع المغربي، ولكن في إطار متوازن وهادئ يساعد على تطوير الأفكار والحوار حول آفاق المستقبل.
"جدوى الانتخابات في ظل نظام ملكي"
أما "مؤسسة فريدريش ايبرت" التي تتمتع بحضور كبير في المغرب والتي تولى قضية التحول الديمقراطي في هذا البلد جل اهتمامها، فقد لعبت دورا كبيرا في دعم الهيئات الحقوقية هناك، وهي الهيئات التي قامت بدور محوري في تشكيل ما عرف بـ "هيئة الإنصاف والمصالحة" الخاصة بتعويض آلاف المضطهدين أثناء ماعرف بـ "سنوات الرصاص" بالمغرب. كما تخصص "مؤسسة فريدريش ايبرت" حيزا مهما من أنشطتها لدعم وتطوير العمل الشبابي بغرض إدماج الجيل الجديد في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، هذا ناهيك عن الدعم السخي للمرأة بهدف إشراكها في الحياة السياسية. وهناك محور أخر أساسي في عمل "منظمة فريدريش ايبرت" يتمثل في المساهمة في تدعيم بنيات وآليات الحكم الرشيد، إضافة إلى تدعم الحوار الأوروـ متوسطي لاسيما من خلال تنظيم لقاءت بين الشباب المغربي والشباب الأوروبي. هذا وقد كان للانتخابات التشريعية المغربية حضور بارز في الملتقيات والحوارات التي نظمتها "مؤسسة فريدريش ايبرت" واستضافت فيها ممثلين عن نخب سياسية وفكرية مغربية مختلفة، تناولت قضايا سياسية حساسة في الواقع المغربي، مثل " جدوى انتخابات مجلس النواب في ظل ملكية تنفيذية".
متابعة الانتخابات عن كثب
وشغل موضوع دور مجلس النواب المغربي اهتمام "مؤسسة هانس زيديل" الألمانية ، التي عقدت سلسلة من اللقاءات حول الملفات الدستورية، وهو موضوع بات يحظى بأولوية في سلم اهتمامات النخب السياسية بالمغرب. ويرصد المتتبعون لعمل المؤسسات الألمانية، حرصها على العناية بعمق المضمون عند طرح قضايا معينة، وكانت هذه أيضا سمة بارزة في عمل مؤسسة " ديموكراسي روبورتينغ انترناشيونال" Democraty Reporting International التي يوجد مقرها في برلين. فقد تابعت هذه المنظمة الانتخابات المغربية عن كثب وذلك من خلال برنامج عمل مشترك مع منظمة الشفافية (فرع المغرب). ومن جهتها ساهمت وزارة الخارجية الألمانية في تمويل هذا البرنامج الذي انصب على تقييم الإطار القانوني والدستوري الذي نظمت فيه الانتخابات، إضافة إلى ذلك فإن المنظمة تستعد لإصدار تقرير ثان حول سير عملية الانتخابات.
منصف السليمي ـ الرباط