يرى خبراء أن رسوم ترامب الجمركية المنخفضة على السعودية والإمارات تمثل فرصة لجذب كبرى الشركات العالمية. لكن الخليج يواجه عقبات في تحقيق ذلك، فما هي هذه العقبات وهل بمقدور بلدان الخليج تجاوزها؟
دشنت السعودية تطبيق "أبشر" للحصول على خدمات حكومية مثل استخراج جواز السفر، لكنه تعرض لانتقادات في السنوات الماضية.صورة من: Fayez Nureldine/AFP via Getty Images
إعلان
تزامنا مع بدء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على الصين ودول أخرى، جرى تدشين برنامج "صُنع في السعودية".
وفي مقابلة مع موقع "ميدل إيست آي"، قالت الخبيرة الاقتصادية، إيلين والد، إنه "يجب على السعودية إرسال ممثليها التجاريين إلى إدارة ترامب الآن، وسؤالهم: ماذا كانت الصين ستقدم لكم؟ أخبرونا وسنصنع ذلك على أرضنا".
وتُعد الصين ودول آسيوية أخرى مثل فيتنام وتايلاند مراكز تصنيع رئيسية للعديد من العلامات التجارية العالمية، بدءا من عملاق الملابس الرياضية "أديداس" وحتى عملاق التكنولوجيا "آبل".
لكن منذ أبريل/نيسان الماضي، فرضت إدارة ترامب رسوما جمركية على هذه البلدان، رغم أنها تمكنت من تفادي رسوم أكثر قسوة.
في المقابل، لم تفرض إدارة ترامب رسوما جمركية مرتفعة على معظم دول الخليج العربية، لا سيما السعودية و الإمارات، إذ لم تتجاوز النسبة 10 بالمئة.
وعلى وقع الحرب التجارية التي أطلقها ترامب، وجدت الشركات الكبرى نفسها مضطرة للبحث عن خيارات محدودة للاستمرار في عملها، وكان من بين هذه الخيارات التوجه إلى التصنيع في دول فُرضت عليها رسوم جمركية منخفضة.
وقد بدأت هذه الشركات هذا التوجه منذ سنوات، مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما عاد بالفائدة على فيتنام وتايلاند.
ابرمت السعودية والسعودية الكثير من الاتفاقيات التجارية خلال جولة ترامب الخليجية.صورة من: Saudi Press Agency/IMAGO
"دول محور" الشرق الأوسط؟
وخليجيا، تسعى كل من السعودية والإمارات إلى تنويع اقتصاديهما بعيدا عن النفط، نحو قطاعات التصنيع والتكنولوجيا المتقدمة.
إعلان
وفي هذا السياق، أطلقت الإمارات "مشروع 300 مليار" عام 2021، بهدف رفع مساهمة القطاع الصناعي المحلي في الناتج القومي إلى 300 مليار درهم إماراتي (72 مليار يورو).
أما السعودية، فقد أطلقت "رؤية 2030" التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد مع تركيز مماثل على تنمية الصناعة المحلية.
وتحدثت تقارير عن أن بعض شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل "ديل" و"إتش بي"، تسعى لبناء مصانع جديدة في السعودية.
كما ذكرت وسائل إعلام صينية في فبراير/شباط الماضي أن شركة "لينوفو" الصينية وشركة "آلات" السعودية بدأتا أعمال إنشاء قاعدة تصنيع جديدة في الرياض.
ويُضاف ذلك إلى اتفاقيات أبرمتها شركة "آلات"، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة برأسمال قدره 100 مليار دولار.
تزايدت العلاقات التجارية بين السعودية والصين رغم تنامي التوترات بين بكين وواشنطن.صورة من: Royal Court of Saudi Arabia/AA/picture alliance
وقد أعلنت "آلات" عن اتفاق مع "مجموعة سوفت بنك" اليابانية في مجال الروبوتات الصناعية، التي يمكن استخدامها لاحقا في خطوط الإنتاج، مما يُسهم في معالجة نقص العمالة في أكبر مصدر للنفط في العالم.
وتسعى السعودية أيضا إلى جذب شركة "فوكسكون" الصينية، أكبر مصنع لأجهزة "آيفون"، وشركة "كوانتا" التايوانية، إحدى أبرز الشركات في مجال الحواسب المحمولة.
ويرى ديفيد باتر، الباحث في مركز "تشاتام هاوس" في لندن، أن عشرات الدول تسعى "للاستفادة من الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على الدول الآسيوية التي تصدر انتاجها إلى الولايات المتحدة".
وفي مقابلة مع DW، أضاف: "تأمل هذه الشركات في اختراق السوق الأمريكية".
قبل سنوات، اختبرت دبي أول طائرة أجرة بدون طيار في العالم.صورة من: Giuseppe Cacace/AFP via Getty Images
نقمة أم نعمة؟
من جانبه، قال نادر قباني، مدير البحوث في "مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية" ومقره الدوحة، إن "دولاً مثل السعودية قد تُرسّخ مكانتها كملاذ آمن - ولو نسبيا - للشركات التي تسعى إلى تفادي رسوم ترامب الجمركية المرتفعة أو التخفيف من حدتها".
وأضاف قباني أن السعودية تتمتع بمزايا عديدة قد تساعدها على تحقيق ذلك، قائلا: "تتمتع السعودية بموارد طبيعية وفيرة، بما في ذلك النفط، فضلا عن امتلاكها سوقا محلية كبيرة".
كما أشار إلى أن "السعودية تحتل موقعا جغرافيا مركزيا يجعلها جسرا بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتدعم حكومتها جهود التنويع الاقتصادي بنشاط، كما أنها تمتلك بنية تحتية متطورة، ومستعدة لجذب عمالة ماهرة أجنبية".
وأكد فريدريك شنايدر، زميل أول غير مقيم في "مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية"، أن المنطقة تتمتع ببعض المزايا، مشيرا إلى قطاع الخدمات اللوجستية الكبير في الخليج، وأنظمة الضرائب المنخفضة، وارتباط عملات هذه الدول بالدولار، الذي تراجع مؤخرا، ما يجعل صادراتها أرخص وأكثر تنافسية.
لكن الأمر ليس ورديا دائما.
هل يتخلى ترامب عن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط؟
02:05
This browser does not support the video element.
ففي حديثه إلى DW، قال شنايدر إن "قطاع التصنيع الحالي في السعودية لا يزال غير متطور بشكل كبير، ويفتقر إلى قطاعات هامة مثل الهيدروكربون. وإذا أرادت السعودية المنافسة في مجال التصنيع عالي التقنية، فسوف تواجه دولا مثل الصينوكوريا الجنوبية وتايوان واليابان وألمانيا وسويسرا. وحتى في قطاعات التكنولوجيا الأقل تطورا، ستواجه منافسة من ماليزيا وإندونيسيا وفيتنام".
وأشار إلى أن "هذه الدول، رغم ما تعانيه من سلبيات، تمتلك خبرة تمتد لعقود في مجالات البنية التحتية والتجارة، فضلاً عن رأس مال بشري كبير".
وفيما يخص الخليج، أشار شنايدر إلى عوامل سلبية أخرى، مثل القضايا الثقافية وتغير المناخ وحالة عدم اليقين الجيوسياسي بشأن صراعات محتملة مثل التوترات بين إيران و الولايات المتحدة.
وأضاف: "الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة. فرغم حرص دول المنطقة على استعراض أولوياتها في مجال التكنولوجيا، إلا أن القليل تحقق على أرض الواقع".
وقال "لم تنجح تجارب سيارات الأجرة بلا سائق أو نقل الركاب عبر هايبرلوب، فضلا عن بعض إخفاقات في استثمارات العملات المشفرة ومشاريع البناء التي تم تقليصها".
فقد ذكرت منصة "Never Neom" أن العديد من المشاريع الاستثمارية الضخمة ليست سوى "وعود تصطدم بواقع هش".
شبح حرب تجارية
ورغم ذلك، من المؤكد أن حكومتي السعودية والإمارات تبنيان المزيد من المصانع، وتشهدان مساهمة متزايدة للأنشطة غير النفطية في الناتج القومي سنويا.
لكن خبراء يرون أنه حتى في حال حدوث تحول اقتصادي في دول الخليج العربية، فإن ارتفاع الرسوم الجمركية واحتمال نشوب حرب تجارية سيشكلان عقبات رئيسية أمام الطموحات الخليجية.
وتعاني دول الخليج من تراجع الموارد المالية اللازمة للاستثمار في خططها الكبرى بسبب انخفاض أسعار النفط؛ ما أدى إلى رفع الضرائب في السعودية.
وفي هذا السياق، قال شنايدر إن مثل هذه المخاطر قد "تعرض الميزة الاقتصادية للخطر. فعلى سبيل المثال، سيؤدي التباطؤ العالمي إلى انخفاض أسعار النفط بشكل أكبر، مما ينعكس سلبا على دور دول المنطقة كمركز لوجستي".
ويتفق في هذا الرأي، نادر قباني، مدير البحوث في "مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية".
وقال إنه "من المرجح أن تطغى آثار الحرب التجارية العالمية والتباطؤ الاقتصادي الناتج عنها، وانخفاض عائدات النفط، على أي فوائد قد تجنيها دول الخليج من كونها مركزا منخفض الرسوم الجمركية".
أعده للعربية: محمد فرحان
تحرير: عبده جميل المخلافي
الرياض وواشنطن.. عقود من النفط والسلاح والمال مقابل الحماية
قامت العلاقات السعودية الأمريكية منذ تأسيس المملكة على مبدأ المصالح المتبادلة، بيد أن النفط والمال السعوديين كانا محركين أساسيين لهذه العلاقة ومقابل ذلك اعتمدت المملكة على حماية أمريكا، لكن العلاقات شهدت بعض التوترات.
صورة من: picture-alliance/Everett Collection
1931: اعتراف أمريكي بدولة وليدة
الولايات المتحدة تعترف بمملكة الحجاز ونجد، التي أعيد تسميتها إلى المملكة العربية السعودية في العام التالي. وبعد عامين منحت المملكة امتياز التنقيب عن النفط لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. وحقق فرعها السعودي، الذي أعيد تسميته فيما بعد إلى أرامكو، أول اكتشاف تجاري في عام 1938. ولم تستكمل السعودية شراء 100 بالمئة من أسهم الشركة إلا في 1980.
صورة من: picture alliance/dpa/CPA Media Co. Ltd
1945: لقاء في قناة السويس
الرئيس الأمريكي فرانكلين دي. روزفلت يلتقي مع الملك عبد العزيز على متن السفينة يو.إس.إس كوينسي في قناة السويس، مما مهد الطريق أمام علاقات وثيقة على مدى عقود من الزمن.
صورة من: picture alliance/akg-images
1950 – 1951: من النفط إلى السلاح
أعادت السعودية التفاوض بشأن امتياز أرامكو لتحصل على مزيد من الإيرادات. وبعد عام من ذلك وقعت المملكة مع الولايات المتحدة اتفاقية دفاع متبادل، مما فتح الطريق أمام مبيعات هائلة من الأسلحة الأمريكية.
صورة من: picture alliance/dpa/TASS
1973: حظر نفطي
انضمت السعودية إلى حظر نفطي عربي على الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب دعمها لإسرائيل في حرب 1973 مع مصر وسوريا، مما أدى إلى تضاعف أسعار النفط إلى أربع مرات تقريباً. رفع الحظر في 1974.
صورة من: Pierre Manevy/Express/Hulton Archive/Getty Images
1979: تمويل "المجاهدين" الأفغان
بالتعاون مع الولايات المتحدة وباكستان، ساعدت المملكة السعودية في تمويل المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي. وقام العديد من السعوديين، ومن بينهم أسامة بن لادن السعودي المولد، بتمويل المقاتلين الأفغان والانضمام إليهم.
صورة من: AFP/Getty Images
1990: غزو الكويت
بعد أن قام نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بغزو الكويت، استخدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة السعودية نقطة انطلاق لطرد القوات العراقية من الكويت. وشاركت القوات السعوية في العملية. وبعد ذلك غادرت معظم القوات الأمريكية المملكة، لكن الآلاف بقوا هناك.
صورة من: picture-alliance/dpa
1996: تفجير الخبر
أدى انفجار شاحنة مفخخة في مجمع عسكري أمريكي في الخبر إلى مقتل 19 جندياً أمريكياً. أعلن زعيم تنظيم القاعدة إسامة بن لادن "الجهاد" ضد الأمريكيين واصفاً القوات الأمريكية هناك بقوات احتلال.
صورة من: picture-alliance/AFP/EPA
2001: هجمات سبتمبر الإرهابية
قتل نحو ثلاثة آلاف في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول التي نفذها خاطفو طائرات من تنظيم القاعدة. ومن بين 19 خاطفاً، كان هناك 15 سعودياً. ونفت السعودية أي صلة أو معرفة بالهجمات. لم تجد لجنة حكومية أمريكية في 2004 أي دليل على أن السعودية مولت القاعدة بشكل مباشر. وتُرك الأمر مفتوحاً بشأن ما إذا كان مسؤولون سعوديون قد فعلوا ذلك بصورة فردية أم لا.
صورة من: picture alliance/dpa/NIST
2003: غزو العراق
لم تشارك السعودية في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق. وسحبت الولايات المتحدة جميع القوات القتالية المتبقية من المملكة. في هذا العام قتل ثلاثة مفجرين انتحاريين 35 شخصاً على الأقل، بينهم تسعة أمريكيين، في الرياض، وذلك في إطار هجمات ضد أجانب ومنشآت حكومية سعودية.
صورة من: picture-alliance/dpa
2011: الربيع العربي
هزت الاضطرابات العالم العربي بسبب الانتفاضات والاحتجاجات التي سُميت بـ "الربيع العربي". وسرعان ما أبدت السعودية قلقها مما تعتبره تخلي الرئيس باراك أوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك حليف الولايات المتحدة.
صورة من: AFP/Getty Images
2013: قلق وشكوى
في حدث نادر أعلن أفراد العائلة المالكة للسعودية عن تذمرهم علناً من سياسات الحليف الأمريكي بعد أن حاولت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تغيير نهجه بلاده إزاء إيران وعدم تدخلها بقوة في الملف السوري الملتهب بخلاف تدخلها في إسقاط النظام بليبيا.
صورة من: Reuters/Jim Bourg
2015: الملف النووي الإيراني
بعد أن توصلت القوى العالمية الكبرى إلى اتفاق مع إيران لتخفيف العقوبات على طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، أعلنت الرياض عن خشيتها أن يقوي هذا الاتفاق الغريم الإيراني. وفي هذا العام شنت المملكة حملة عسكرية على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن بعد أن أبلغت واشنطن قبلها بساعات قليلة فقط. لكن الولايات المتحدة قدمت الدعم العسكري المطلوب.
صورة من: Reuters/C. Barria
2016: فيتو الكونغرس
ألغى الكونغرس حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه أوباما ضد قانون يرفع الحصانة السيادية ويفتح الطريق أمام أقارب ضحايا 11 سبتمبر/ أيلول لمقاضاة السعودية بشأن الهجمات الإرهابية التي أوقعت الآلاف من القتلى والجرحى.
صورة من: picture-alliance/ dpa
2018: انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي
أبدت السعودية ترحيبها بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أدانت الولايات المتحدة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
صورة من: picture-alliance/Xinhua/T. Shen
2019: دور محمد بن سلمان
قام مشرعون أمريكيون، مستشهدين بأدلة على دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قضية خاشقجي ومدفوعين بالغضب من الخسائر بين المدنيين في الغارات الجوية السعودية باليمن، بزيادة جهود منع بيع الأسلحة إلى الرياض. وقالت الرياض إن قتل خاشقجي ارتكبته مجموعة خالفت صلاحيات الأجهزة وتنفي أن يكون للأمير محمد بن سلمان أي دور.
صورة من: Getty Images/W. McNamee
2020: دعم لاتفاقيات إبراهيم
أعلنت السعودية دعمها لاتفاقيات إبراهيم التي أقام بموجبها حلفاؤها الإمارات والبحرين علاقات مع إسرائيل. ولم تصل الرياض إلى حد الاعتراف بإسرائيل نفسها.
صورة من: Alex Wong/Getty Images
2021: سجل حقوق الإنسان
تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفا أكثر تشددا تجاه سجل السعودية في حقوق الإنسان. وتعهد بايدن أثناء حملته الرئاسية بجعل الرياض "منبوذة" بسبب مقتل خاشقجي. كما أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.
صورة من: Yasin Ozturk/AA/picture alliance
2022: "قيادة شجاعة"
في يونيو/ حزيران الماضي، قال بايدن إن المملكة أظهرت "قيادة شجاعة" من خلال مساندة تمديد الهدنة المدعومة من الأمم المتحدة في اليمن. ومع ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، رحب البيت الأبيض بقرار دول أوبك+ زيادة الإمدادات النفطية.