بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وإعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التعبئة في بلاده، فر مئات الآلاف من روسيا في عام 2022. لكن البعض منهم عادوا إليها مجدداً. فكيف يرون مستقبلهم هناك؟
إعلان
بعد بدء الغزو العدواني الشامل الذي شنته روسيا على أوكرانيافي 24 فبراير/شباط 2022، فرت كيرا (اسم مستعار) أولاً إلى جورجيا ومن ثم إلى إسرائيل. آنا،(اسم مستعار) وهي أيضاً مواطنة روسية، فرت هي الأخرى إلى أرمينيا في ذات الوقت. وغادر يوري (اسم مستعار) هو الآخر روسيا في خريف عام 2022. وبعد أن أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين التعبئة في روسيا، توجه بسرعة إلى كازاخستان.
جميع من أجريت DW معهم مقابلات في هذا التقرير، أدانوا الحرب الروسية على أوكرانيا، لكنهم عادوا منذ ذلك الحين إلى روسيا. وقد تم تغيير أسمائهم الأصلية من قبل المحرر لأسباب أمنية.
"ندوب الروح بحاجة للشفاء"
كيرا تبلغ من العمر 27 عاماً وتستحضر ذكريات فرارها إلى جورجيا في ربيع عام 2022 قائلة: "في تلك الأثناء، رأيت أنه من المستحيل الاستمرار في البقاء في روسيا". من جورجيا، سافرت كيرا إلى إسرائيل، حيث التحقت بالجامعة، وأقامت في سكن جامعي وحصلت على منحة دراسية هناك. لكن الأمور ساءت بشدة في الصيف ولم يعد يُسمح للشابة بالعمل في إسرائيل. لذلك تقدمت بطلب للحصول على وظيفة في إحدى المنظمات في روسيا. وتؤكد قائلة: "أسعى إلى التطور على المستوى المهني، لقد أتيحت لي الفرصة واغتنمتها".عادت كيرا إلى روسيا بسبب وظيفتها الجديدة. ومع ذلك، فهي لا تزال مسجلة في الجامعة الإسرائيلية. "لا تزال ندوب الروح بحاجة إلى الالتئام وأحاول ألا أذهب إلى المدن الكبرى. أشعر أني أقاوم بشدة ما يحدث في روسيا وغالباً ما أريد فقط أن أغمض عيني عن ذلك. لكن إيجاد فرصة مماثلة في إسرائيل كان"صعباً" بالنسبة لي، كما تقول.
"لقد كان هروباً من نفسي"
عن مغادرتها روسيا في أبريل/ نيسان 2022، تقول آنا: "كانت أرمينيا قراراً متسرعاً بالنسبة لي. لكنني أدركت هناك أن الأمر لا يتعلق برغبتي في أن أكون في هذا البلد، بل بالأحرى بالهروب من نفسي". تبلغ آنا من العمر31 عاماً، وتشغل منصب مديرة في مجال التسويق ويمكنها العمل من المنزل. ولكن بعد بضعة أشهر قررت مغادرة أرمينيا مرة أخرى. وتضيف: "العودة إلى روسيا وكأن الأمر هو اعتراف بتقاسم المسؤولية أيضاً".أما بالنسبة لقرارها، فتضيف: "لا أريد أن يسود الاعتقاد لدى الجميع أن الحرب أمر طبيعي. قد يسير شخص ما في الشارع ويقول: "الحرب أمر طبيعي". لكن أنا شخص سوف أجيبه بـ: "لا". هل أنت مجنون؟'' تعترف آنا بأن هذه المخاوف تؤرقها للغاية، لكنها تؤكد في الوقت نفسه: "لا ينبغي أن نعيش في خوف لفترة طويلة".
"صديقتي طردتني من المنزل"
يقول المتخصص بالبرمجيات يوري إنه لم يشعر بالذعر في بداية الحرب ولم تخيفه التعبئة أيضاً. ويقول: "لكن صديقتي كانت قلقة للغاية، ولم تستطع النوم بشكل صحيح وطردتني من المنزل". وأضاف: "لم أكن أعرف ما أتوقعه. لكننا قلنا لبعضنا البعض أنه يمكنني دائماً العودة". لكن ربما مغادرة البلاد أصبحت ممكنة الآن فقط". قضى يوري عدة أشهر في كازاخستان، ثم بضعة أشهر أخرى في قيرغيزستان. وتابع: "اعتقدنا أن الوضع سيحل قريباً وأردنا انتظار التعبئة الثانية. كنت أعيش في شقة مستأجرة مع ستة رجال. لكن حتى بعد ستة أشهر لم يتغير شيء، فقط استمر الروبل في الانخفاض، وتكاليف المعيشة في الارتفاع وفق ما يتذكر يوري، كما أن "بعض من حولي عادوا إلى روسيا".
عاد هو الآخر في الشتاء. ويقول: "لم أفتقد روسيا. لكنني أردت العودة إلى منزلي، إلى شقتي". لأن والديه، أخيه من ذوي الاحتياجات الخاصة وصديقته التي قضى معها 13 عاماً، يعيشون أيضاً في روسيا.
موجتان من الهجرة على الأقل!
في عام 2022، غادر روسياما بين 500 ألف إلى 800 ألف شخص، وفق تقديرات علماء الديمغرافيا بناءً على إحصاءات البلدان المضيفة والمعلومات التي تم جمعها من السلطات المعنية. كانت هناك موجتان من الهجرة: مباشرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وبعد إعلان التعبئة في روسيا.وتقول الخبيرة في علم الاجتماع والمقيمة في موسكو، ليوبوف بوروسياك، في مقابلة مع DW: "كثيرون لم يصلوا إلى البلدان التي أرادوا الذهاب إليها بالفعل. معظمهم انتقلوا إلى بلد آخر على الأقل. أكثر ما سمعته هو أن زوجين شابين كانا في ستة بلدان في المجمل"・ووفق الخبيرة، فقد وصل العديد من الأشخاص إلى بلدان لم يتوقعوا قط أن ينتهي بهم الأمر فيها، دون أي وثائق تقريباً وأموال زهيدة. وأضافت: "عاد بعض هؤلاء لاحقاً إلى روسيا، على الأقل لفترة من الوقت".
وبحسب فريق البحث "OutRush"، الذي يجري استطلاعاته الخاصة حول المهاجرين الروس، فإن 16 بالمائة ممن غادروا البلاد بعد 24 فبراير/ شباط 2022 عادوا إلى روسيا. وقال ثلثاهم إنهم عادوا بشكل مؤقت فقط.
أين ستكون الوجهة القادمة؟
يقول يوري إنه وصديقته يفكران منذ فترة طويلة في مغادرة روسيا مجدداً، لكنهما لا يعلمان لحد الآن إلى أين يمكنهما الذهاب.الزوجان حاليا في حيرة من أمرهما. ويقر يوري: "نود أن نعيش في روسيا، لكن المشكلة هي النظام وسياساته".
منذ عودتها، شعرت آنا بالحزن الشديد لأن الحياة مستمرة بالنسبة لشعب روسيا. وتقول بنبرة حزن: "أشعر وكأنني في فيلم يتظاهر فيه الجميع بأن كل شيء طبيعي. بالنسبة لي، أحيانًا يكون من الصعب ومن المحزن للغاية أن أرى كيف تتغير الأمور نحو الأسوأ". تمنح آنا نفسها عاماً آخر لمغادرة روسيا مرة أخرى. إنها تريد إما الذهاب إلى برلين أو بالي. تفكر كيرا بدورها في المكان الذي ستذهب إليه في المرة القادمة. ومن ضمن خياراتها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وألمانيا.
إيرينا تشيفتاييفا / إ.م
قتال لم يقع مثله في أوروبا منذ 1945- محطات من الغزو الروسي لأوكرانيا
في نزاع لم تشهد له أوروبا مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، تتواصل المعارك الشرسة بين الغزاة الروس وبين الأوكرانيين. وبحسب تقديرات يزيد عدد قتلى وجرحى الحرب في كلّ معسكر عن 150 ألف شخص.
صورة من: Zohra Bensemra/REUTERS
بوتين يناقض نفسه ويبدأ الهجوم على أوكرانيا
بعد شهور من التوتر والجهود الدبلوماسية لتجنب الحرب، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجر الخميس 24 شباط/ فبراير 2022، ما أسماه "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا. وكان الكرملين قد سبق ونفى مراراً التقارير الغربية حول نية بوتين في غزو أوكرانيا. وقد بدأ الغزو واسع النطاق بضربات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا، ودخلت القوات البرية من الشمال من بيلاروسيا حليفة موسكو، ومن الشرق والجنوب.
صورة من: Ukrainian Police Department Press Service/AP/picture alliance
نزوح ملايين الأوكرانيين هرباً من الحرب
مع بداية الهجمات الروسية بدأت موجة نزوح الأوكرانيين من مناطق القتال. ونزح نحو 5.9 مليون شخص داخلياً بسبب الحرب الروسية العام الماضي. كما فر الملايين إلى خارج أوكرانيا، وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي ومقره جنيف (الخميس 11 مايو/ أيار 2023). ومعظم النازحين هم من النساء والأطفال وكبار السن وغير القادرين على القتال.
صورة من: Andriy Dubchak/AP/picture alliance
محاولة فاشلة للسيطرة على العاصمة كييف
في غضون أيام، سيطرت القوات الروسية على ميناء بيرديانسك الرئيسي والعاصمة الإقليمية خيرسون القريبة من البحر الأسود، إضافة لعدة بلدات حول كييف في وسط شمال البلاد. لكن محاولتها السيطرة على كييف اصطدمت بمقاومة القوات الأوكرانية ومن ورائها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تحول إلى قائد حربي. وفي الثاني من نيسان/ أبريل 2022، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد "الانسحاب السريع" للقوات الروسية.
صورة من: Emilio Morenatti/AP/picture alliance
كليتشكو من نزال الملاكمة إلى قتال المعارك
هب الأوكرانيون للدفاع عن بلادهم، فإضافة إلى القوات العسكرية كان هناك المتطوعون المدنيون من كافة الأطياف. هنا مثلاً بطل العالم السابق في الملاكمة فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، وقد ارتدى سترة عسكرية خلال تواجده على الأرض لمشاركة أهل بلده في صد الغزو الروسي. كما تطوع أيضاً شقيقه الأصغر وبطل العالم السابق في الملاكمة فلاديمير كليتشكو للقتال. كما وظّف الشقيقان شهرتهما لكسب التعاطف العالمي مع قضية بلدهما.
صورة من: Sergei Supinsky/AFP
توالي العقوبات الغربية على روسيا
اتخذ الغرب، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مسار فرض عقوبات على روسيا، سواء في استيراد البضائع والطاقة منها أو تصدير التكنولوجيا إليها أو مصادرة أموال رجال أعمال مرتبطين بالكرملين. وفي قمة مجموعة السبع في قصر إلماو في بافاريا الألمانية (يونيو/حزيران 2022)، اتخذت المجموعة، التي تضم ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، قرارات بتوسيع العقوبات على روسيا.
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
مساعدات عسكرية مكنت أوكرانيا من الصمود
وأعلنت دول غربية عديدة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تقديم مساعدات عسكرية بالمليارات لأوكرانيا. فقدمت واشنطن أسلحة ومعدات في 2022 بقيمة 22.9 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول الداعمة عسكريا لأوكرانيا، فيما حلت بريطانيا بالمركز الثاني خلال 2022 بمساعدات بقيمة 4.1 مليار يورو. أما ألمانيا فقدمت في العام نفسه 2.3 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين داعمي أوكرانيا عسكرياً.
صورة من: Polish Chancellery of Prime Ministry/Krystian Maj/AA/picture alliance
اتهامات بجرائم حرب مروعة في بوتشا
في بلدة بوتشا التي دمرتها المعارك، عُثر في الشوارع على جثث مدنيين أعدموا بدم بارد. لاحقاً عُثر على جثث مئات المدنيين حمل بعضها آثار تعذيب في مقابر جماعية في المدينة الصغيرة الواقعة على مشارف كييف. وأثارت صور هذه المجازر المنسوبة لروسيا استياء الغرب والأمم المتحدة وتعددت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، رغم نفي موسكو.
صورة من: Carol Guzy/Zuma Press/dpa/picture alliance
حصار ماريوبول وسقوط آزوفستال
في 21 أبريل/نيسان 2022، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف. سمحت السيطرة على ماريوبول لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من القرم والمناطق الانفصالية في دونباس. لكن حوالي ألفي مقاتل أوكراني واصلوا القتال متحصنين في متاهة مصنع آزوفستال تحت الأرض مع ألف مدني. قاوم المقاتلون حتى آخر طلقة. وقالت كييف إن 90% من ماريوبول دُمرت وقُتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
صورة من: Peter Kovalev/TASS/dpa/picture alliance
يوم تاريخي في خيرسون
في بداية سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً في الجنوب، لكنه حقق اختراقًاً خاطفًاً للخطوط الروسية في الشمال الشرقي وأرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف. في أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت موسكو بإجلاء السكان وإدارة الاحتلال من خيرسون. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني بعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على المدينة في "يوم تاريخي" كما وصفه الرئيس زيلينسكي.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
مذكرة توقيف بحق بوتين وروسيا ترد
في مارس/ أذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وقالت كييف إنه تم ترحيل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا. وأصدرت المحكمة أيضاً مذكرة مماثلة بحق مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا. وفي مايو/ أيار ردت روسيا بإصدار مذكرة توقيف بحق المدعي العام للمحكمة كريم أحمد خان، وهو بريطاني الجنسية.
صورة من: Rich Pedroncelli/AP Photo/picture alliance
الاستعداد لهجوم مضاد
في مواجهة طلبات زيلينسكي المتكررة وبعد فترة من المماطلة، قرر الأمريكيون والأوروبيون إرسال عشرات الدبابات الثقيلة من أجل تحسين قدرة الجيش الأوكراني على صد الهجمات. وفي 19 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت كييف تلقيها أول منظومة دفاع جوي أمريكية من طراز باتريوت. في نهاية الشهر نفسه، أعلنت أوكرانيا أنها ستكون مستعدة قريباً لشن هجوم مضاد بهدف تحرير نحو 20% من أراضيها المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
صورة من: Susan Walsh/POOL/AFP/Getty Images
قتال طيلة شهور في باخموت
في يناير/ كانون الثاني 2023، عاد الجيش الروسي إلى شن هجمات لا سيما في دونباس، بدعم من مرتزقة مجموعة فاغنر المسلّحة ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم منذ أيلول/سبتمبر. احتدم القتال، خاصة حول باخموت، وهي مدينة في الشرق تحاول روسيا احتلالها منذ الصيف. وشهدت باخموت أطول المعارك وأكثرها فتكاً منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
صورة من: Muhammed Enes Yildirim/AA/picture alliance
تضارب بشأن سقوط باخموت
وأعلنت روسيا مساء السبت 19 مايو/ أيار 2023 استيلاءها على باخموت بالكامل، بعدما أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين في نفس اليوم أن المجموعة ستسحب مقاتليها من المدينة اعتبارا من 25 مايو/ أيار وستسلم الدفاع عن المدينة إلى الجيش الروسي. في غضون ذلك، قالت كييف إنها لا تزال تقاتل في مناطق معينة معتبرة وضع مقاتليها "حرجاً". إعداد صلاح شرارة/خ.س (أ ف ب، رويترز، د ب أ).