يتأرجح موضوع اللاجئين والإسلام بين الحضور والغياب في الحملة الانتخابية الألمانية دون السقوط في غلو الشعبوية التي طبعت الانتخابات في بلدان أوروبية أخرى كفرنسا وهولندا كما يرى رالف الغضبان، الخبير في شؤون الإسلام.
إعلان
فيما اعتبرت أحزاب المعارضة الألمانية أنّ كلاً من المستشارة أنغيلا ميركل ومنافسها على منصب المستشارية مارتن شولتس قد أخفقا في التحدث عن مواضيع جوهرية خلال المناظرة التليفزيونية الوحيدة في المعركة الانتخابية الحالية، اعتبر الأستاذ رالف غضبان* أن ليس هناك اختلافات كبيرة بين الاشتراكيين والمسيحيين الديموقراطيين لأنهم ينهجون السياسة نفسها. جاء ذلك في حوار أجرته معه DW عربية وسألته في مطلعه :
في المناظرة التلفزيونية الأخيرة التي جمعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مع منافسها الاشتراكي مارتن شولتس، أكدت المستشارة أن الإسلام يعتبر بالنسبة لها جزءا من ألمانيا "لكنه الإسلام المتوافق مع الدستور" دون أن يثير ذلك جدلا أو مزايدات انتخابية كما في الماضي كيف تفسرون ذلك؟
رالف غضبان: موضوع الإسلام حاضر/ غائب في هذه الانتخابات. غائب لأن هناك محاولات لتجنب ذكر الإسلام بالاسم، لكنه موضوع حاضر في الوقت نفسه من خلال موضوع اللاجئين، لأن غالبة اللاجئين الذين توافدوا إلى ألمانيا في السنين الأخيرة هم من المسلمين، ما طرح بدوره إشكاليات أمنية في البلاد. فحين يتحدث الفاعلون السياسيون عن الأمن في الحملة الانتخابية، فوراء ذلك يختبأ دائما موضوع الإسلام، وبالتالي فهو حاضر/ غائب بهذا لمعنى.
هل ترى اختلافا في تناول موضوع الإسلام واللاجئين بين المنافسين ميركل وشولتس وأيضا في تناول اليمين الشعبوي الذي يتقدم في استطلاعات الرأي والذي يمثله حزب "البديل من أجل ألمانيا"؟
ليس هناك اختلافات كبيرة بين الاشتراكيين والمسيحيين الديموقراطيين لأنهم ينهجون السياسة نفسها، وهم أعضاء في نفس التحالف الحكومي الحالي، وكل القرارات الكبرى تمت بالتوافق بين الطرفين.
ولابد من التذكير بأنّ النقاش حول موضوع اللاجئين تغير كلية، فرغم أن السيدة ميركل تكرر أن قرارها عام 2015 بشأن فتح الأبواب للاجئين كان صحيحا، لكنها تضيف مباشرة أن وضع 2015 لا يجب أن يتكرر مرة أخرى، وهذا اعتراف ضمني أن القرار كان خاطئا.
إن الطرفين متفقان حاليا على صد موجة الهجرة وحل المشاكل الأمنية التي نتجت عن هذا المد، إضافة إلى التأكيد على الرغبة والعزم على مكافحة الأسباب التي تدفع باللاجئين إلى المجيء إلى ألمانيا. وترجم ذلك بالمحادثات التي أجريت مع عدد من البلدان الافريقية ضمن قمة اللاجئين المصغرة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس. فقد تم الاتفاق على انشاء معسكرات للاجئين في إفريقيا نفسها، تشاد والنيجر حتى يتمكن الأفارقة من تقديم طلبات اللجوء هناك وليس في إفريقيا، وبالتالي ليس هناك أي فرق جوهري بين ميركل وشولتس بخصوص موضوع اللاجئين.
ألا ترى في عدم وجود تمايز واضح بين الطرفين سببا في حجم اليمين الشعبوي في استطلاعات الرأي ممثلا في حزب "البديل من أجل ألمانيا" والذي قد يدخل البرلمان الاتحادي لأول مرة في التاريخ؟
حزب البديل سيدخل البرلمان، لكن شعبيته لم تعد تتقدم كما في السابق، حيث كانت تصل إلى 14%، فيما لا تتعدى تلك النسبة 8% حاليا، ذلك أن السياسة المتبعة حاليا من قبل التحالف الحاكم سحبت البساط من تحت اليمين الشعبوي والذي لم يعد بإمكانه توظيف هذه القضية من أجل كسب المزيد من الأصوات الانتخابية.
أفهم من كلامك أن الحملة الانتخابية الألمانية تفادت هذه المرة، رغم دقة الظرف وصعوبته، السقوط في المزايدات الشعبوية بشأن الإسلام واللاجئين؟
إذا قارنت ذلك بالحملات الانتخابية التي جرت في بلدان أوروبية أخرى كفرنسا وهولندا، فليس هناك بعد شعبوي في الحملة الانتخابية الألمانية. ورغم أنّ السياسة المتبعة في كل البلدان الأوروبية تقوم على الحد من مد الهجرة، فإنّه يمكن القول إنها نفس السياسة في ألمانيا ولكن بشكل مهذب أكثر.
الشيء الأكيد هو أنّ اليمين المتطرف انتزعت منه الكثير من الحجج التي يكسب بها المزيد من الأصوات، وبما أن الخلاف ليس كبيرا بين برامج الأحزاب الكبرى، فقد تكون هذه فرصة لتقدم الأحزاب الصغرى كحزب اليسار أو الحزب الليبرالي، هذا الأخير تقول استطلاعات الرأي أنه قد يحصل على 8% من الأصوات وإذا تمكن من الحصول على 10% فقد يتغير المشهد السياسي بكليته، وقد ينضم إلى تحالف بزعامة حزب ميركل يبعد الاشتراكيين من الائتلاف الحاكم.
*عالم في الشؤون الاسلامية بتخصص " ظهور العصابات الاجرامية والمجتمعات الموازية" والرئيس السابق للدائرة الاستشارية لشؤون العرب في منظمة "دياكونشيس فيرك" في برلين .حاصل على شهادة دكتوراه الفلسفة من بيروت.
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.