من الصدف أن تتزامن الذكرى الـ 25 لمعاهدة أوسلو مع قرار واشنطن إغلاق البعثة الفلسطينية لديها، ما يوحي بدفن نهائي لعملية السلام، في ظل تراجع الأدوار التقليدية للمعاقل الأوروبية والعربية التي تدعم القضية الفلسطينية.
إعلان
أحداث دامية في طريق سلام أوسلو..1993-2018
02:29
يبدو أن آمال إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تعيش أحلك فتراتها، ففي وقت تحل فيه ذكرى معاهدة أوسلو، يعيش الفلسطينيون انتكاسات غير مسبوقة أبرز مظاهرها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإقفال مكتب بعثتهم الدبلوماسية في واشنطن، إضافة إلى انهيار معاقل الدعم الأساسية للقضية الفلسطينية إقليميا وعربيا. لقد انفجر الغضب الفلسطيني حينما نقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سفارة بلاده إلى القدس في ديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري، في استباق واضح لنتائج المفاوضات التي من المفترض أن تفضي إليها عملية السلام. وكانت تلك الخطوة القطرة التي أفاضت الكأس ودفعت بالقيادة الفلسطينية لمقاطعة مبادرة واشنطن بقيادة غاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه.
ورغم ذلك، فإن هناك بعض الأصوات الفلسطينية والإسرائيلية التي ما تزال تؤمن ببصيص الأمل على غرار الكاتب والمحلل الإسرائيلي تسفي باريل، صاحب عمود في صحيفة هآرتس الذي أوضح في حوار مع DW بأن الأمل ما يزال موجودا ويقول: "كمتفائل، لا أؤمن بشيء أسمه (أمر) نهائي، فعملية السلام تتوقف على (طبيعة) الحكومات، وقد تأتي حكومة إسرائيلية أخرى وتطور عملية(سلام) جديدة". وتابع " كما أن الرئيس الأمريكي قد يتغير.. وبالتالي لا يمكن اعتبار عملية السلام منتهية". أما الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري فيرى أن "القضية الفلسطينية رغم كل الأخطار التي تواجهها ما تزال حية، لأنها قضية عادلة ومتفوقة أخلاقيا. وهناك شعب فلسطيني مصمم على الدفاع عنها(..) لكن المخاطر تتزايد، خاصة في ظل سياسة ترامب وقانون القومية".
أوسلو..ذكرى للنسيان؟
هناك من يعتقد أن معاهدة أوسلو قوت شوكة المتطرفين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، اللذين فازت أفكارهما في نهاية لمطاف. وبهذا الصدد أوضح باريل أن "الإسرائيليين منقسمين إلى قسمين لا ثالث لهما. من جهة هناك اليمين واليمين المتطرف اللذان يعتبران اتفاقية أوسلو أكبر كارثة في تاريخ إسرائيل، وهؤلاء يؤيدون سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية من حيث كسر وهدم كل ما تبقى من هذه الاتفاقية. من جهة ثانية هناك معسكر اليسار الذي يعتبر أسولو شيئا ايجابيا، ولكن في القوت ذاته مجرد حدث تاريخي عابر دون تأثير يذكر".
أحداث دامية في طريق سلام أوسلو..1993-2018
02:29
This browser does not support the video element.
مشكلة معاهدة أوسلو، هو أنها أجلت الحسم في كل القضايا الخلافية كوضع القدس واللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي المحتلة التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها إضافة إلى قضية الحدود النهائية. ولم تعد المصافحة التاريخية بين إسحاق رابين وياسر عرفات إلا صورة تذكارية لحلم لم يتحقق، بعد تبدد الآمال في إحلال السلام سريعا وتحولت أوسلو إلى ذكرى لشيء لم يقع.
استسلام الفاعلين الدوليين!
بعد وصول العلاقات الأمريكية الفلسطينية إلى نقطة الصفر، تبدو معاهدة أوسلو كسراب من عهد مضى ولن يعود. وبهذا الصدد، يعتبر هاني المصري في حواره معDW أن "الإدارة الأمريكية انتقلت من الانحياز لإسرائيل إلى الشراكة مع اليمين الإسرائيلي". واعتبر أن هذا الأمر ترك فراغا "يتعين على أوروبا ملئه، كما الصين وروسيا وبلدان أخرى (..) وإن لم يحدث ذلك فإن اليد العليا ستكون للقوى والأفكار المتطرفة". أما باريل فيعتبر أن "الاتحاد الأوروبي يملك نظريا القوة للضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل مستقل عن السياسة الأمريكية"، إلا أنه يستغرب من كون أعضاء الاتحاد لم يظهروا حتى الآن أي نية للتدخل في القضية..حتى "في القضايا الجزئية مثل هدم البيوت أو دعم قطاع غزة بالمساعدات".
اليوبيل الفضي لأوسلو.. صنّاع السلام و"معارضوه"
في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، وقف عدوا الأمس وجهاً لوجه، مد ياسر عرفات يده إلى إسحاق رابين ولكن الأخير تردد للحظة قبل أن يمد يده في مصافحة تاريخية. جولة مصورة للإضاءة على أبرز وجوه عملية السلام و"خصومها".
صورة من: picture-alliance/ZumaPress
ياسر عرفات
بالرغم من تبنيه وقيادته للخيار المسلح، أطلق ياسر عرفات (1929-2004) ومنذ بداية السبعينات عدة إشارات وركز في خطاباته على رغبته في السلام، أشهره خطابه في الأمم المتحدة عام 1974. كان الهدف من أولى اتفاقيات أوسلو التوصل إلى اتفاق سلام دائم خلال خمسة أعوام يفضي إلى إقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب. وتقديراً لجهوده في إحلال السلام نال عرفات (أبو عمار) مع إسحاق رابين وشمعون بيريز جائزة نوبل للسلام.
صورة من: AFP/Getty Images/J. David Ake
إسحاق رابين
بدأ إسحاق رابين (1922-1995) حياته في المجال العسكري قبل أن يتجه إلى العمل السياسي متقلداً عدة مناصب سياسية رفيعة أبرزها رئاسة الوزراء. قبل توقيع اتفاقية أوسلو اعترف رابين بمنظمة التحرير باعتبارها "الممثل" للشعب الفلسطيني. وفي أحدى أمسيات تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1995 لقي رابين مصرعه على يد متشدد يميني معاد للسلام في ختام فعالية تحت شعار "نعم للسلام، لا للعنف" (صورة لرابين قبل دقائق من الاغتيال).
صورة من: picture-alliance/AP Photo/N. Harnik
محمود عباس
لعب محمود عباس (أبو مازن)، المولود في عام 1935، دوراً بارزاً في إتفاقية أوسلو عام 1993. وبصفته أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقع الاتفاق المذكور. بعد ذلك لعب دوراً محورياً في التفاهمات والبروتوكولات التالية كاتفاق غزة وأريحا وبرتوكول باريس الاقتصادي. وبعد رحيل عرفات ترأس عباس السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير. (عباس في أقصى اليمين)
صورة من: picture-alliance/Zumapress/M. Reinstein
شمعون بيريز
منذ تأسيس إسرائيل وحتى رحيله بقي بيريز (1923-2016) رقماً يصعب تجاوزه: وزيراً للدفاع، ورئيساً للوزراء، ورئيساً للدولة وغيرها من المناصب الرفيعة. ووقع بصفته وزيراً للخارجية اتفاقية أوسلو إلى جانب محمود عباس. "السلام يشبه الحب إلى حد بعيد. إنه عملية رومانسية يجب أن تُعاش ويُستثمر فيها ويوثق بها. كما أننا لا يمكننا فرض الحب، وكذلك لا يمكننا فرض السلام"، يوضح بيريز رؤيته. (حفل منح جائزة نوبل للسلام)
صورة من: picture-alliance/dpa/Israeli Government Press Office
أحمد قريع
انخرط أحمد قريع، المولود عام 1937، في منظمة التحرير منذ نهاية ستينات القرن الماضي. ينعت بأنه "مهندس أوسلو" على الجانب الفلسطيني. وبعد الاتفاق لعب دوراً محورياً في كل محطات عملية السلام: بروتوكول باريس الاقتصادي، واتفاقية أوسلو الثانية، مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، ومفاوضات طابا عام 2001، ومؤتمر أنابوليس للسلام عام 2007. (قريع مع وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي).
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani
بيل كلينتون
ما كان لإتفاق أوسلو وما تلاه أن يرى النور لولا جهود الرئيس الأمريكي الأسبق (1993- 2001) بيل كلينتون. وقد وصف الكثير من المراقبين كلينتون بأنه أكثر رئيس أمريكي كرس جهده لعملية السلام. وقد رعى أيضاً مفاوضات السلام بين إسرائيل وكل من الأردن وسوريا ولبنان. (في الصورة الملك الراحل حسين ورابين عند الإعلان عن توقيع إعلان واشنطن في تموز/يوليو 1994، والذي سبق اتفاقية وادي عربة).
صورة من: picture-alliance/AP Photo/G. Gibson
تيري رود لارسن
بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 جرت سلسلة طويلة من المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف لأشهر في دول عديدة، بدون تحقيق تقدم فعلي، إلى أن فتحت بدون علم أحد، محادثات سرية في أوسلو بعيداً عن آلية مدريد الشاقة. واستضافت النرويج بين كانون الثاني/ يناير وآب/ أغسطس من عام 1993 ليس أقل من 14 اجتماعاً سرياً. وكان المحرك الرئيسي الأكاديمي والدبلوماسي النرويجي تيري رود لارسن.
صورة من: picture-alliance/dpa/Hussein
بنيامين نتيناهو
تولى بنيامين نتانياهو، المولود عام 1949، رئاسة الوزراء للمرة الأولى في 1996 في انتخابات حصل خلالها على دعم كبير من معارضي أوسلو. ومؤخراً قال نتيناهو إن أي دولة فلسطينية في المستقبل ينبغي أن تكون منزوعة السلاح وأن تعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وهي شروط يقول الفلسطينيون إنها تظهر أنه ليس جاداً في مساعي إحلال
السلام.
صورة من: picture-alliance/COLORplus/P. Guyot
حماس والجهاد وفصائل فلسطينية
منذ الإعلان عن ولادة اتفاقية أوسلو أعلنت حركة حماس وبالمثل الجهاد الإسلامي وعدة فصائل فلسطينية أخرى معارضتها للاتفاقية. وبالأمس (12 أيلول/ سبتمبر 2018) ومن قطاع غزة الذي تحكمه حماس منذ عام 2007 بعد عامين من انسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين، قال أحد قادة الحركة وهو محمود الزهار إن اتفاق أوسلو لم يكن معاهدة للسلام لكنه كان "استسلاماً بنسبة مئة في المئة" بالنسبة للفلسطينيين.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Hams
اليمين الإسرائيلي
اليوم وكما كان عليه الحال قبل ربع قرن يعارض جزء من المجتمع الإسرائيلي أسس وما تمخضت عنه عملية السلام. وأظهر استطلاع أجراه معهد الديموقراطية الإسرائيلي وجامعة تل أبيب في آب/ أغسطس أن 47% من المشاركين يفضلون حلّ الدولتين فيما يعارضه 46%. وقبل شهور نقلت صحيفة جروزليم بوست عن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قوله إن السلام في الشرق الأوسط "سيأتي مع مجيء المسيح" (اليهودي).
صورة من: Gali Tibbon/AFP/Getty Images
دونالد ترامب
في بداية 2017 قال الرئيس الأمريكي ترامب إن "حل الدولتين" ليس الطريق الوحيد لتحقيق السلام. وفي بداية العام الجاري نقلت واشنطن سفارتها إلى القدس وبعد ذلك أوقفت تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقررت أخيرا إغلاق بعثة منظمة التحرير في واشنطن بعد 25 عاماً على استقبال عرفات بكل مراسم الشرف في البيت الأبيض. إعداد: خالد سلامة
صورة من: Getty Images/AFP/R. Zvulun
11 صورة1 | 11
وينسحب نفس الوضع على المراكز التقليدية الداعمة للقضية الفلسطينية، فدول الخليج نسجت تحالفا غير معهود مع الدولة العبرية، فيما لا تزال العديد من البلدان الأخرى لم تنهض بعد من ارتجاجات "الربيع العربي". وبهذا الصدد يرى باريل أن "جوهر التأثير العربي في القضية الفلسطينية تغير بشكل لا رجعة فيه، فمصر والأردن تريدان الهدوء على حدودهما، فيما لم تعد السعودية تهتم بالقضية بتاتا. أما الفلسطينيون فيوجدون حاليا على حافة الهاوية من الناحية السياسية، وحلفائهم التقليديون عندهم مشاكل في سوريا واليمن وإيران". ويعترف هاني المصري من جانبه بأن "عملية السلام ماتت عمليا وتنتظر الدفن" إلا أنه يرى أنه إذا كان "الدور العربي تغير إلا أنه لم ينتهي، والدليل على ذلك القمة العربية التي عقدت في السعودية تبنت وأيدت الموقف الفلسطيني الرافض لنقل السفارة الأمريكية للقدس".
يوسي بيلين المفاوض الإسرائيلي خلال محادثات أوسلو يعتبر أن معالم الاتفاق النهائي واضحة، وأن الحل يرتبط بالشخصيات السياسية القادرة على بلورته. وهذا ما ذهب باريل بدوره حين أكد أن "العملية تتوقف على شخصيات الزعماء وليس على فكرة عامة مجردة". وبالتالي فإن دينامية جديدة يمكن أن تنطلق من جديد في حال وصول زعماء شجعان إلى السلطة لدى الأمريكيين والإسرائيليين ولكن أيضا لدى الطرف الفلسطيني.