رغم تجريمها.. العبودية لا تزال حاضرة في منطقة الساحل
٥ سبتمبر ٢٠٢٠
كانت العبودية منتشرة بشكل واسع لعدة قرون في منطقة الساحل قبل أن يتم حظرها على نطاق واسع منذ عام 1981. رغم ذلك لا يزال كثير من الناس في المنطقة يعانون من تداعيات هذه الممارسات بسبب إفلات المخالفين من الملاحقة القضائية.
إعلان
نشأ معطى الله ولد امبارك، الذي يعيش حاليا في ضواحي العاصمة الموريتانية نواكشوط، كعبد. لقد تجاوز آلام العبودية بعدما أصبح حرا بعد ثلاثين عاما تحت رحمة سيده. لكنه يعيش اليوم على الكفاف مصارعا من أجل ضمان قوت يومه.
تذكره لفترة العبودية يجعله يتألم، كما يقول لـ DW حيث "كنت أعتني بالجمال والأبقار، وأقوم بجلب الماء والخشب وتقطيعه وتحويله إلى فحم". لكن أكثر ما كان يؤلمه هو مصير عائلته التي عانت الأمرّين. يتابع ولد امبارك "كان الأمر فظيعاً بالنسبة لي. لقد كانوا يضربون أمي وأختي ويعتدون عليهما جنسيا أمام أعيني". ولم ينتهِ كابوس ولد امبارك إلا في عام 2003، بعدما أقنع أحد موظفي إحدى المنظمات غير الحكومية سيده بالإفراج عنه.
لا حق في الكرامة
كآخر دولة في العالم، حظرت موريتانيا العبودية عام 1981. ومع ذلك هناك حالات مشابهة لما عاشه ولد امبارك. فبحسب تقدريرات حقوقيين محليين هناك عدة آلاف، خاصة من أقلية الحراطين والموريتانيين من ذوي الأصول الإفريقية جنوب الصحراء يعيشون في البلاد كعمال بالسخرة أو خدم في المنازل، كما أنهم غاليا ما يكونون ضحايا زيجات الأطفال. حتى، وإن كانوا أحرارا، فإن أقلية الحراطين غالبا ما تعيش في ظروف مأساوية على هامش المجتمع.
للرق تاريخ طويل في موريتانيا الدولة الصحراوية الواقعة في شمال غرب إفريقيا، كما توضح سارة ماثيوسون التي تعيش وتعمل في السنغال كموظفة في منظمة مكافحة الرق الدولية ومقرها في لندن. وتقول ماثيوسون "على مدى أجيال، كان الأشخاص ذوي البشرة السوداء محتجزين في الغالب من قبل ذوي البشرة الفاتحة حتى أنهم تبنوا لغتهم. وكان أطفالهم وأحفادهم ينتقلون تلقائيا إلى ملكية العائلات التي كانت تمتلكهم".
تراجع العبودية.. ولكن!
وتتابع ماثيوسون "هذا النوع من العبودية في تراجع اليوم، فكثير من العبيد ابتعدوا عن أسيادهم خلال الأربعين عاما الماضية"، لكن ماثيوسون لا تزال تصادف بحكم عملها حالات لمالكي عبيد يضعون "عبيدهم" تحت مراقبة يومية ويجبرونهم على العمل دون دفع أجرهم، رغم وجود قوانين تجرم ذلك مثل قانون متابعة مالكي العبيد الصادر في موريتانيا عام 2007، حيث تؤكد ماثيوسون أن العدالة في الواقع لا تعمل على محاسبة المخالفين.
تعود العبودية وبعض الممارسات المشابهة لها إلى عدة قرون في كثير من دول القارة الإفريقية، كما تقول ماثيوسون. وتنتشر هذه الآفة في بعض المجموعات العرقية بمنطقة الساحل في دول مثل تشاد والسودان ومالي والنيجر.
وتقول ماثيوسون "تاريخيا، كان الطوارق أصحاب البشرة الفاتحة في الشمال هم من يستقدمون الأشخاص من ذوي البشرة السوداء كعبيد من المناطق الجنوبية"، لكن كثيرا من المجموعات العرقية الإفريقية تعرف تراتبية تقليدية مشابهة.
ما تزال العبودية في موريتانيا حاضرة بقوة في المجتمع الموريتاني، فحوالي عشرين بالمئة من السكان البالغ عددهم ثلاث ملايين ونصف يعيشون تحت وطأة العبودية، في مجتمع تجذرت فيه التفرقة الإثنية والعنصرية.
صورة من: Robert Asher
مولودة بالأغلال
ولدت شفيده في موريتانيا ووجدت نفسها تحت وطأة العبودية كما هو حال إخوتها. وبعد أن نجح أخوها معطى الله في تحرير نفسه، أنقذها مع أطفالها في مارس/ آذار 2013.
صورة من: Safa Faki
الفقر المدقع
بعد ربع قرن من الجفاف الذي شهدته موريتانيا تحول مجتمع البدو الرحل إلى مجتمع مستقر.غير أن هذا التحول المجتمعي كان صعبا، حيث أصبح معدل البطالة في البلاد 40 في المئة، والكثير من الناس اضطروا للعيش بأقل من دولار واحد في اليوم.
صورة من: Robert Asher
العيش في "غيتو"
على مشارف العاصمة نواكشوط توجد الأحياء الفقيرة، حيث يعيش عبيد سابقون، بالإضافة إلى سكان الأرياف الفقراء في غيتو على شاكلة أكواخ الصفيح.
صورة من: Robert Asher
مبادرات المجتمع المدني
العبودية في موريتانيا لا تشكل الاستثناء. فمباركة ولدت كأمة، وكانت مجبرة على خدمة إحدى العائلات الغنية في نواكشوط. في عام 2011 وبدعم من الناشط بيرام عبيد ومنظمته "مبادرة المقاومة من أجل الانعتاق في موريتانيا" استطاعت مباركة أن تتحرر.
صورة من: Robert Asher
النضال من أجل الحرية
مسعود ابوبكر (يسار) هو ناشط في منظمات غير حكومية لمناهضة العبودية، وهو الذي ساعد معطى الله (يمين) وأخته وأطفالها التسعة في الانعتاق من براثن العبودية. ينتمي الاثنان إلى أثنية الحراطين، أي الأفارقة السود، وهي الإثنية التي يتم استعبادها من قبل بعض البيض في موريتانيا سواء من العرب أو الأمازيغ.
صورة من: Robert Asher
أرقام مخيفة
يعيش الحراطين في أسف السلم الاجتماعي والاقتصادي ولا توجد إحصائيات موثقة حول توزيع السكان. ولكن المنظمات الحقوقية تقدر نسبة العبيد في المجتمع الموريتاني بين 10 إلى 20 بالمائة من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة.
صورة من: Robert Asher
مجتمع خال من الآباء
"في مجتمع العبودية لا يوجد آباء"، كما يقول مسعود أبو بكر الناشط في مجال مناهضة العبودية. يغيب دور الأب تماما، حيث أن المستعبِدين "يمتلكون" النساء، وعندما يصبحن حوامل ويصبح لديهن أطفال، يتم بيعهن أو يفعلون بهن ما يشاؤون.
صورة من: Safa Faki
العدالة الغائبة
في يمين الصورة يظهر الطفل يرق البالغ من العمر 11 عاما، وهو من العبيد القلائل الذين نجحوا في تقديم مستعبديهم إلى المحاكمة . تم الحكم على الرجل بسنتين سجنا، في جريمة من المفروض أن يكون أخف حكم فيها هو عشر سنوات سجنا.
صورة من: Robert Asher
الهوة بين الفقراء و الأغنياء
موريتانيا واحدة من أغنى بلدان غرب افريقيا، ومع ذلك فأن مداخيل الصيد البحري والموارد المعدنية لا تجد طريقها إلى كافة شرائح الشعب الموريتاني.
صورة من: Robert Asher
استعادة الكرامة
يعيش معطى الله اليوم رفقة زوجته وابنه في فقر مدقع، ولكن بالرغم من كل التحديات التي ينبغي أن يواجهها، إلا أنه استعاد كرامته الإنسانية والأمل في مستقبل أفضل.