1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: ذوي الاحتياجات الخاصّة..بين الشفقة والعزل المجتمعي

رشا حلوة
٢٨ نوفمبر ٢٠١٨

تنطلق الكاتبة الصحفية رشا حلوة في مقالها لـ DW عربية من مشهد عاطفي في برلين بين رجل من ذوي الإحتياجات الخاصة وحبيبته، لتعبر إلى تضاريس المجتمعات العربية متسائلة عن المكانة التي تحظى بها هذه الفئة.

arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

من المشاهد التي لفتت نظري عندما انتقلت للعيش في برلين، والتي ما زالت تؤثر في قلبي إيجابًا، كانت عندما تواجدت في أحد مقاهي المدينة، رأيت رجلًا بإعاقة، ومن ذوي الاحتياجات الخاصّة، على كرسي متحرّك، يمسك بيد حبيبته في المقهى، ولم ينظر أحد إليهما باستغراب. كنت أنا الوحيدة، التي حملت هذا التأثر معي إلى البيت، مرفق بالأسئلة الذاتية حول سبب تأثري؟ وهل كان هذا التأثر قادمًا من الاستغراب لطبيعية المشهد؟ وكيف أن الناس كلهم في المقهى لم ينظر منهم أحد إلى الشخص كأنه خارج عن المكان بأي شكل من الأشكال، كما "تعوّدت" أن يكون التعامل، أو ببساطة، لأني نادرًا ما صادفت مثل هذا الموقف الصحّي في أيّ مكان آخر.

في الثالث من كانون الأوّل/ ديسمبر لكل عام، يصادف اليوم العالمي لأصحاب الاحتياجات الخاصّة، وهو يوم خُصص من قبل الأمم المتحدة عام 1992 لدعم ذوي الاحتياجات الخاصّة. حيث يهدف هذا اليوم إلى زيادة بالوعي والفهم حول قضايا الإعاقة، والعمل على ضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة. كما يدعو هذا اليوم إلى العمل على دمج أصحاب الإعاقات في تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لأنهم جزء من المجتمع وأن يتوقف عزلهم عنه.

بداية، من الجدير بالذكر أن الاحتياجات الخاصّة هي متنوعة، حيث أن الحديث لا يدور على شكل ما من الإعاقة، سواء الذهنية أو الجسدية، وبالتالي، لا يأتي هذا المقال للحديث عن الفروقات، بل يأتي للحديث عن الحرمان والإهمال والعزل والتمييز الذي يعاني منه ذوي الاحتياجات الخاصّة، سواء من قبل الحكومات أو المجتمعات، واعتبارهم، سواء بشكل ممنهج أو موروث اجتماعيًا، بأنهم أدنى مكانة من الآخرين، وأنهم ثقل على المجتمعات، وأن "الحلّ الأنسب" لحيواتهم، هو أن يتم عزلهم في مؤسسات تُعنى باحتياجاتهم الأساسية فقط، كأنهم خارج المجتمع، غير متساووين في الحقوق مع الباقي، لا يحق لهم ما يحق لغيرهم من الناس في حياة كريمة واندماج في حقول الحياة كلّها.

في حديث مع حنين شمالي، وهي مديرة تنفيذية في "الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا"، قالت: "هنالك نماذج مختلفة للمؤسسات التي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصّة، منها الخيري، الطبي، الاجتماعي وأخيرًا الحقوقي. المؤسسات الخيرية والطبية، هي كيف ينظر المجتمع والدولة لأصحاب الإعاقة، وهي الطاغية في الدول العربية، حيث تعتمد على المساعدات الطبية والتبرعات والشفقة، نهج "يا حرام"، خاصّة لأن الأمر مربوط بالدين. لكن المؤسسات الاجتماعية والحقوقية، تُطالب بعدم عزل الإنسان المعاق، إنما علينا أن نسهّل حياته في المجتمع ليكون جزءًا منه، ومن هذا ينطلق القانون الدولي، إيمانًا أيضًا بأن المجتمع هو الذي يضع الإعاقات أمام الإنسان المعوّق، مجرد ما أن نضع حواجز أمام المعوقين، فهي تمنعه من أن يكون مدموجًا، وإذا أزلنا هذه الحواجز، بإمكان الإنسان المعوّق أن يندمج وأن يكون جزءًا حقيقيًا من محيطه الطبيعي".

إزالة هذه الحواجز، في جزء أساسي منها هو مسؤولية الدول ونصّ قوانين تعمل على التجهيزات الضرورية للتسهيلات التي يحتاجها ذوي الاحتياجات الخاصّة، سواء تلك في البنى التحتية، الفضاءات العامّة، الشوارع، كما وفرص الحياة في العمل والاقتصاد والتعليم وما إلى ذلك. في بعض الدول، هنالك قوانين كانت قد نُصّت، وموجودة في برنامجها وموازنتها، لكن لا من تطبيق لها. والحكومات العربية غير منشغلة بواقع ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا حتى بتحسين ظروفهم، التي هي بالحدّ الأدنى منها أن لا تواصل الحكومات العربية منح شعور لذوي الاحتياجات الخاصّة بأنهم بشر أقل من غيرهم.

على الرغم من أن تطبيق قوانين لتحسين ظروف ذوي الاحتياجات الخاصّة هي خطوة أولى نحو التغيير المجتمعي، لكن من الجدير بالإشارة أن الحكومات هي ليست من المريخ، إنما من عقليات المجتمع ذاته، وللأسف، مجتمعاتنا بأغلبيتها ما زالت تعامل الإنسان المعوق، مهما كانت إعاقته، على أنه ثقل على المجتمع، هذا الثقل المجبول بالتعاطف والشفقة، الذي بالضرورة لا يبني مجتمعات تمنح مساحة من فضائها الطبيعي واليومي للإنسان المعوّق، لا بل في أحيان كثيرة، يتجسّد "عطف المجتمعات" بالقسوة، مما ينتج عن تصرف عدد من العائلات بالخجل من أبنائها وبناتها، كما وحتى إخفائهم/ن عن المجتمع والمحيط الخارجي، وبرأيي العائلات هنا هي الحلقة الأضعف وسط غياب وعي مجتمعي حاضن وغير عازل.

في حديث مع رولا رعد، وهي امرأة ثقيلة السمع، حسب تعريفها لكونها من ذوي الاحتياجات الخاصة، قالت: "التعامل المجتمعي معي هو أقل من المقبول، على الرغم من أني متعلمة وأمّ وفاعلة جدًا في المجتمع. مع ذلك، ما زال المجتمع ينظر لي بشفقة: يا حرام طرشة.. يا حرام طرمة.. يا حرام خرسة، إلخ.. أعتقد أن تغيير هذا الواقع عليه أن يبدأ في المدارس، ومنذ المرحلة الابتدائية، لأن الأطفال في هذه المرحلة لديهم فضول لكل ما هو غريب، وعليه أن يفهم أن الغريب هو جزء طبيعي من مجتمعه. كما العمل على حلقات توعية حول ظروف ذوي الاحتياجات الخاصّة، بمشاركة ذوي احتياجات خاصة لسرد قصصهم، والتوعية على أنهم أفراد في المجتمع ولا يحتاجون للشفقة، إنما للاحترام".

بدأت مقالي هذا في مشهد حبّ بين عاشقيْن، أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصّة، مع الإدراك أن الحديث عن حق ذوي الاحتياجات الخاصة بحياة عاطفية طبيعية هو موضوع آخر، لكنه ضروري كجزء من المطالبة بتحسين ظروف حياتية عديدة يعيشها ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي نقطة انطلاق أساسية للتوقف عن التعامل معهم كأنهم بمكانة أدنى عن الإنسان، وأن مواصلة عزلهم بشتّى الطرق عن المجتمع، بلا أن يُمنحوا تسهيلات للتواجد فيه، يجعل من مجتمعاتنا ناقصة، وغير إنسانية.

الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW