شكوك دولية بنزاهة محاكمة قتلة خاشقجي ورفض لأحكام الإعدام
٢٣ ديسمبر ٢٠١٩
بعد صدور أحكام بإعدام خمسة متورطين في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في السعودية، شككت منظمات دولية وشخصيات سياسية من مختلف مشارب السياسة بنزاهة المحاكمات التي جرت لمتهمين مفترضين وبعدالة الأحكام الصادرة عنها.
إعلان
مسائيةDW: انتقادات حقوقية للقضاء السعودي بعد أحكام قضية خاشقجي
25:32
اتفق كثير من ردود الفعل الدولية على أن الأحكام التي صدرت، اليوم الاثنين (23 كانون أول/ديسمبر)، في السعودية في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي "غير عادلة" وأن المحاكمات التي جرت بغياب الرأي العام المحلي والدولي لم تكن نزيهة ولم تحقق العدالة المرجوة.
إذ وصفت أنييس كالامار، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، في حديث مع DW، محاكمة السعودية لقتلة الصحفي المعارض جمال خاشقجي بـ"المهزلة". وعبرت عن سخطها لما جرى، لأنه "تمت إدانة القتلة المأجورين وحُكم عليهم بالإعدام. أما العقول المدبرة فلم يتم فقط تبرئتهم، وإنما أيضا لم تكد التحقيقات أو المحاكمة تقترب منهم. هذا هو النقيض للعدل. إنها المهزلة".
وقالت كالامار، التي سبق أن حققت في مقتل خاشقجي، إن "الحصانة التي شهدتها محاكمة الصحفي تكشف بوجه عام القمع السياسي والفساد والتعسف في استخدام السلطة والدعاية وحتى التواطؤ الدولي. كلها موجودة في المملكة العربية السعودية". ولفتت إلى أنه كان من المفترض أن تجرى تحقيقات لكشف العقول المدبرة "وكذلك من حرضوا وسمحوا وغضوا الطرف عن الجريمة، مثل ولي العهد"، في إشارة إلى الأمير محمد بن سلمان. تابعت المقررة الخاصة بالأمم المتحدة: "الاعتقاد بأن القتلة قرروا من تلقاء أنفسهم تقطيع الجسد (جثة خاشقجي" أمر مضحك، تشويه الجثة يتطلب حدا أدنى من التخطيط"، مضيفة أن هناك دلائل على أن الجريمة قد خطط لها مبكرا.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، إن القرار الصادر عن القضاء السعودي في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي بعيد عن تلبية التطلعات. وأكد المتحدث "أن بقاء تفاصيل مهمة في طي الكتمان مثل مصير جثمان المرحوم خاشقجي، وتحديد المحرضين على قتله والمتعاونين المحليين إن وجدوا، هو قصور أساسي في تجلّي العدالة ومبدأ المساءلة"، بحسب وكالة الأناضول للأنباء التركية الرسمية.
وأضاف أن "القرار الصادر عن المحكمة المعنية في السعودية فيما يتعلق بقضية مقتل جمال خاشقجي، أبعد ما يكون عن تلبية تطلعات بلادنا والمجتمع الدولي لتسليط الضوء على جميع جوانب هذه الجريمة وتجلّي العدالة". وشدد أن الكشف عن الجريمة التي ارتكبت في الأراضي التركية وتحديد ومعاقبة المسؤولين والمحرضين عليها، ليست مسؤولية قانونية فحسب؛ بل مسؤولية وجدانية في الوقت نفسه.
لكن ابن جمال خاشقجي، صلاح خاشقجي، وجد في الأحكام "إنصافا له ولعائلته"، كما جاء ذلك في تغريدة له بعد صدور الأحكام. وقال نجل الصحفي السعودي القتيل إن الحكم الذي أصدره النائب العام السعودي اليوم في قضية مقتل والده أنصف العائلة وحقق العدالة. وأضاف على تويتر "اليوم القضاء أنصفنا نحن أبناء المرحوم، بإذن الله جمال خاشقجي. ونؤكد ثقتنا في القضاء السعودي بكافة مستوياته وقيامه بإنصافنا وتحقيق العدالة".
من جانبها، رأت لين معلوف، مديرة مكتب الشرق الأوسط لمنظمة العفو الدولية، أن "هذا الحكم تجميل لا يعود بالعدالة على جمال خاشقجي وذويه، ولا يكشف الحقيقة". وقالت معلوف إن الاطلاع على القضية لم يكن ممكنا. وحسب المنظمة، فإن مكان بقايا جثة خاشقجي غير معروف حتى الآن، وما إذا كان قد تم تسليم هذه البقايا لعائلته. وطالبت معلوف بـ "تحقيق دولي مستقل وغير متحيز" في القضية.
على صعيد متصل، طالب وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، السعودية بأن تحاسب جميع المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة، وقال إنه يجب عدم السماح بوقوع مثل هذه الجريمة الوحشية مرة أخرى، مؤكدا في الوقت ذاته على رفض عقوبة الإعدام مبدئيا.
وفي ألمانيا ناشد المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، نيلز شميت، الحكومة السعودية عدم تنفيذ أحكام الإعدام، ".. وإلا تولد انطباعا بأن هناك رغبة في التخلص من معلومات غير محبوبة للجريمة المقززة". وتحدثت غيده ينزن، رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني، عن "محاكمة صورية"، وقالت: "يبدو أن الرياض أرادت إنهاء المحاكمة بسرعة بدلا من الكشف عن جريمة التكليف بالقتل بشكل شفاف". ورأت ينزن أنه "لا يمكن تصور" انعقاد قمة مجموعة الدول العشرين المقررة العام المقبل في السعودية في ظل هذه الظروف.
أما الإدارة الأمريكية فقد وجدت في الأحكام الصادرة "خطوة مهمة" لمحاسبة كل المسؤولين عن الجريمة. وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية اليوم الاثنين إن الولايات المتحدة تعتبر أن الحكم الذي أصدرته السعودية بإعدام خمسة أشخاص وسجن ثلاثة آخرين في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي "خطوة مهمة" لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "هذه خطوة مهمة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة المروعة، ونشجع السعودية على مواصلة عملية قضائية تتسم بالنزاهة والشفافية"، حسب تعبيره.
ح.ع.ح/ف.ي (د.ب.أ، رويترز)
هؤلاء حاصرتهم قضية مقتل خاشقجي وأحرجتهم أمام الرأي العام
شخصيات كثيرة عبر العالم ترغب في نهاية قضية خاشقجي بأسرع وقت نظراً لكمّ الإحراج الذي تتعرض له، لكن مع كلّ تسريب جديد تعود القصة للحياة من جديد. من هم هؤلاء الذين حاصرتهم القضية؟
محمد بن سلمان
هيأ ولي العهد السعودي كلّ شيء لأجل قيادة السعودية خلفاً لوالده، ورغم ثقل الملّفات المتهم بتورطه بها، كحرب اليمن وحملة الاعتقالات الواسعة، إلّا أن اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده وضع الأمير الشاب في مرمى الانتقادات، خاصة مع تسريبات السي أي إيه التي استنتجت أن العملية جرت بموافقته. ولا تستبعد عدة تقارير إعلامية، إقدام القصر السعودي، في حال اشتداد الضغوط عليه، على عزل ولي العهد من منصبه.
صورة من: picture-alliance/AP/A. Nabil
عادل الجبير
اختفى الجبير تماماً في قضية خاشقجي، رغم أن الأمر يتعلّق بقنصلية هو المسؤول عنها سياسياً. تعوّد المتتبع على كثرة تصريحات وزير الخارجية الشاب في دفاعه عن القصر الملكي، لكن صمته أعطى رسالة بوجود أوامر عليا بضرورة تجنب التعليق في قضية خاشقجي. أول تصريح من الجبير في القضية كان: "القيادة السعودية خط أحمر"، ويبدو أن الرجل يحسب ألف مرة قبل الإدلاء بأيّ كلمة كي لا يجد نفسه في دائرة الإعفاء أو المحاسبة.
صورة من: Reuters/W. Kurniawan
بلاط بن سلمان
رغم كل ما قدمه المستشار سعود القحطاني، من قيادته لأدوات الدعاية الإلكترونية وردوده "العدائية" على خصوم ولي العهد، ورغم اضطلاع أحمد العسيري بمهام التواصل في حرب اليمن ثم انتقاله للمخابرات بناءً على رغبة بن سلمان، إلّا أنهما كانا في الصفوف الأولى لمن تمت التضحية بهم في قضية خاشقجي. غير أن حظهما العاثر جعل تنحيتهما من منصبيهما غير ذات قيمة، فتداعيات القضية لم تتوقف.
صورة من: Getty Images/AFP/F.Nureldine
الإعلام السعودي
أسئلة كثيرة تُطرح حول طريقة تعامل وسائل الإعلام السعودي مع القضية. تماهت أولا مع الإنكار الرسمي، وحمّلت المسؤولية لإيران وقطر والإخوان، ولما بدأت السعودية الاعتراف بوقوع الجريمة، بذل الإعلام ذاته جهدا كبيرا لمحاولة إقناع الرأي العام برواية شكّك فيها الكثيرون، في وقت استغل فيه الإعلام القطري القضية لـ"تصفية" حسابات بلاده مع الرياض. (في الصورة وليد إبراهيم مالك مجموعة إم بي سي).
صورة من: picture-alliance/abaca/Balkis Press
عبد الرحمن السديس
يعرف المسلمون خطيب المسجد الحرام في مكة بصوته المنتشر في أشرطة قراءة القرآن، لكنهم فوجؤوا به يقرأ خطباً سياسيةً تدافع عن ولي العهد بشكل غير مسبوق. وجد السديس تفسيراً لقضية خاشقجي بالقول إن هناك محاولة لاستفزاز مشاعر مليون مسلم، لكن ليس السديس لوحده في هذا السياق، فالمؤسسة الدينية السعودية برمتها تدافع عن سياسات القصر، وعبّرت على الدوام عن مواقف لصالح حكام البلاد.
صورة من: picture-alliance/AP Images/M. Elshamy
دونالد ترامب
فضائح كثيرة حاصرت الرئيس الأمريكي واستطاع الإفلات منها، لكن مطرقة خاشقجي تدق في رأسه منذ عدة أسابيع. الضغط في الولايات المتحدة يدفع بترامب إلى تحديث تصريحاته حول القضية، ما أدى إلى تناقضه أكثر من مرة في الأجوبة. يعلم ترامب أن الانصياع للضغوط قد يكلفه خسارة علاقته مع ابن سلمان، ومن ثمة خسارة صفقات مالية ضخمة، لذلك يحاول إيجاد صيغة وسطية لا تضرب تحالفه مع السعوديين في مقتل.
صورة من: Reuters/K. Lamarque
جاريد كوشنر
صهر ترامب وأحد مستشاريه. يُعرف بكونه أحد أبرز أصدقاء ابن سلمان في الخارج. تقول تقارير الإعلام الأمريكي إنه يشكّل الوسيط المهم بين ابن سلمان وترامب، وإنه دافع على الدوام عن الرياض في دهاليز السياسة الأمريكية ووجد الكثيرمن الأعذار لولي العهد السعودي، لكنه يبدو أنه لم يستطع إيجاد الأعذار المناسبة في قضية خاشقجي، بل بات كوشنر، وفق تقارير إعلامية، يتهرب من التواصل المباشر مع ابن سلمان حول القضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Vucci
محمد بن زايد
راهن ولي العهد الإماراتي على محمد ابن سلمان، لأجل محاصرة الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني ووقف تداعيات الربيع العربي، لكن مهندس السياسات الإماراتية لم يدل بمواقف في قضية خاشقجي، فهل تخلّى تماماً عن حليفه الشاب؟ عمق الشراكة بين الرجلين تجعل كل واحدٍ منهما يحتاج للآخر في مثل هذه الملفات الحساسة، لكن الزلزال الذي أحدثه مقتل خاشقجي قوي جداً ووصلت شظاياه إلى أبعد ما تخيله أصحاب العملية.
صورة من: picture-alliance/AA/B. Algaloud
عبد الفتاح السيسي
منذ صعوده إلى الرئاسة، والسيسي يمثل حليفاً استراتيجيا للسعودية، خاصة في المعركة ضد الإخوان. يراهن السيسي على المساعدات السعودية لتحسين أوضاع بلدٍ يعاني اقتصادياً، وفي المقابل لا يبخل بأيّ شكل من الدعم السياسي للرياض. لكن دفاعه عنها جاء محتشما في قضية خاشقجي. يعي السيسي أن سقوط بن سلمان سيؤثر سلباً على حكمه لمصر، لكنه لا يريد رفع النبرة في جريمة ستضيف المزيد من السواد لسيرته الحقوقية .
صورة من: picture-alliance/Xinhua/MENA
إيمانويل ماكرون
كجل زعماء الغرب، يرفع الرئيس الفرنسي شعار حقوق الإنسان في تعامله مع الشرق، لكن عندما يتعلّق الأمر بالسعودية، التي تشتري ملايين اليوروهات من أسلحة فرنسا، يجد ماكرون مبرّرات الاقتصاد والتعاون الاستراتيجي لاستمرار العلاقة. وحتى عندما تعالت الأصوات بوقف صادرات الأسلحة رداً على جريمة خاشقجي، رّد ماكرون بحدة عكست موقفه الصعب، لكنه حاول الاستدراك بالتأكيد على خطورة جريمة خاشقجي.
صورة من: Imago/Belga/E. Lalmand
تيريزا ماي
قبل أشهر، خرج عشرات المتظاهرون للضغط على رئيسة الوزراء البريطانية حتى توقف صفقات الأسلحة خلال استقبالها لابن سلمان، لكنها رفضت التفريط في تحالف لندن والرياض. تواجه ماي أياما صعبة بسبب دعوات لسحب الثقة منها، لذلك لا ترغب بإضافة صداع جديد يخصّ قضية خاشقجي، وحاولت تقديم ردٍ قوي بوصف اعتراف السعودية الأول في القضية بالفاقد للمصداقية، غير أن مثل هذه التصريحات لم تشف غليل معارضيها.
صورة من: Reuters/H. Nicholls
بنيامين نتنياهو
انتظرت القيادة الإسرائيلية لعقود موقفا معتدلا من السعودية إلى أن جاء عهد ابن سلمان الذي لم يمانع بحق إسرائيل في الوجود. لذلك تشكّل أزمته الحالية مشكلاً لدى بنيامين نتنياهو الذي لا يرغب حتماً في عزل أمير يتقاسم مع إسرائيل الكثير من الأهداف، منها "صفقة القرن" ودورها في مشروع نيوم، والوقوف في وجه المشروع الإيراني بالمنطقة، وتقزيم دور حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المقاتلة.