1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الأبعاد السياسية لأزمة الأئمة في تونس

طارق القيزاني - تونس٥ نوفمبر ٢٠١٥

عزل إمام مسجد في تونس يثير جدلاً سياسياً ويجعل المصلين يمتنعون عن أداء صلاة الجمعة للأسبوع الثالث. وقضية العزل تثير أسئلة عن الحريات الدينية من جهة وعن قضايا إساءة استخدام المساجد للدعوة إلى الفكر التكفيري والإرهابي.

Tunis
صورة من: picture alliance / Dallas & John Heaton/Robert Hard

لم يتمكن المصلون في جامع سيدي اللخمي الكبير بمدينة صفاقس من أداء صلاة الجمعة للأسبوع الثالث على التوالي، والسبب في ذلك احتجاج المصلين ضد قرار وزارة الشؤون الدينية عزل الإمام رضا الجوادي، لمخالفته اللوائح المتبعة في إدارة شؤون المساجد.

وقد تحولت أزمة هذا الجامع إلى كرة ثلج، خاصة أنها ترافقت مع قرارات أخرى مماثلة لتشمل عدداً أوسع من الأئمة. وطرح ذلك أسئلة فيما إذا كانت الحكومة تقوم بتوسيع نطاق تدخلها لمكافحة الخطاب التكفيري والمتشدد وتحييد الفضاءات الدينية، أم أن الأمر يمثل مقدمة لتضييق الخناق أكثر فأكثر على الحريات الدينية بدعوى مقاومة الإرهاب؟

ويكشف هذا في كل الحالات عن معضلة حقيقية تواجهها الديمقراطية الناشئة في التعاطي مع الشأن الديني بالغ الحساسية في بلد ظل لعقود ينتهج ما تسطره له الدولة من نمط مجتمعي وثقافي وصولا إلى النموذج الإسلامي المتبع.

مبدأ تحييد المساجد

توضح المتحدثة باسم وزارة الشؤون الدينية نجاة الهمامي في حديثها مع DW عربية أن "عزل الأئمة إجراء إداري بالأساس، لكنه يندرج ضمن خطط أشمل لمكافحة التطرف، وهو عمل تقوم به الوزارة بشكل يومي. فكلما لاحظت الوزارة إخلالا، مثل الغياب المتكرر أو نشر خطابات تكفيرية تفرق ولا تجمع، فهي لا تتردد في تطبيق القانون".

وتضيف الهمامي أن الوزارة تتعاطى في اتخاذ قرارها مع تقارير الوعاظ والمجتمع المدني ومع عرائض المصلين. وقد ثبت مثلا أن الإمام رضا الجوادي كان يمارس نشاطا نقابيا في جامع اللخمي، وهو ما يتعارض مع مبدأ تحييد المساجد.

جامع الزيتونة الكبيرصورة من: Tarek Guizani

ويبدو أن الأسباب أبعد من ذلك، فالجوادي يمثل نموذجا لعدد من الأئمة الذين تتهمهم الحكومة بالتحريض ضد الدولة وإشاعة العنف والترويج أيضا لمذاهب دينية مستوردة ومخالفة للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية التي تدين بها تونس.

وبحسب المتحدثة، فإن عمليات العزل شملت أيضا عددا من الأئمة الذين نشطوا في مساجد اتهمت بالترويج للجهاد في سورية، كما دفعت الأحداث الإرهابية، التي شهدتها تونس بالتوازي مع ذلك، الوزارة إلى إغلاق مساجد غير مرخص لها بلغت في الجملة 56 مسجداً.

ولكن حتى الحرب على الإرهاب لم تكن كافية لإنهاء الجدل حول عزل الأئمة، إذ جاءت الانتقادات من نقابة الشؤون الدينية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة المركزية في تونس، والتي اعتبرت قرارات العزل باطلة، لأن الوزارة اتخذتها بشكل أحادي ولم تناقش ذلك ضمن اللجنة الوطنية للإعفاءات بمعية النقابة.

وأوضح الكاتب العام للنقابة عبد السلام العطوي لـDW عربية "نشتم رائحة السياسة من خلف القرار، لكن لم نتحذ أي خطوة تصعيدية على اعتبار أن الإعفاءات لم تشمل أياً من الأئمة المنخرطين بالنقابة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل".

ومع ذلك تعتبر نقابة الاتحاد أن الإمام متاح له الخوض في الشأن العام دون أن يسقط في التحريض. بيد أن انتهاج خطاب مفرق بين الناس ينزع شرعية الإمامة عن الإمام.

وتعكس خارطة النشاط النقابي الديني، المشهد المعقد والمتداخل بين النخبة الدينية والواقع السياسي في فترة ما بعد الثورة بتونس، إذ ينظر مثلا إلى الإمام الجوادي وعدد آخر من الأئمة المعزولين على أنهم محسوبون على نقابات موالية للأحزاب الإسلامية وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية الشريك في السلطة، وهو ما منح الأزمة بعدا سياسيا بامتياز، بل أن التوظيف السياسي أصبح الآن تهمة متبادلة داخل أطراف السلطة.

من يختار الإمام؟

ويشير في هذا السياق المتحدث باسم حركة النهضة والنائب في البرلمان العجمي الوريمي في حديثه مع DW عربية إلى أن الوضع الأمثل والطبيعي في المساجد هو أن يختار المصلون الإمام الذي يؤمهم. فالديمقراطية يجب أن تعم كل القطاعات بما في ذلك المساجد، والدستور بذاته ينص على تعزيز الديمقراطية التشاركية في المناطق المحلية.

مئذنة جامع الزيتونة وباحته على لائحة التراث العالميصورة من: Tarek Guizani

ويعيب الوريمي في تحليله على الدولة افتقادها إلى سياسة دينية واضحة وإلى مدونة سلوك، الأمر الذي فسح المجال لحالات من الانفلات داخل عدد من المساجد، مشيراً إلى أن "ما يحصل الآن هو استمرار لسياسة النظام السابق القائمة على الحكم المركزي والمتعسف، وهذا الأمر يعطي انطباعا للناس بعودة السلطة إلى سياسة تجفيف المنابع".

وتثير عمليات العزل لدى هذه الأحزاب الإسلامية شبح الماضي الأليم عندما صعد رجل الأمن السابق زين العابدين إلى سدة الحكم وأطلق في بداية التسعينات حملة مركزة ضد خصومه الإسلاميين بدعوى مقاومة التطرف.

ويعلق الوريمي قائلا "يدفع التدين دائما الضريبة. الأئمة المتشددون عددهم محدود. والمعزولون ليسوا متشددين أو ضد الدولة، هم واعون بمخاطر الإرهاب".

إبعاد الدين عن التجاذب الحزبي

ويثير القيادي في النهضة وعدد آخر من منتسبي الإسلام السياسي مخاوف من أن تفضي سياسة الوزارة الحالية في عزل الأئمة ومقاومة التطرف إلى نتائج سلبية، بدعوى أن هذا الأسلوب سيمنح للتكفيريين والإرهابيين ذريعة لتبرير هجماتهم وعملياتهم تحت يافطة حماية الدين.

وتكمن المعضلة الآن في من يملك الصلاحيات القانونية والفقهية للتمييز بين الخطاب المعتدل والخطاب المتشدد والمقاييس المعتمدة لتمييز هذا عن ذاك فضلا عن إمكانية تأثير ذلك على ممارسة الحريات الدينية.

يوضح المحلل السياسي نور الدين المباركي لـDW عربية أن "سياسة الحكومة الحالية بدأت منذ تولي المهدي جمعة الحكم خلال الفترة الانتقالية قبل الانتخابات تحت عنوان الدعوة إلى الوسطية والاعتدال ردا على الهجمات الإرهابية التي تعرض لها الجنود ورجال الأمن على أيدي التكفيريين، غير أن الأزمة الحالية ليست بعيدة عن الشأن السياسي في ظل تدخل الأحزاب، وأعني بذلك حركة النهضة الإسلامية".

ويضيف المباركي أن سياسة الحكومة يجب أن تقوم أولا على تخليص الشأن الديني من التجاذب الحزبي ومراجعة خطابات الأئمة. أما القول بأحقية المصلين باختيار من يؤمهم، فيعني ذلك العودة إلى مربع الفوضى والعنف والتطرف، الذي ساد بعد الثورة في 2011 في الكثير من الفضاءات الدينية.

وفي نظر المحلل، ليس هناك علاقة بين مكافحة التشدد والتصدي إلى الفوضى من جهة، والحريات الدينية التي ترتبط أساسا بالعقيدة وممارسة الشعائر من جهة ثانية، وإن حصل شطط، فإن القضاء هو من يفترض أن يكون الفيصل وليس المساجد والشارع.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW