ربيع الثورات العربية يرفع حرارة صيف الاحتجاجات في اسرائيل
٧ أغسطس ٢٠١١بعد مرور شهر على اندلاع "حرب الجبن الابيض" في أكبر حركة احتجاج اجتماعية – اقتصادية تشهدها إسرائيل منذ أربعة عقود، والتي دفعت منتجي الألبان من أصحاب الكارتلات إلى الرضوخ لمطالب الجمهور وتخفيض سعر الجبن. واضطرت الحكومة إلى الاستجابة لمطالب المحتجين بمراقبة أسعار منتجات الألبان وفتح سوق الاستيراد أمام المنافسة لتخفيض أسعار مشتقات الحليب.
واكتسب هذا النجاح زخما فانطلقت شرارة الاحتجاج على غلاء المعيشة وتكاليف السكن في عشر مدن من الشمال الى الجنوب تمثلت في حشود قدرت بـ 160 ألف يوم السبت (30 تموزر/ يوليو) ورفعت في جادة روتشيلد في تل أبيب شعارات تطالب بتحقيق "العدالة الاجتماعية لا الإحسان" وتندد بالقوى الاحتكارية وغلاء المعيشة. وطالب الشباب بتوفير السكن بأسعار معقولة وخفض رسوم دور الحضانة. وانضمت لموجة الاحتجاجات العارمة عدد من القرى والبلدات العربية والدرزية أيضاً.
وبعد ثلاثة أسابيع من بدايتها تصاعدت حركة الاحتجاج السبت (6 أغسطس/ آب) بخروج أكثر من 300 ألف متظاهر إلى الشوارع في تل أبيب ومدن أخرى في مظاهرة وصفتها الشرطة ووسائل الإعلام المحلية بأنها من أضخم الاحتجاجات في تاريخ إسرائيل.
ولقيت حركة الاحتجاج صدى ايجابياً لدى مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي بأطيافه اليمينية المتدنية ويساره العلماني، عربا ويهودا. واعتبرها الجمهور حركة نظيفة صادقة التطلعات، تعبر عن أزمة حقيقية. وكشفت قناة التلفزيون الثانية إن الشعارات السياسية ضد نتنياهو التي رفعت في مدينة الخيام في تل أبيب تحمل بصمات حزب كديما المعارض. ولدى زيارته للموقع، صرح سلفان شالوم نائب رئيس الحكومة :"بان الحكومة تواجه معضلة لان هذه الحراك الاجتماعي الصادق في مطالبه هو الوجه المعكوس للانجازات الأمنية التي حققتها الحكومة، مما يفسح المجال أمام المشاكل الاجتماعية لتطفو على السطح".
هذا وقد كلف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لجنة وزارية برئاسة وزير المالية للتفاوض مع مندوبي المتظاهرين من طلاب والأزواج الشباب والهستدروت (نقابة العمال) وبمشاركة صناعيين وخبراء اقتصاد لرفع توصيات حول كيفية حل مشاكل السكن والعبء الضريبي وغلاء المعيشة وتذليل البيروقراطية وتطوير سياسة الاسكان.
وغداة هذه المظاهرة الأخيرة (06 اغسطس/ آب) أعلن نتنياهو في اجتماع الحكومة الأسبوعي تعيين لجنة من الخبراء لاقتراح إصلاحات اجتماعية واقتصادية. وقال "شهدنا على مدى الأسابيع الماضية احتجاجا جماهيريا يعبر عن مصاعب حقيقية". وكشف عن أن اللجنة التي يرأسها الخبير الاقتصادي الإسرائيلي مانويل ترايتنبرج ستجري "حوارا واسعا مع مختلف قطاعات المجتمع".
اقتصاد حر ومواطن مقيد
لا شك أن سحق القوة الشرائية للمستهلك من الطبقة الوسطى يعود الى انتقال النظام الاقتصادي إلى الرأسمالية وتبني قواعد حرية السوق، التي تستند على موازنة الأسعار خلال العرض والطلب من دون تدخل الدولة. هذا التحول انعكس سلبياً على الطبقة الوسطى التي تساهم بـ 50% من مجمل العوائد الضريبية. وتنصلت الحكومات المتعاقبة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من مسؤوليتها في مجال الخدمات الطبية والتعليمة والرفاه الاجتماعي، مقابل خصخصة مجالات عديدة اقتناها الأغنياء لتحقيق أرباح كبيرة. وهكذا يجد المستهلك نفسه غير قادر على تدبير معيشته عندما لا يزداد دخله.
وفي جولة قامت بها دويتشة فيله في مواقع الخيام في ضواحي مدينة القدس التقينا امنون تسور (49عاما) وله 8 أولاد جميعهم معتصمون في حدائق ساكر في القدس، ويتولى إدارة الموقع والحديث مع الصحفيين. حدثنا امنون عن وضعه وتطلعاته، فقال: "أنا سائق تكسي وما أكسبه لا يمكن أن يغطي مصاريف التعليم الذي لم يعد مجانا، وأسعار الإيجار عالية وعلى الحكومة أن تجد حلا للسكن الشعبي. وشعوري كمواطن هو أن الدولة لم تعد تهتم بي".
والمفارقة هي أن الاقتصاد الإسرائيلي شهد، نموا في السنوات الأخيرة قطفت ثماره الطبقة الغنية بالدرجة الأولى، مما زاد الهوة بين الأغنياء والفقراء.
ويستدل من دراسة لمركز تاوب للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية، أن الهوة في الدخل بين الأغنياء والفقراء قد ازدادت بشكل ملحوظ إذ ارتفعت من 50% الى 90% في العقود الأربعة الأخيرة. ويعزو التقرير السبب الرئيسي في هذه التطورات السلبية إلى انخفاض مستوى التعليم لدى أغلبية الطلاب إلى مستوى التعليم في دول العالم الثالث، الأمر الذي افقد إسرائيل المساواة التي كان يتمتع بها الشعب.
تأثير الربيع العربي على المجتمع الاسرائيلي
هذا ويتعاطف الاسرائيليون ويتفاعلون مع مشاهد الربيع العربي وتجمع المحتجين في الساحات، ويستلهمون من إرادة وعزيمة الشعوب العربية، على الرغم من أنهم يعيشون في ظل نظام ديمقراطي ويتمتعون بحريات كبيرة وظروفهم مختلفة.
ويُلاحظ أن العديد من أعضاء الكنيست توجهوا إلى مدينة الخيام لإبداء تعاطفهم مع المعتصمين الذين رفضوا استقبال بعضهم. وتقاطعت الاحتجاجات ضد مشكلة السكن مع نية نتنياهو تمرير مشروع إصلاحات لتذليل البيروقراطية في لجان السكن وتحرير المزيد من أراضي الدولة للقطاع الخاص. وتم تمرير مشروع القانون في الكنيست بسرعة، وسط إدانات شعبية لأنه لم يلب مطالب المحتجين، بينما وصفت وسائل الإعلام خطة الإصلاح بأنها فاشلة ولن تؤت بثمارها في الأمد القريب، بل قد تتسبب في تفاقم الأزمة.
وقد حرصت وسائل الاعلام على تواجد مراسليها في مكان الحدث على مدار الساعة تحسبا لأي طارئ. وجاءت تغطية الاحتجاجات والاعتصامات ببث مباشر بشكل لم يسبق له مثيل، حتى إن البعض أشار إلى نوايا خفية لإسقاط الحكومة وهو ادعاء يقول مراقبون أنه غير صحيح ومجرد إشاعات.
ويعزو عدد من الخبراء المشكلة الاقتصادية إلى طبيعة النظام السياسي القائم على ائتلاف حكومي فيه أحزاب صغيرة تبتز الحكومة. وحسب هؤلاء فإن السياسي مجبر على اتخاذ قرارات تستهدف الاسترضاء بدلا من تقييم موضوعي لسلم الأوليات في الميزانية.
تجدر الاشارة إلى أن مجموعة على الفيس بوك تدعو إلى التظاهر في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر المقبل بغية تغيير طريقة الانتخابات.
ويقول فريدريش هيغل إن التاريخ اثبت أن الثورات الكبيرة سبقتها ثورات هادئة بعيدة عن الأنظار ومتجانسة مع روح العصر. وبينما يعكف منظمو الاحتجاجات على بلورة ورقة عمل تجمل مطالب الجميع للتفاوض حولها مع الحكومة، لا تزال أسئلة عديدة تحوم حول مستقبل الصيف الساخن، ترى هل نحن بصدد ثورة كبيرة؟
ليندا منوحين عبد العزيز- تل أبيب
مراجعة: عارف جابو