رغم جهود التهدئة.. مخاوف من انزلاق لبنان إلى الحرب!
١٦ يناير ٢٠٢٤تخيم أجواء الحرب على المناطق اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل، إذ تحلق مسيرات إسرائيلية وسط تبادل إطلاق النار بين ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى. ودفع ذلك معظم السكان المدنيين في كلا الجانبين إلى مغادرة المناطق الحدودية.
وفي مقابلة مع DW، قال أحد سكان بيروت - شريطة عدم الكشف عن هويته - "أخشى أن يجرنا حزب الله إلى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل. لبنان غير مستعد لهذه الحرب. كل شيء في البلاد - المستشفيات والبنية التحتية، غير مستعدة لأي حرب".
ودفعت حالة الخوف الكثير من اللبنانيين إلى تخزين مواد غذائية ومياه شرب قدر استطاعتهم المالية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بلبنان وأدت إلى تهاوي الليرة.
ويرى مراقبون أن الأزمة على حافة التصعيد منذ أسابيع بعد تصاعد القتال الذي بدأ بهجمات لحزب الله على شمال إسرائيل بعد يوم من هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واختطاف 240 رهينة.
ووفقا لفرانس برس، قُتل 188 لبنانيا من بينهم 141 عضوا في حزب الله بالإضافة إلى القيادي في حركة حماس صالح العاروري، فيما قُتل 14 إسرائيليا بينهم تسعة جنود.
نشاط دبلوماسي في بيروت
بدورها، تقول كيلي بيتيلو، الباحثة والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ DW "يمكن القول إننا بلغنا مرحلة المواجهة الإقليمية ضمنيا".
يأتي ذلك رغم تنامي الجهود الدولية الرامية إلى تهدئة الوضع خاصة جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للمنطقة والمباحثات التي أجرتها نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك فيبيروت مع رئيس الوزراء المؤقت نجيب ميقاتي على أمل وقف انزلاق المنطقة إلى حافة صراع إقليمي واسع النطاق.
يتزامن هذا مع اختتام آموس هوكشتاين، مستشار الرئيس الأمريكي لأمن الطاقة، محادثاته في بيروت على أمل التوصل إلى "حل دبلوماسي يسمح للمواطنين اللبنانيين بالعودة الى منازلهم في جنوب لبنان ويمكّن كذلك الاسرائيليين من العودة الى منازلهم" في الشمال، بحسب ما أفاد به للصحافيين.
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وتعتبر دول عديدة، من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول أعضاء في جامعة الدول العربية، حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. كما حظرت ألمانيا نشاطه على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية". وفي ضوء ذلك فإن مسؤولي هذه الدول لن يقدموا على التفاوض مباشرة مع الجناح السياسي لحزب الله.
الحكومة اللبنانية.. نفوذ محدود
ومنذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أكد ميقاتي مرارا وتكرارا على رغبته في منع انزلاق بلاده إلى حرب إقليمية، لكن خبراء يشيرون إلى نفوذ محدود يتمتع به رئيس الحكومة اللبنانية. وفي تعليقه، يقول هيكو فيمِن، مدير مشروع لبنان في مجموعة الأزمات الدولية، إن "ما قام به ميقاتي أو ما سيقوم به لا يهم في نهاية المطاف، إذ أن حزب الله يعد الطرف الذي سيقرر مسار الصراع".
وأضاف في مقابلة مع DW، أن الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية "في مقعد المتفرج. حزب الله يتبع مصالحه الاستراتيجية الخاصة التي لا تتطابق بالضرورة مع مصالح لبنان إذ أن الحزب جزء من تحالف محور المقاومة مع إيران وجهات فاعلة أخرى، يما يعني وجود أهداف سياسية أكبر بكثير من الدفاع عن لبنان أو الحفاظ على استقراره”.
ويعادي تحالف "محور المقاومة" الذي يضم إيران وحماس وحزب الله وفصائل عراقية شبه عسكرية، الولايات المتحدة وإسرائيل. ورغم ذلك، فإن ديفيد داود، الزميل البارز في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" وهي مؤسسة بحثية أمريكية فكرية تركز على الأمن القومي والسياسة الخارجية ومقرها واشنطن، يؤكد أن حزب الله "ليس منفصلا " تماما عن الساحة اللبنانية.
وفي مقال نُشر مؤخرا، قال داود إن مقتل العاروري "سوف يضع حزب الله أمام التزاماته تجاه محور المقاومة من جهة وأيضا أمام حاجته إلى التعامل مع الديناميكيات السياسية والاجتماعية داخل لبنان التي ينخرط فيها بشكل كامل". وأضاف أن "حزب الله يدرك جيدا أهمية الدعم الشعبي له للحفاظ على استمراريته وقوته، مما يعني أن الحزب لن يخاطر بتعريض هذا الدعم – حتى بين أنصاره - للخطر دون داع في حالة ما انخرط في مغامرة عسكرية مهما كان حجمها ضد إسرائيل".
الجدير بالذكر أن الجناح السياسي لحزب الله يمتلك تواجدا داخل البرلمان اللبناني ويدير مستشفيات محلية ومرافق أخرى يستفيد منها مؤيدوه.
من جانبها، تشير كيلي بيتيلو إلى حقيقة مفادها أن إيران وحزب الله لا يزالان يقييمان حتى الآن كيف سيكون الرد على مقتل العاروري رغم تصاعد الخطاب السياسي وتنامي حدة التوتر، مضيفة أن "الأمر يتسم بحساسية كبيرة وأي خطأ سوف يقضي على معادلة التوازن إذا جاز التعبير".
انعدام الثقة في قدرات الجيش
يتزامن ذلك مع شعور بعض اللبنانيين بعدم الثقة في قدرات القوات المسلحة، وهو ما دفع سيدة إلى القول في مقابلة مع DW: "نحن في حاجة إلى من يوفر لنا الحماية". ورأت السيدة - التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها - أن حزب الله يعد الكيان "الأقدر على تولي هذا الدور" لأن الجيش اللبناني محدود فيما يتعلق بالعدد والعتاد العسكري مقارنة بحزب الله.
وفي ذلك، تشير بيتيلو إلى أن "إيران وحزب الله لا يزالان حريصين على عدم الدخول في حرب شاملة،" لكنها قالت إن حزب الله وحماس يقومان – بدعم إيراني – "بالتخطيط للرد على الأحداث الأخيرة حيث يتعرضان لضغوط للرد". وأضافت الباحثة "لسنا متأكدين من ماهية هذا (الرد) ومتى سيكون؟ لكننا على يقين بشأن حدوثه".
أعده للعربية: محمد فرحان