1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رحيل ملك "الوتار" وسؤال الإشعاع الباهت للفن المغاربي في المشرق

١٩ يناير ٢٠١٢

خلف رحيل محمد رويشة أحد رواد الفن الامازيغي ويعرف بلقب ملك "الوتار" في المغرب، موجة من التساؤلات حول الحضور الباهت للفن المغربي في المشرق العربي. التساؤلات طالت ايضا التهميش الذي يتعرض له فنانون مغاربة في بلدهم.

أغنية "إناس إناس" لمحمد رويشة استمع اليها أكثر من مليون شخص على موقع يوتوبصورة من: youtube.com

شيع آلاف المغاربة مساء الاربعاء بمدينة خنيفرة الواقعة في منطقة الاطلس المتوسط، جنازة الفنان الشعبي المحبوب محمد رويشة، وتلقى المغاربة نبأ وفاته بحزن بالغ، وتبادل مستخدمو الموقع الاجتماعي فيسبوك والمدون في المغرب عبارات الأسى لفقدانه وآلاف المقاطع من أغانيه ومعزوفاته الخالدة، وخصوصا "إناس إناس" التي سمعها أكثر من مليون شخص على موقع يوتوب. وتعني عبارة"إناس إناس" الأمايزيغية، بالغة العربية"قل له".

ويعتبر رويشة رائد الأغنية الأمازيغية المغربية أو ملك " الوتار"كما يلقب، والوتارهي آلة موسيقية مغربية تشبه العود. ورغم انتشار خبر الوفاة عبر الشبكات الاجتماعية- فيسبوك وتويتر- ووسائل الإعلام المحلية. يظل الخبر محليا رغم أن رويشة يعتبر رمزا من رموز الأغنية المغربية. وقد كان محمد رويشة أول الموسيقيين المغاربة الذين حضوا بإقبال جماهيري كبير في المغرب. هذا ما يشهد عليه مسرح محمد الخامس الذي امتلأ لأول مرة عن آخره في عرض موسيقي سنة 1980، الشيء الذي لم يحققه قبله سوى عمالقة الطرب العربي مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ. ولكن إذا سألت: "من هو محمد رويشة؟" في باقي البلدان العربية الأخرى فمن النادر أن تجد شخصا يعرفه، في حين إذا سألت المغاربة أو التونسيين عن من هو راغب علامة أو أصالة نصري أو فريد الأطرش فسيصعب عليك إيجاد شخص لا يعرف هذه الأسماء.

نجم ساطع في المغرب، آفل في المشرق

مستخدمو فيسبوك في المغرب ينعون مغنيهم المحبوب ملك "الوتار"صورة من: facebook.com

محمد رويشة أو فريد الأطلس كما يسميه البعض اشتهر بالموسيقى الحزينة والمؤثرة التي تنبعث نغماتها من حبال آلة "الوتار" التي بدأ العزف عليها وسط جبال الأطلس منذ نعومة أظافره. وترك محمد رويشة ريبرتوارا من الأغاني والروائع الموسيقية من بينها رائعة "إناس إناس".

ولكن كل هذا لم يكن كافيا ليجعل منه نجما مشهورا في العالم العربي بأسره، شأنه شأن العديد من الفنانين والموسيقيين من المنطقة المغاربية. على عكس ذلك، فإن خبر وفاة موسيقي مشرقي كان سيكون له وقع وصدى إعلامي أكبر في العالم العربي بأسره، في حين يبقى "رويشة" نجما محليا، مجهولا عربيا. ومن المفارقات أن رويشة صرح أخيرا ضمن برنامج بثه التلفزيون المغربي، أنه مستاء من الإهمال الذي يتعرض له فنانون مغاربة مقابل مبالغة في الحظوة التي يلقاها فنانون أجانب في بلاده.

فما الذي يجعل من الموسيقى المشرقية، إضافة إلى الموسيقى الخليجية في الآونة الأخيرة، تتربعان على عرش الموسيقى العربية؟ في حين تعجز الموسيقى المغاربية عن تسجيل حضور مشابه لنظيرتها المشرقية؟

الموسيقى المغاربية" يغلب عليها الطابع المحلي"

فرقة موسيقية شعبية مغربية"غناوة"في مهرجان الصويرة العالميصورة من: AP

وردا على هذا السؤال يقول الكاتب والناقد الموسيقي اللبناني الياس سحاب أن سبب عدم انتشار الأغنية المغاربية هو تشبثها بالطابع المحلي، في حين أن الألوان الموسيقية العربية الأخرى تجاوزت هذه المحلية "لتصبح ألوانا كلاسيكية عربية بالدرجة الأولى". ويقول الياس سحاب:" روائع مطرب العالم العربي محمد عبد الوهاب أو سيدة الطرب أم كلثوم، تتسم بشموليتها وجماليتها ونقاء شعرها. وهذا هو ما جعلها تلقى صدا كبيرا في العالم العربي بأسره." هذا ما ينطبق أيضا على المطربين المشرقيين، الذين استطاعوا تجاوز الألوان المحلية الخالصة. وهذا ما يعتبره سحاب أمرا طبيعيا وليس مفتعلا. هذا بالنسبة للموسيقى العربية الكلاسيكية الأصيلة.

أما في ما يخص الموسيقى العصرية أو ما يطلق عليها بالشبابية، فيرى سحاب أنها موسيقى استهلاكية بالدرجة الأولى تطغى عليها الفيديو كليبات، الخالية من البعد الثقافي والأدبي والتربوي. وهذا ما يشاطره أيضا الشاعر والباحث المغربي حسن نجمي، الذي يلاحظ، "غياب أصوات حقيقية وموسيقيين صارمين في النصوص ونوعية الموسيقى في الزمن الحاضر". وهو يستحضر "خميس أم كلثوم"، الذي كان العالم العربي بأسره ينتظره، وكان الناس يلتصقون بالراديو من أجل سماع هذه الروائع. في حين يرى نجمي: "الموسيقى المعاصرة في غالبيتها تشبه وصلة إشهاري" ، فهي تبقى في نظره عبارة عن موسيقى عابرة، لها صلاحية محدودة ولا تساهم في التكوين الثقافي والأدبي.

سوء التواصل الثقافية بين البلدان العربية

وبرأي حسن نجمي فان بعض الأسماء المغاربية كان لها أيضا حضور قوي، بل وإن حضورها في بعض الفترات كان أكبر من مثيلاتها في المشرق العربي. وهو يستحضر في هذا الباب أسماء بارزة مثل وردة الجزائرية و ذكرى التونسية والمغربية سميرة بنسعيد، التي غيرت اسمها بعد استقرارها النهائي فى مصر سنة 1978، لتصبح بعد ذلك سميرة سعيد. وكلها أسماء تركت بصماتها على الأغنية العربية. ولكن الغريب في الأمر يبقى هو أن هذه الأسماء لم تحظ بالشهرة والتقدير إلا بعد مغادرتها لأوطانها الأصلية وغنائها باللهجة المشرقية أو المصرية على الخصوص.

سيدة الطرب العربي أم كلثوم

وهذا ما يرجعه حسن نجمي بالأساس إلى غياب الدعم المادي والمعنوي للأغنية المغاربية في البلدان المغرب العربي:" لابد على الدول المغاربية أن تغير من إستراتيجيتها الثقافية من خلال تشجيع بنية الاستثمار في الحقل الثقافي."وهو لا يترقب أي تحول في الجغرافية الغنائية على المستوى القريب. هذا يعني أن الهيمنة المشرقية ستبقى حاضرة. ومن جهة أخرى يعتبر الناقد الموسيقي اللبناني إلياس سحاب أن" طغيان الأغنية المصرية واللبنانية نسبيا" راجع أيضا إلى سوء التواصل الثقافي بين البلدان العربية. ولكنه على ثقة بأن الفنانيين المغاربيين قادريين على الالتحاق بـ"الركب العربي"، شريطة تجاوز الجانب المحلي. فعلى الرغم من أن الناقد اللبناني يجد نفسا مفتونا بالموسيقى المغاربية ،إلا أنه يطالب فناني المغرب بالمزيد من الانفتاح على العالم العربي:" لا يجب التخلي عن الموسيقى المحلية، بل هي بمثابة أساس يمكن البناء عليه من أجل المضي قدما." كما يدعو الناقد اللبناني إلى ما يطلق عليه "نهضة حضارية في العالم العربي بأكمله من أجل محاربة الموسيقى الهابطة أو الاستهلاكية" عل حد تعبيره.

"اللهجة المغاربية ليست هي العائق"

الكاتب والباحت المغربي حسن نجمي: "غياب الدعم المالي سبب أساسي لعدم انتشار الأغنية المغاربية"صورة من: DW

أما فيما يتعلق بإمكانية أن تكون اللهجة المغربية هي سبب الانحصار الموسيقي المغاربي، يعتقد حسن نجمي أن الأمر ثانوي وغير وارد على الإطلاق. فمشكل اختلاف اللهجة يمكن تجاوزه بسهولة. "اللهجة هي أداة فقط وليس مشكلا أساسيا". فاللهجتان المصرية والشامية هما بالفعل الأكثر انتشارا في العالم العربي، وذلك عن طريق الأفلام والمسلسلات المدبلجة،" إلا أنها تبقى مسألة نسبية وليس خيارا إيديولوجيا". فالأمر يتعلق بالأساس بالسوق الغنائية وشركات الإنتاج المشرفة، والتي يتواجد أغلبها في المشرق. الشيء الذي صار ينطبق أيضا على الأغنية الخليجية، التي تلقى دعما ماديا كبيرا وصارت مطلوبة ومسموعة في العالم العربي. ولعل موسيقى"الراي" التي أصبح لها صدى عالميا خير دليل على ذلك، حيث أن اللهجة لم تكن عائقا انتشار هذا النوع الموسيقي المغاربي الشعبي. أستحضر على سبيل المثال نجوما تجاوزوا العالم العربي وأصبحت لهم شهرة عالمية كالشاب خالد و الشاب مامي الذين طبعوا الموسيقى العالمية بنغماتهم الموسيقية.

أمين بنضريف

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW