ذوبان الأنهار الجليدية.. يغير وجه العالم ويهدد حياة الملايين
٨ يونيو ٢٠٢٥
كتل ضخمة من الجليد وحطام هائل يوم الأربعاء (28 مايو) أدى انهيار نهر جليدي في سويسرا إلى دفن قرية بلاتن الصغيرة. وأصبحت عواقب الاحتباس الحراري على الأنهار الجليدية أكثر وضوحا من أي وقت مضى. وكان يعتقد في السابق أن جليدها سيستمر إلى الأبد. ولكن هل لا يزال ذلك صحيحا؟
هذه الكارثة الطبيعية هي أيضا موضوع نقاش في المؤتمر الدولي للأنهار الجليدية في طاجيكستان. ويشارك في المؤتمر رؤساء الدول والوفود الحكومية والعلماء وممثلو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في الفترة من 29 مايو إلى 1 يونيو في العاصمة دوشانبي.
إن الحاجة إلى العمل كبيرة. ففي نهاية المطاف يُظهر الانهيار الدراماتيكي للأنهار الجليدية في سويسرا مدى خطورة الذوبان المتسارع للأنهار الجليدية بسبب تغير المناخ.
فحسب الباحثين ذابت الأنهار الجليدية السويسرية بين عامي 2022 و2023 بسبب الاحتباس الحراري أكثر مما ذاب في الفترة الممتدة من 1960 إلى 1990 بأكملها. وفي جميع أنحاء العالم تذوب الجبال الجليدية التي يشار إليها غالبا باسم "أبراج المياه في العالم" الآن أسرع بمرتين مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن. فبين عامي 2000 و2023 فقدت هذه الجبال الجليدية كتلة من الجليد تعادل حجم 46,000 هرم عظيم في الجيزة.
ذوبان سريع للأنهار الجليدية في جبال الأنديز
تخزن الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية حوالي 70 في المائة من احتياطي المياه العذبة في العالم. وحسب الباحثين يعتمد مليارا شخص في جميع أنحاء العالم على ذوبان الأنهار الجليدية لتلبية احتياجاتهم اليومية من المياه. ولكن بينما يزداد العالم دفئا فان الجليد يذوب.
وهذا له عواقب. فبعض المناطق لديها القليل جدا من المياه، بينما تعاني مناطق أخرى من شح المياه. فسكان بلدة هواراز الصغيرة في غرب بيرو على سبيل المثال يحصلون على ما يقرب من 20 في المائة من إمدادات المياه السنوية من ذوبان الجليد. لكن الأنهار الجليدية في جبال الأنديز تذوب بوتيرة أسرع من أي مكان آخر. وهذا ينذر بخطر الفيضانات. وفي نزاع قانوني طويل رفع أحد سكان هواراز دعوى قضائية ضد شركة الطاقة الألمانية RWE.
وادعى أن منزله معرض لخطر محتمل من بحيرة جبلية تمتلئ بسرعة بالمياه الذائبة. ومع ذلك رفضت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة هام في غرب ألمانيا دعوى المزارع البيروفي المتعلقة بالمناخ في حكم تاريخي صدر في 28 مايو.
الفيضانات المفاجئة
لا تتشكل البحيرات الجليدية الضخمة في بيرو فقط عندما تذوب الأنهار الجليدية. إذا أصبحت ممتلئة للغاية يمكن للفيضانات المميتة أن تجرف المباني والجسور وتدمر الأراضي الخصبة كما هو الحال في باكستان.
وفي الهند المجاورة انفجرت بحيرة من الجليد الذائب على ضفافها مما أسفر عن مقتل 179 شخصا. ويقدر العلماء أن ما لا يقل عن 15 مليون شخص في جميع أنحاء العالم معرضون لخطر الفيضانات المفاجئة من ذوبان الجليد معظمهم في الهند وباكستان.
وفي جبال الألب السويسرية تم نقل سكان قرية بلاتن إلى بر الأمان في الوقت المناسب قبل أن ينفجر نهر بيرش الجليدي الذائب.
تداعيات على الزراعة والكهرباء
عندما تتقلص الأنهار الجليدية فانها تصل في النهاية إلى عتبة "ذروة المياه". ونتيجة لذلك تتدفق كميات أقل من المياه الذائبة في اتجاه مجرى النهر مما قد يكون له عواقب بعيدة المدى.
وقد أجبر انخفاض إمدادات المياه في جبال الأنديز المزارعين المحليين الذين كانوا يزرعون الذرة والقمح تقليديا على تغيير محاصيلهم وإدارة المياه. وقد تحولت بعض المجتمعات المحلية الآن إلى زراعة نوع من البطاطا المرة الأكثر قدرة على تحمل الجفاف.
كما يؤدي عدم استقرار إمدادات المياه إلى إبطاء توليد الكهرباء. ففي تشيلي يتم توليد 27 في المائة من الكهرباء من محطات الطاقة الكهرومائية التي تعتمد بشكل كبير على المياه الذائبة. وفي عام 2021 أغلقت محطة ألتو مايبو لتوليد الكهرباء بسبب تضاؤل تدفق المياه.
ذوبان الصفائح الجليدية يرفع منسوب مياه البحر
ليست الأنهار الجليدية في الجبال العالية وحدها التي تذوب بل أيضا تلك الموجودة في البحر مثل نهر ثوايتس الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية. هذا العملاق الجليدي بحجم ولاية فلوريدا الأمريكية يعتبر "غير مستقر للغاية". وحسب العلماء فانه يذوب من جميع الجهات.
يعد ذوبان الجليد البحري مساهما رئيسيا في ارتفاع منسوب مياه البحار. ففي السنوات الـ 25 الماضية وحدها تسبب ذوبان الأنهار الجليدية في ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم بنحو سنتيمترين.
وقد لا يبدو ذلك كثيرا ولكن الجزر المنخفضة مثل فيجي وفانواتو في المحيط الهادئ معرضة لخطر الاختفاء تحت الأمواج. بالإضافة إلى ذلك يعيش أكثر من مليار شخص بالقرب من الساحل في المدن الكبرى مثل جاكرتا ومومباي ولاغوس ومانيلا. والسدود الواقية ليست سوى حل مؤقت مع استمرار ارتفاع منسوب مياه البحر.
طقوس روحية وثقافية مهددة بالانقراض
كما أن للأنهار الجليدية أهمية روحية وثقافية بالنسبة للكثيرين. ففي كل عام يتجمع عشرات الآلاف من الحجاج عند أحد أقدس الأنهار الجليدية في بيرو وهو نهر كولكيبونكو في مهرجان ديني. وفي الماضي كانت كتل الجليد تحفر من النهر الجليدي وتنقل إلى المجتمعات المحلية التي كانت تؤمن بخصائصها العلاجية. ولكن مع انحسار النهر الجليدي أصبح هذا التقليد القديم مهددا.
ويقال إن نهر بريسينا الجليدي في إيطاليا وهو وجهة مفضلة للمتزلجين فقد ثلث حجمه منذ عام 1990. ومن المتوقع أن تتراجع الثلوج الطبيعية في جبال الألب الأوروبية بنسبة 42 في المائة بحلول نهاية القرن الحالي. ويقدر العلماء أن العديد من منتجعات التزلج حول العالم لن تكون مربحة في المستقبل.
يمكن للسكان المحليين الاستعداد لبعض هذه الأخطار. تم تركيب نظام إنذار مبكر في قرية حسن آباد الباكستانية لمراقبة نشاط نهر شيسبر الجليدي القريب. وإذا دعت الحاجة إلى إصدار تحذير يمكن بثه عبر مكبرات الصوت الخارجية في القرية.
وفي منطقة لاداخ المجاورة يقوم الباحثون بتجربة إنشاء أنهار جليدية اصطناعية يمكن أن تخفف من نقص المياه في الصيف من أجل مواجهة هذا التحدي.
ولكن هذه الاستراتيجيات تعمل فقط الى حد معين. فحسب العلماء فان أفضل طريقة لمعالجة انكماش الأنهار الجليدية هي إبطاء ارتفاع درجة الحرارة التي تزيد من حرارة الأرض.
أعده للعربية: م.أ.م