1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: لا للتنمّر على المصابين بكورونا والإساءة لهم

رشا حلوة
٢٧ مارس ٢٠٢٠

في مقالها* لـ DW عربية تتناول الكاتبة الصحفية رشا حلوة مخاطر التنمّر التي يتعرّض لها بعض المصابين/ات بفيروس كورونا، من تعرضهم للإساءة عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحميلهم "وصمة عار" وتذنيبهم أيضاً.

الكاتبة الصحفية رشا حلوة
"هناك ضرورة دائمة للاهتمام بصحتنا النفسية عامّة ولربما أكثر في هذه الظروف الطارئة، كما أن هناك حاجة قصوى لأن نعطي اهتماماً لما يمكن أن يعاني منه المصاب بفيروس كورونا"صورة من: DW/Rasha Hilwi

تفتح هذه الفترة من حياتنا، والتي يعيشها العالم مع جائحة كورونا، أبوابها على مواضيع كثيرة نتناولها، مما للفيروس والحجر الصحي المفروض من تأثيرات على جوانب عديدة نعيشها يومياً، في الحياة الشخصية والمهنية، في البيت والعلاقات العائلية والعاطفية والاجتماعية، في مستقبلنا وغيرها من جوانب.

من المواضيع التي لربما لا يتم التطرق إليها كثيراً، هي مسألة التنمّر الذي يتعرض لها من يُصاب أو تُصاب في فيروس كورونا، أو من عليه/ا أن يخضع للحجر الصحي لحماية الآخرين بعد احتكاكه/ا بشخص مُصاب، وما يمكن أن يتعرض/ تتعرض له جراء ذلك من تنمّر، وتذنيب، وتحميل مسؤولية كما وتحميله وصمة عار قاسية.

بداية، لفت نظري هذا الجانب من خلال متابعة منصات وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، الكثير من الغضب الذي يصب على أشخاص عُرف أنهم مصابين بكورونا، حتى لو كانوا مجهولي الهوية. لاحظناها بداية مع العنصرية التي تعرّض لها الآسيويين، خاصة الصينيين منهن. كثيرون تحدثوا عن خطورة هذه الإساءات واحتجوا على أشكال تعنيف تعرضوا لها في العالم، سواء كان لفظياً أو جسدياً في بعض الأماكن.

قبل ذلك من المهم التذكير بأن التنمّر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء الموجه من قبل فرد أو مجموعة نحو شخص آخر أو مجموعة أخرى. قد يكون التنمّر لفظياً أو جسدياً (أي الإساءة اللفظية أو العنف الجسدي تجاه الآخر). في كثير من الأحيان، يكون التنمّر تجاه شخص مستضعف؛ نسمع عن حالات تنمّر كثيرة في المدارس ما بين الأطفال مثلاً، من تخويف وتهديد كلامي أو جسدي. والتنمّر في حديثنا عن المصابين/ات بكورونا، أو من ممكن أن يكون مصاباً، هو الإساءة لهذا الشخص أو الجماعة، من خلال التذنيب وتحميل المسؤولية ووصمة العار التي تُفرض عليهم.

بما  يتعلّق بالمنطقة العربية، فقد شهدت شكلاً إضافية "وصمة العار" التي تلاحق المصابات بكورونا. حيث أشار تقرير صحفي إلى أن عائلة عراقية رفضت أن تخضع ابنتها إلى الحجر الصحي بعد كشف أنها مصابة في فيروس كورونا، حيث اعتبرت هذه العائلة أن "الحجر الصحي معيب ومخالف لعاداتها وتقاليدها التي لا تسمح بالنساء المبيت في أماكن بعيدة عنها دون مرافق".

هذا الخبر، وغيره من أخبار عائلات عراقيات ترفض أن تخضع بناتهن في الحجر الصحي، أثار ضجة وسط عراقيين/ات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكتبت امرأة عراقية عبر حسابها في موقع تويتر: "البارحة بالنجف، عشيرة إحدى المصابات تعدوا على الكوادر الصحية وما خلوهم يحجروها… يعني الكوادر الصحية تضحي بأرواحها وبعائلاتهم وأطفالهم حتى يجي واحد متخلف يتهمهم هيك اتهام!".

تعيدني هذه الأخبار المأساوية والمؤسفة، التي تمنح صورة ما عن العالم الذي نعيشه، حتى وسط جائحة تهدد البشرية كلها، بأن هناك أفراد وعائلات تسيطر عليها عقليات ذكورية، ما زالت تفضّل أن تمرض بناتها أو أن تموت أو تُقتل (في سياق جرائم ما يُسمى بشرف العائلة) على أن ترى نساءها يعشن بصحّة وكرامة وحرية وكبشر متساويين مع الجميع.

بالتأكيد أن هنالك تعليمات نشرتها منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات الصحية في العالم، يجب أن نتبعها، بداية من غسل الأيدي مروراً بالحجر الصحي والبقاء في المنزل وعدم لقاء آخرين وخاصة كبار السن وأصحاب أمراض سابقة والمناعة الجسدية المنخفضة وما إلى ذلك. وهذه تعليمات تحفظ قدر الإمكان سلامتنا وسلامة الآخرين، ممن مقربين وغرباء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ورغم كل هذا، من يُصاب بفيروس كورونا ليس مجرماً أو ليس "عالة على المجتمع"، ولا يستحق أي شكل من أشكال الإساءة والأذى، بل العكس تماماً، يستحق الدعم المعنوي والنفسي، خاصة أن  على المصاب المرور بفترة مرضه معزولاً لوحده، سواء في البيت أو في المستشفى، إن لزم الأمر.

وبالحديث عن العامل النفسي، جميعنا نعرف، كل من منزله اليوم وفي الحجر الصحي وفي حظر التجول المفروض في بعض الدول، تأثير حالة الطوارئ بجوانبها العديدة، على أمزجتنا وصحتنا النفسية، سواء بسبب الخوف، أو الجلوس بالبيت، أو الوضع الاقتصادي وما إلى ذلك. ولهذا يتطلب منا، إلى جانب العناية الجسدية بأنفسنا، أيضاً أن نحاول الاعتناء بصحتنا النفسية، مع الإدراك أنها توضع على الهامش، إن كانت لا تُخفى تماماً، من حساباتنا الذاتية أو المجتمعية أو المؤسساتية الحكومية.

حول هذا الموضوع، تحدثت مع الطبيب والمعالج النفسي، د. عصام داود، الذي قال: "لا شك أن الظروف التي نعيشها تضع الناس في ضغوطات عديدة؛ الخوف من المرض والموت، الظروف الاقتصادية، إلخ… وبالتالي، يستخدم الناس آليات دفاع نفسية للتعامل معها، وهي موجودة منذ الولادة حتى الكبر، مثل الفكاهة في مواجهة الخوف، وهنالك آليات غير متطورة للتعامل مع المخاوف، مثل أن يسقط رجل في قاعة أفراح ويلوم الناس الآخرين والعمّال على سقوطه، هذه آليات دفاعية محورها الإسقاطات على الآخرين".

ويتابع د.داود: "هذه آليات غير متطورة، يستخدمها الأطفال. ووصمة العار التي تُفرض على الآخرين، هي جزء من منظومة الإسقاطات هذه. مثلاً، أنا خائف من كورونا، فأسهل أن أتعامل مع الخوف، بأني بصحة جيّدة، فالشخص الآخر الذي تربطه تفصيلة حياتية ما بفيروس كورونا، يوصَم بالعار، مثلاً؛ أنه زار إيطاليا أو يعمل في مستشفى، إلخ… فيُسقط الناس عليه مخاوفهم، وتصبح وصمة العار آلية دفاع نفسية يتبعها البعض".

هناك ضرورة دائمة للاهتمام بصحتنا النفسية عامّة ولربما أكثر في هذه الظروف الطارئة، كما أن هناك حاجة قصوى لأن نعطي اهتماماً لما يمكن أن يعاني منه المصاب بفيروس كورونا، بعزلته، وبفترة علاجه، وأن نحاول قدر الإمكان مناهضة كل أشكال الإساءة النفسية التي يُمكن أن تمارس عليه، كأفراد وكمؤسسات تعمل في حقول الصحة النفسية. هذه مسؤوليتنا جميعاً، لأن الإصابة بكورونا ليست عاراً ولا عيباً ولا يحقّ لأحد أن يُعامَل بالإساءة بسبب مرضه، كما أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الجسدية لمواصلة الحياة.

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW