فاقم الجفاف وجائحة كورونا وحرب أوكرانيا أزمة الجوع والغذاء في أفريقيا، لكن رغم ذلك تستطيع التغلب على أزمتها؛ حيث هناك الأراضي الخصبة والمياه اللازمة التي يمكن أن تغطي حاجتها. لكن قبل ذلك لابد من تجاوز بعض العقبات.
إعلان
تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا لم تتوقف عند حدود أوروبا، بل وطالت أفريقيا أيضا، التي تأثرت بإمدادات الحبوب والمحاصيل الزراعية الأخرى التي كانت تأتيها من روسيا وأوكرانيا، وقد أظهر ذلك بشكل جلي إلى أي مدى لا تزال القارة السمراء تعتمد على الاستيراد لتأمين غذائها.
في هذا الصدد تقول ساره مغابو-بونو، الخبيرة الاقتصادية لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة (IFAD) إن "نزاع أوكرانيا، لكن جائحة كورونا أيضا، أظهرت أن أنظمتنا الغذائية لا تعمل من أجل الناس الأكثر فقرا".
وقد ازدادت الأعباء المالية للأسر بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، تقول الخبيرة الاقتصادية مغابو-بونو لـ DW. إذ أن 60 – 70 بالمائة من دخل هذه الأسر ينفق على الغذاء، والنتيجة: "الأسرة المكونة من 5 أو 6 أفراد يتعين عليها أن توازن ما تستطيع أن تؤمنه، وربما تلجأ إلى مواد أقل تغذية وأرخص".
"سلة غذاء" أفريقيا!
العديد من الدول الأفريقية لديها الإمكانية لتصبح بلدانا مصدرة للمواد الغذائية، تقول مغابو-بونو. وتعد زامبيا وملاوي وجمهورية كونغو الديمقراطية من تلك البلدان. وهذا يعني أنه فقط توفر الأراضي والمساحات الصالحة للزراعة، يكفي لزيادة إنتاجها، لأكثر مما تحتاجه سوقها المحلية. لكن مع ذلك فإن صورة "سلة الغذاء" لا تنطبق عليها تماما، إذ أن الظروف في أفريقيا غير مثالية لإنتاج القمح والحبوب الأخرى لإنتاج الخبز.
لكن هنا أنواع من الحبوب مثل الدخن والذرة البيضاء والعديد من أنواع الفاكهة والخضار، تتم زراعتها بكثرة، وفي مناطق أخرى توفر تربية الماشية الفرصة لإنتاج اللحوم ومشتقات الحليب بكميات كبيرة.
لكن قبل ذلك يجب تجاوز عقبات عديدة، ومنها أن بعض أساليب الزراعة المتبعة مثل القطع والحرق، قد أنهكت التربة. بالإضافة إلى الدمار المتزايد، حيث أن خزانات المياه وخاصة في جنوب القارة الأفريقية يجب حمايتها لتصبح الزراعة ممكنة من جديد، توضح الخبيرة الاقتصادية مغابو-بونو. بالإضافة إلى ذلك يجب استغلال الفرص لتحسين المحصول وزيادته، والإمكانيات متوفرة ومتعددة من أجل ذلك. وفي هذا السياق يقول الخبراء، إن هناك حاجة للاستثمارات المحلية ونقل المعرفة، بدءا من الري بالتنقيط واستخدام الأسمدة.
تحديات التصدير للأسواق الإقليمية!
عندما يحين موعد الحصاد، تأتي التحديات التالية: يجب توفر الأيدي العاملة، وهذا ليس بالأمر السهل دائما. حيث أنه وخاصة الشباب يهاجرون من القرى إلى المدن وإلى الخارج بحثا عن فرصة عمل. والتحدي الثاني، هو الوصول إلى الزبائن. كاماسا فليكس ماولي، مدير شركة زراعية غانية زبائنها في أوروبا، أما منتجاتها فهي متنوعة بدء من الدرنيات المحبوبة في المنطقة مثل البطاطا الحلوة واليام والمنيهوت إلى الطماطم والفليفلة حتى الأعشاب مثل الريحان والنعناع.
لكن طرق النقل في أفريقيا سيئة، ويوضح ذلك كاماسا قائلا "حين أسافر من غانا إلى السودان أحتاج 13 – 14 ساعة" ويضيف لـ DW "لكن عندما أريد السفر إلى أوروبا أحتاج لست ساعات". إنه يريد أن يزود المنطقة بمنتجاته، لكن "ربما يكون مفاجئا أن التصدير إلى الدول المجاورة قد يكون أكثر تكلفة من التصدير إلى أوروبا!".
كما أن التجار مثل كاماسا قاموا بحملات قبل بضع سنوات للتوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة في أفريقيا، ولكن حتى الآن كان تأثيرها ضئيلا. وليس المشكلة في التعريفات الجمركية فقط، وإنما الحاجة إلى توسيع البنية التحتية بشكل كبير جدا، لكي لا تفسد المنتجات في طريقها إلى الأسواق الإقليمية. وهنا يأمل كاماسا في تدفق الاستثمارات ومزيد من الدعم من الاتحاد الأفريقي والدول الأعضاء فيه.
الوصول إلى التجاروالابتكارات النقنية
هناك الحاجة لعمل الكثير، حتى تصبح منتجات أفريقيا الزراعية قادرة على المنافسة، يقول خبير الغذاء العالمي لدى منظمة مكافحة الجوع الألمانية، فرانسيسكو ماري. إذ يجب تعزيز صمود المزارعين الصغار أولا، فعوامل كثيرة مثل التقلبات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة، تجعل التعويل على الزراعة على نطاق واسع، أمرا محفوفا بالمخاطر. وأمر آخر يقلق ماري ويعبر عن ذلك لـ DW بقوله "سنكون سعداء، إذا سمح العالم لأفريقيا بأن تؤمن غذاءها بنفسها، إذ يمكن الاستفادة من التنوع الكبير للمنتجات الزراعية ويمكن أن يلبي المنتجون الأفارقة حاجة الأسواق المحلية".
لكن بدل ذلك، فإن المنافسة قوية من قبل المنتجات الزراعية الأوروبية، المدعومة غالبا، والتي دفعت السوق الأفريقية للتبعية لعقود طويلة. على سبيل المثال التركيز على القمح المستورد بدل الحبوب المزروعة محليا.
ومن المهم حسب خبير الغذاء العالمي، فرانسيسكو ماري، توفير إمدادات أفضل للطاقة والوصول إلى الابتكارات التقنية التي يمكن للمزارعين الأفارقة من خلالها الوصول إلى التجار ومزادات المواد الغذائية.
وحيثما تتدخل الحكومات، يكون النجاح ظاهرا، كما في كينيا، حيث الرسوم الجمركية العالية على الحليب المجفف المستورد، جعلت الحليب المنتج ملحيا قادرا على المنافسة، تقول الخبيرة الاقتصادية الدولية، مغابو-بونو
فيليب سناندر/ عارف جابو
عربيا ودوليا.. تداعيات حرب بوتين على الأسعار ومعيشة الناس
تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا لم تقتصر على دول الجوار، وإنما امتد تأثير الحرب إلى جميع أنحاء العالم. فمع ارتفاع أسعار الطعام والوقود إلى معدلات غير مسبوقة، شهدت بعض الدول مظاهرات وأعمال شغب.
صورة من: Dong Jianghui/dpa/XinHua/picture alliance
ألمانيا.. التسوق بات مكلفا
أدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إلى ارتفاع تكلفة المعيشة في ألمانيا وهو ما أثر على المستهلكين. ففي مارس/ آذار، ارتفع معدل التضخم في ألمانيا إلى أعلى مستوى له منذ عام 1981. وبالنسبة للعقوبات، تبدي الحكومة الألمانية حرصا على المضي قدما في فرض حظر على الفحم الروسي، لكنها لم تتخذ قرارا بعد حيال حظر الغاز والنفط الروسي.
صورة من: Moritz Frankenberg/dpa/picture alliance
كينيا.. ازدحام أمام محطات الوقود
شهدت محطات الوقود في العاصمة الكينية نيروبي ازدحاما كبيرا مع شعور الناس بارتفاع سعر الوقود بشكل كبير، مع عدم توفره جراء الحرب فضلا عن تداعياتها على أزمة الغذاء في هذا البلد الفقير. وقد أعرب سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، عن بالغ قلقه إزاء الأمر أمام مجلس الأمن، إذ أجرى مقارنة بين الوضع في شرق أوكرانيا والأحداث التي شهدتها أفريقيا عقب الحقبة الاستعمارية.
صورة من: SIMON MAINA/AFP via Getty Images
تركيا.. تأمين إمدادات القمح
تعد روسيا من أكبر منتجي القمح في العالم. وبسبب الحظر على الصادرات الروسية، ارتفع سعر الخبز في دول عدة ومنها تركيا. كما أدت العقوبات الدولية إلى تعطيل سلاسل التوريد. وتعد أوكرانيا واحدة من أكبر خمس دول مصدرة للقمح في العالم، لكن بسبب الغزو الروسي لا تستطيع كييف شحن الإمدادات من موانئها المطلة على البحر الأسود.
صورة من: Burak Kara/Getty Images
العراق.. ارتفاع كبير في أسعار القمح
يعمل هذا العامل في سوق جميلة، أحد أسواق الجملة في بغداد. ارتفعت أسعار القمح في العراق إلى معدلات قياسية منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وبما أن روسيا وأوكرانيا تستحوذان على نسبة 30 بالمائة من تجارة القمح في العالم، فلم يكن العراق بمنأى عن تأثير العقوبات. ورغم أن الحكومة العراقية اتخذت موقفا محايدا من الأزمة الأوكرانية، إلا أن الملصقات المؤيدة لبوتين باتت محظورة في البلاد.
صورة من: Ameer Al Mohammedaw/dpa/picture alliance
مصر.. رفوف ممتلئة وأسواق خالية
تضررت مصر بشدة من الارتفاع الراهن في أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا فقد أصبحت بعض الأسواق خالية رغم أن الأسواق تكون مزدحمة عادة وتشهد رواجا في شهر رمضان. وبلغ معدل التضخّم في مصر 10 بالمائة على أساس سنوي في فبراير/ شباط في ارتفاع يعزوه الخبراء بشكل أساسي إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 20 بالمائة.
صورة من: Mohamed Farhan/DW
تونس ..مخاوف من أزمة هجرة
ارتفعت أسعار أسطوانة الغاز والخبز في تونس إلى معدلات مذهلة بسبب الحرب في أوكرانيا ليواجه مهد "الربيع العربي" حاليا أزمة حادة في توفير الغذاء للجميع. فهل ستتسبب الأزمة في موجة جديدة من الهجرة؟
صورة من: Chedly Ben Ibrahim/NurPhoto/picture alliance
اليمن.. السير على الأقدام
أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى ارتفاع أجور النقل في اليمن، وهو ما دفع البعض إلى السير على الأقدام بدل ركوب السيارة. ففي الأسابيع الأولى للحرب، ارتفعت أسعار الوقود فتضاعف سعر التنقل من 100 ريال إلى 200 ريال يمني. وقد حذر برنامج الأغذية العالمي في مارس/ آذار الماضي من تدهور الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية في اليمن في ظل حاجة قرابة 17,4 مليون شخص إلى مساعدات فورية.
صورة من: Farouk Mokbel/DW
بيرو.. موجة احتجاجات
اندلعت مظاهرات ووقعت اشتباكات بين محتجين ورجال الشرطة في العاصمة ليما التي شهدت موجة من احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية، خاصة مع تفاقم الأزمة مع اندلاع حرب أوكرانيا. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات وزيادة حدتها، فرض الرئيس بيدرو كاستيلو حظر تجول وأعلن حالة الطوارئ بشكل مؤقت. لكن مع انتهاء سريان حالة الطوارئ، خرجت مظاهرات جديدة في البلاد.
صورة من: ERNESTO BENAVIDES/AFP via Getty Images
سريلانكا.. حالة طوارئ
عصفت بسريلانكا أيضا موجة احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكن تزايدت حدتها مع محاولة عدد من المتظاهرين اقتحام المقر الخاص للرئيس غوتابايا راجاباكسا. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، أعلن راجاباكسا حالة الطوارئ، داعيا في الوقت نفسه الهند والصين إلى مساعدة بلاده في تأمين احتياجاتها الغذائية.
صورة من: Pradeep Dambarage/Zumapress/picture alliance
اسكتلندا.. المظاهرات تصل أوروبا
شهدت اسكتلندا احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، كما نظمت النقابات العمالية في جميع أنحاء المملكة المتحدة مظاهرات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة. وعقب انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ارتفعت الأسعار، لكن الحرب في أوكرانيا زادت الوضع سوءً.
صورة من: Jeff J Mitchell/Getty Images
بريطانيا.. ارتفاع أسعار الأسماك
يعد طبق "السمك مع البطاطا المقلية" من الأطباق المفضلة والشعبية في بريطانيا، إذ يتم تناول حوالي 380 مليون حصة من السمك ورقائق البطاطس في المملكة المتحدة كل عام. بيد أن العقوبات الصارمة على روسيا أدت إلى ارتفاع أسعار السمك الأبيض المستورد من روسيا فضلا عن زيادة أسعار زيت الطهي والطاقة. وقد وصل معدل التضخم في المملكة المتحدة 6.2 بالمائة على أساس سنوي في فبراير/ شباط الماضي.
صورة من: ADRIAN DENNIS/AFP via Getty Images
نيجيريا.. اغتنام الفرصة
يقوم هذا التاجر بتعبئة الدقيق لإعادة بيعه في منطقة إيبافو بنيجيريا. وتسعى نيجيريا منذ زمن طويل لتقليل اعتمادها على استيراد المواد الغذائية. فهل يمكن أن توفر الحرب في أوكرانيا الفرصة لنيجيريا لتقليل استيرادها للمواد الغذائية؟ وفي هذا السياق، دشن أليكو دانغوت، أغنى رجل في نيجيريا وأحد أثرياء إفريقيا، مؤخرا أكبر مصنع للأسمدة في البلاد فيما يحدوه الأمل في سد حاجة نيجيريا من الأسمدة.