لطالما كان لبنان وجهة سياحة ونقطة جذب لرؤوس الأموال وواحة للحريات السياسية في الشرق الأوسط. هذه الميزات تفرد بها لبنان لعقود. لكن في ظل التغيرات الجيوسياسية والانفتاح المرتقب في سوريا هل يحافظ لبنان على دوره في المنطقة؟
"التكامل الاقتصادي بين لبنان وسوريا أكبر بكثير من المنافسة"صورة من: Lebanese Presidency press office/AP/picture alliance
إعلان
"سويسرا الشرق الأوسط"... هذا الوصف لازم بيروت لعقود وحتى الأمس القريب. ولهذا الوصف أبعاد تعكس جغرافيا لبنان وطبيعته كوجهة سياحية، ونظامه الاقتصادي الحر الجذاب لرؤوس الأموال في ظل السرية المصرفية، والنظام السياسي الذي يضمن حرية التعبير والكتابة والفن إلى حد بعيد.
لطالما كان هذا دور لبنان في المنطقة في ظل محيط تحكمه أنظمة بالحديد والنار. فهل تهدد سوريا ديمقراطية، ذات اقتصاد حر، الوظيفة التي كان يتفرّد بها لبنان في المنطقة؟
رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا سيطلق مرحلة جديدة في البلاد بعدما طوت صفحة نظام البعث . ومن المتوقع أن يسهم هذا بتدفق الأموال والمساعدات لإعادة إعمار البلاد التي دمرت الحرب الأهلية معظم بنيتها التحتية ومدنها وقراها.
وسيسمح لسوريا بالعودة إلى النظام المصرفي العالمي وبالتالي إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد في بلد لديه مساحات شاسعة للنهوض بالزراعة، ويد عاملة للنهوض بالصناعة، وطبيعة ومناخ قد يسمح الاستقرار السياسي والأمني فيها لتطوير السياحة.
رفع العقوبات عن سوريا وفرص للبنان
في الرياض حضر الرئيس السوري أحمد الشرع وغاب الرئيس اللبناني جوزيف عون، لكن لبنان لم يغب عن كلمة ترامبصورة من: Bandar Al-Jaloud/Saudi Royal Palace/IMAGO
قد يبدو نظام ديمقراطي واقتصاد ليبيرالي حر في سوريا في الوقت الراهن أمرا بعيد المنال ودونه الكثير من المطبات والتحديات، خاصة بعد جولات التقاتل الطائفي التي شهدتها البلاد مؤخرا.
لكن إعلان ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا من الرياض جاء كأنه سفر بالزمن إلى المستقبل.
وأعطى لقاء ترامب-الشرع بحضور ولي العهد السعودي شرعية لرئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وحكومته. ويبدي الرجل براغماتية استثنائية مع الدول الغربية من خلال تطمينات عن حقوق المرأة ودمج وتمثيل وانفتاحه على معالجة ملفات حساسة في البلاد كالتعامل مع آلاف المقاتلين الأجانب في سوريا وإبعادهم عن دائرة القرار، وانخراطه في محادثات غير مباشرة مع إسرائيل وانفتاحه على تسوية طويلة الأمد بهذا الخصوص وصولا ربما إلى تطبيع العلاقات .
يقف لبنان عند مفترق طرق من كل هذا، فيما لا تزال البلاد تتعاطى مع تبعات الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، ومنها تأمين إعادة الإعمار وحل سلاح حزب الله والمنظمات الفلسطينية، إضافة إلى تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية الأسوأ في تاريخ البلاد.
قد يشكل رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتخلص من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان يشكلون ضغطا على سوق العمل والبنى التحتية، حيث قد يسمح الواقع الجديد بتدفق المساعدات الدولية إلى سوريا ويدفع بملايين النازحين السوريين للعودة إلى بلادهم مع إمكانية الاستفادة من التقديمات والمساعدات في الداخل السوري.
وسيسمح وصول سوريا إلى الأسواق العالمية بحرية الاستيراد والتجارة وبالتالي انخفاض أو حتى وقف حركة تهريب البضائع والمحروقات من لبنان عبر المعابر غير الشرعية على طول الحدود البرية.
ويرى لبنان في رفع العقوبات الاقتصادية فرصة لاستجرار الكهرباء والغاز الطبيعي عبر سوريا، للتخلص من أزمة الطاقة التي استنفذت لعقود حوالي نصف الميزانية العامة وشكلت عبئا هائلا على اقتصاد البلاد المتهالك. وهذا مشروع بنيته التحتية شبه جاهزة لكن العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي على سوريا حال دون تنفيذه لسنوات.
إعلان
التكامل الاقتصادي والمنافسة
يرى الدكتور سامي نادر، الخبير الاقتصادي ومدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، أن التكامل الاقتصادي بين لبنان وسوريا أكبر بكثير من المنافسة لأن طبيعة البلدين مختلفة كما تراكم المعرفة والميزة التنافسية لكل منهما، ويقول "سوريا تمتلك مساحات زراعية ويد عاملة مثلا فيما يمتلك لبنان عقول وخدمات مختلفة مثل التكنولوجيا والخدمات المصرفية."
ويضيف نادر في اتصال مع DW عربية أن سوريا تعتبر جزءً من عمق لبنان الاقتصاديخصوصا أن المسافة بين بيروت ودمشق قريبة جدا وبالتالي سوريا ممر برّي إلزامي لحركة البضائع اللبنانية والعكس صحيح.
رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتخلص من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان يشكلون ضغطا على سوق العمل والبنى التحتية (أرشيف)صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naaamani
ويرى نادر أن انفتاح سوريا يشكل فرصة لإنشاء أسواق مشتركة، " السوق اللبناني الذي يخدم حوالي 5 ملايين لبناني والسوق السوري الذي يخدم حوالي 20 مليون سوري، قد يصبح سوقا يخدم 25 مليون نسمة، وبالتالي المنافسة لن تكون بين البلدين بقدر ما ستكون منافسة بين الوحدات الإنتاجية في كلا البلدين."
الغلبة للدولة التي تتقدم بوتيرة أسرع
وفيما يرى نادر الكثير من الإيجابية في الانفتاح الاقتصادي لسوريا لا يخفي تخوفه على دور لبنان الإقليمي
إذا لم تواكب الدولة اللبنانية سرعة التحولات في المنطقة؛ "إذا سبقت دمشق بيروت بالمصالحة مع دول الخليج والعلاقات الجيوسياسية في المحيط سيكون لها الأفضلية لالتقاط الفرص السياسية والاقتصادية." ويعتبر نادر أن التقدم في الإصلاح السياسي والتموضع الجيوسياسي في المكان والزمان المناسبين سيعطي الغلبة للدولة التي تتقدم بها بوتيرة أسرع.
في الرياض حضر الرئيس السوري أحمد الشرع وغاب الرئيس اللبناني جوزيف عون، لكن لبنان لم يغب عن كلمة ترامب في القمة التي عقدها مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث قال "في لبنان هناك فرصة جديدة للمستقبل بعيدا عن قبضة حزب الله، إذا استطاع الرئيس ورئيس مجلس الوزراء بناء دولة جديدة".
فهل يقتنص لبنان هذه الفرصة؟
تحرير: عبده جميل المخلافي
بعد نصف قرن.. آثار الحرب الأهلية حاضرة في بيروت
بيروت روحها شرقية ونقطة التقاء ثقافات ظهرت على تراث منازلها ومبانيها. آلاف منها على شفا الانهيار بعد أن صمدت خلال الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 ولاتزال شاهدة على الحرب بعد نصف قرن.
صورة من: Alkhashali/DW
بقيت الجدران وغاب أهلها!
تطور البناء العمراني في بيروت منذ الفترة العثمانية، وتأثر بالعمارة الدمشقية. المنازل الكبيرة كانت سكنا للأغنياء والمترفين بينما كانت المنازل المشيدة من الخشب والصفيح من حصة الفقراء. بيروت توسعت كثيرا، خلال 150 عاما خصوصا بعد ظهور مينائها خلال الفترة العثمانية، الحرب الأهلية أثرت كثيرا على المدينة، فتركها كثير من سكانها.
صورة من: Alkhashali/DW
بيروت .. بغداد والقاهرة ودمشق
البيوت البيروتية استلهمت عمارتها الشرقية في أواخر الحكم العثماني، على طراز البيوت العربية القديمة الموجودة في دمشق والقاهرة وبغداد، كان البناء يعتمد على عوامل المناخ والأعراف والتقاليد الاجتماعية المبنية على الأصول الدينية.
صورة من: Alkhashali/DW
بيروت القديمة
مبنى في "الجميزة" قرب الميناء، لم يعد صالحا منه للسكن سوى طابقه الأرضي. الطابق الأول من سقف يحمي المبنى، عمر المبنى غير معروف. "الجميزة" من أولى المناطق التي ظهرت في بيروت تاريخيا بسبب قربها من المرفأ. التسمية لها علاقة بشجرة الجميز. منازل مثل هذا بعضها غُمّرت وغادت لها الحياة، وبعضها مهمل في انتظار من ينقذها.
صورة من: Alkhashali/DW
سوء حظ
من سوء حظ صاحب السيارة هذه، أنه قرر ركنها عند هذا المنزل القديم. الحجر الرملي يستعمل كثيرا في بيروت وهو لا يصمد أمام تغيرات البيئة. بسبب الأمطار انهار جزء من المنزل القديم الذي يبلغ عمره أكثر من 150 عاما.
صورة من: Alkhashali/DW
عودة الحياة
بجوار المنزل المنهار السابق يقف جاره هذا. المنزل يرمم من قبل جمعية إسلامية، قررت إعادة إحيائه واتخاذه مقرا لها بسبب قيمته التاريخية في منطقة مار إلياس. مهمة ترميم المباني تواجه صعوبات بسبب ارتفاع التكلفة. البعض يقرر تدمير المبنى وإنشاء عمارات حديثة. لكن هناك مشاكل قانونية متعلقة بحقوق الورثة أو مشاكل بين المؤجرين والمستأجرين.
صورة من: Alkhashali/DW
شبح منزل
منزل كبير لم يبق منه سوى شبح منزل يتوسط مباني وشقق سكنية في منطقة زقاق البلاط. لا عناوين ولا لوحات على المبنى تظهر تأريخه أو قيمته التراثية. لكن موقعه وحجمه يظهر قيمته حينها.
صورة من: Alkhashali/DW
حرب الفنادق!
بعض المبان دمر خلال الحرب الأهلية، فمثلا بات فندق "هوليداي إن" ضمن منطقة حرب اندلعت في 25 أكتوبر 1975 في صراع طويل عرف باسم "معركة الفنادق"، هناك تحارب أكثر من 25 ألف مقاتل من أجل السيطرة على مجموعة من الفنادق الفخمة الشاهقة بما في ذلك فندق هوليداي إن وفندق فينيسيا بيروت المجاور، مما أدى إلى مصرع أكثر من ألف شخص.
صورة من: UPI/dpa/picture alliance
شاهد على مأساة الحرب
المباني الحديثة ترتفع حول الفندق الذي لم يبق منه سوى هيكله الخرساني. المبنى بقي شاهدا على حرب امتدت لعقد ونصف راح ضحيتها مئات آلاف اللبنانيين. كان الفندق على خط التماس بين الكتائب وعناصر حركة فتح الفلسطينية.
صورة من: Mohamad Chreyteh
سينما "البيضة"
سينما "سيتي بالاس" أو "البيضة" نسبة للشكل البيضوي، هي جزء من مبنى متكامل كان اسمه "سيتي سنتر"، أو "الدوم"، وصنّف على أنه أكبر مبنى تجاري كبير في بيروت أثناء تشييده عام 1965 ليمثل أول مول تجاري في منطقة الشرق الأوسط. تحول خلال الحرب الأهلية إلى مكان للقنص فقد كان يتوسط خط التماس بين المتحاربين حينها.
صورة من: Alkhashali/DW
بين الغرب والشرق
سقف منزل متروك منذ عقود، الطراز المعماري الذي ظهر قبل أكثر من 150 عاما، انتشر في مناطق المسيحيين والمسلمين على حد سواء، فظهرت هوية "بيروتية خاصة" للفن المعماري للمدينة. يرى معماريون أن بيروت مثلت نقطة لقاء بين الشرق والغرب، فتعدد الثقافات فيها ظهر على تراثها المعماري.
صورة من: Alkhashali/DW
جدران بلا حياة
إنشاء ميناء بيروت كان نقطة تحول في حياة المدينة فتحول بناء البيوت من شرف خشبية صغيرة إلى منافذ واسعة مبنية على الطراز الشرقي. حصل التحول المعماري في مرحلتين، في نهاية الحقبة العثمانية الطويلة، اتسعت رقعة المدينة وتخطت الحدود التي عُرفت بها في القرون الوسطى. فارتفعت فيها مبان بطابع حديث. ثم تطور في العهد الفرنسي فظهرت مبان سكنية بطوابق. جاء التحول نتيجة للنمو السكاني الكبير الذي شهدته بيروت.
صورة من: Alkhashali/DW
بيت بيروت
بيت بركات شيد عام 1924، في عام 1997 قرر مالكوه بيعه، فأنقذه نشطاء. بعد احتجاجات وحراك لإنقاذ المبنى جرى تعليق قرار تدميره، وفي عام 2003 أصدرت بلدية بيروت قرار نزع الملكية للمنفعة العامة.
صورة من: Abbas Al-Khashali/DW
مبنى على خط التماس
في مرحلة إعادة الإعمار التي أعقبت الحرب الأهلية اللبنانية هدمت العديد من المباني المهمة، النشطاء تمكنوا من إنقاذ عدد منها، وأصبح مبنى بركات بواجهته وصف أعمدته يتخلله الرصاص رمزًا ومذكرا بالحرب الأهلية في بيروت، فقد كان على خط التماس في منقطة "سيديكو" في الأشرفية.
صورة من: Abbas Al-Khashali/DW
وحدها واجهة المنزل
لم يبق من المنزل هذا سوى جداره الخارجي الذي يحاول الصمود أمام ظروف صعبة. يقع المنزل في الأشرفية، البعض يرى في بقائه بعد انفجار مرفأ بيروت، أعجوبة. منظمة اليونسكو أعلنت أن 640 من الأبنية التراثية تضررت جراء الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/ آب الحالي، وأن ستّين منها معرضة للانهيار.
صورة من: Alkhashali/DW
منازل أنهارت وأخرى مهددة
يرى مؤرخون أن الطراز المعماري في بيروت "حداثي" فهو مزيج بين الشرق والغرب في بعض جوانبه الفنية. أكثر من ألف منزل تاريخي بحاجة إلى إعادة الإعمار، كي تحافظ المدينة على تأريخها وتراثها. فيما تقول مصادر رسمية إن نصف هذه المنازل قد انهارت فعلا. جل المنازل المتبقية مهددة فعلا بالاندثار، إن لم تتحرك السلطات لإنقاذها. عباس الخشالي/ بيروت.