1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رقصة هارلم شيك في تونس – من تقليد عالمي إلى رقصة للحرية

خالد بن بلقاسم٦ مارس ٢٠١٣

موجة رقص الهارلم شيك وصلت تونس كما وصلت غيرها من الدول، لكنها اتخذت هناك بعداً سياسياً أتى متناغماً مع ما تشهده البلاد من نزاع سياسي، إذ رأى فيها الشباب طريقة للتعبير عن مضامين ومواقف عدة.

صورة من: Taieb Kadri

رقص الفتيان والفتيات التونسيون في الكليات والمعاهد الثانوية، ورقصوا أمام المجلس التأسيسي وقبالة وزارة التربية وفي الشوارع والمقاهي. لكن رقصتهم الأولى، التي كانت من ضمن موجة اجتاحت العالم نشرت رقصة ظريفة ابتدعها الدي جي الأمريكي هاري رودريغس المعروف بباور، كانت عفوية في البدء، أداها بعض الطلاب في أبو مسلم الثانوي وانتشر فيديو لها على اليوتيوب، وعلى إثره أمر وزير التربية عبد اللطيف عبيد بفتح تحقيق. هذا القرار دفع بالكثير من التلاميذ والطلبة في مختلف مدارس ومعاهد تونس إلى تنظيم رقصات جماعية في نوع من التحدي لقرار وزير التربية وأتباع التيار الديني الذين يحاولون منعهم من الرقص.

عن ذلك تقول الطالبة آمنة سلطاني، التي شاركت في رقصة هارلم شيك: "في البداية كنت ضد هذه الرقصة وكنت أعتبرها رقصة مائعة، ولكن على إثر فتح تحقيق من طرف وزير التربية ضد تلاميذ المعهد الثانوي الإمام مسلم بضاحية المنزه قررت المشاركة في الرقص الذي أعتبره فناً قائماً بذاته ووسيلة تعبير".

ويعتبر الكثير من الشباب أن ثقافة الحرية التي كرستها الثورة يجب أن تعزز وألا يقع المساس بها تحت أي ذريعة كانت، سياسية أو دينية.صورة من: Taieb Kadri

مجابهة ضغط الواقع السياسي

ويعتبر الكثير من الشباب أن ثقافة الحرية التي كرستها الثورة يجب أن تعزز وألا يقع المساس بها تحت أي ذريعة كانت، سياسية أو دينية. ويعتبرون أن الرقص وسيلة للتعبير وللترفيه عن النفس وفناً من الفنون. ويقول أيوب الحيدوسي في حوار مع DW: "قمنا برقصة هارلم شيك التي تعد باتت ظاهرة عالمية للترفيه عن النفس، وكذلك لمجابهة ضغط الواقع السياسي". ويضيف الطالب في معهد الصحافة بتونس بالقول: "نظمنا الرقصة داخل الفضاء الجامعي بعد الحصول على ترخيص من الإدارة. ونرى أنه من حقنا كطلبة أن نعبر بالرقص والمسرح والسينما، ما لم يتعارض ذلك مع أخلاقنا". ويوضح الحيدروسي أن الرقصة بدأت بخمسة طلاب، لكن عدد المشاركين زاد مع الوقت لتبلغ قرابة 150 طالباً وطالبة داخل فضاء معهد الصحافة التونسي.

تعامل حذر

لكن الطالب في معهد الصحافة التونسي يشير إلى أن اعتداء "بعض المحسوبين على التيار الديني" على عرضهم الشبابي داخل الحرم الجامعي يعد محاولة فاشلة لفرض الرأي بالقوة والعنف.

الطالبة فاطمة بن حمد شاركت في هذه الرقصة للتعبير عن التضامن مع تلاميذ معهد الإمام مسلم بالمنزه.صورة من: DW/K.B.Belgacem

محاولة بعض السلفيين لمنع رقص طلبة معهد الصحافة التونسي لم تكن الوحيدة، فقد قام بعضهم بالاعتداء بالضرب على طلبة المدرسة الثانوية بالرقاب، التابعة لسيدي بوزيد، وذلك لثنيهم عن محاولة رقص الهارلم شيك، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، التي تابعت أن السلفيين كانوا مسلحين بهراوات.

محاولات التيار السلفي هذه أتت متزامنة مع دعوة أحد شيوخه إلى "التعامل بحذر" مع طلاب المدارس والجامعات الذين يرقصون رقصة الهارلم شيك، التي اجتاحت مقطعها المصورة مواقع التواصل الاجتماعي. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أبو صهيب التونسي قوله في محاضرة دينية بثت على شبكة فيسبوك: "بعد خروج المتنطعين في المدارس وظهورهم بهيئة غير لائقة (..) أنبه إخواني (السلفيين) وخاصة (منهم) الطلاب في التعامل معهم بحذر"، مضيفاً أن جهات لم يسمها تريد أن "تقع الفوضى والإشكاليات في المدارس بين إخواننا (السلفيين) وهؤلاء" الطلاب.

من جانبه قال الشيخ البشير بن حسن على صفحته على الإنترنت إنه يعتبر هذه الرقصة "حلقة من حلقات الاستفزاز" ويرى أن من رقصها، في إشارة إلى تلاميذ معهد الإمام مسلم، قد يكونوا "مدفوعين من قبل جهة من الجهات". ودعا المتدينين من الأستاذة والطلاب إلى "عدم الانجرار خلف هذه الظاهرة بردة فعل عنيفة" والتعامل مع الطلاب "بالنصيحة والتوجيه".

ويبدو أن رد فعل بعض التيارات الدينية ومحاولتها إفساد بعض العروض أو الرقصات جعل العديد من الشباب يدخل في نوع من التحدي ليرقص هذه المرة بمدلولات ومعان سياسية. ومنهم الطالبة فاطمة بن حمد، التي توضح أنها شاركت في هذه الرقصة كمبادرة طلابية بحتة للتعبير عن التضامن مع تلاميذ معهد الإمام مسلم بالمنزه، وتؤكد فاطمة في حوار مع DW عربية أن "الموقف الرافض لهذه التعبيرات الثقافية وخصوصاً من قبل بعض الطلبة والأطراف المحسوبة على الإسلاميين في الجامعة جعلني انخرط في هذا الرقصة وأساهم في إنجاحها". وتشير فاطمة من جهة أخرى في حديثها عن هذه الرقصة إلى "أن الشباب يعيش تحت الضغط، وأن الرقص قد يساهم في التنفيس والترويح عنه".

إرهاب فكري؟

ويذهب عدد من المهتمين بالشأن التونسي إلى أن سعي التيار الديني لإجهاض رقصات هارلم شيك لا يعدو أن يكون "محاولة لضرب كل ما هو مخالف وسعي لإرساء نمط مجتمعي معين بالقوة". وتضيف الطالبة خديجة السويسي في حوار مع DW عربية "أن بعض المحسوبين على التيارات الدينية داخل الجامعة حاولت إفساد عرض هارلم شيك بمعهدها إلا أنها فشلت في ذلك". ويوافقها زميلها محمد فضيل حركاتي، الذي يعتبر أن "هذه الأطراف تحاول فرض سيطرتها على الجامعة عبر ممارسة إرهاب فكري ومادي على الطلبة". ويرى وزميلته أن رقصة هارلم شيك أصبحت اليوم تعتبر طريقة احتجاجية جديدة للرفض ولتحدي أنصار السلطة الذين يتخيلون أنهم يملكون الحقيقة ويمثلون الأخلاق.

آمنة سلطاني: "قررت المشاركة في الرقص الذي أعتبره فناً قائماً بذاته ووسيلة تعبير".صورة من: DW/K.B.Belgacem

واهتمت وسائل الإعلامية الأجنبية بهذه الظاهرة التي تعبر عن تحدي الشباب لحكومة الائتلاف القائمة وانتفاضاً ضد محاولات فرض نمط مجتمعي وفكري معين. فقد أفردت كبرى الصحف والقنوات العالمية مساحات لهذه الظاهرة وقد ساهم هذا الاهتمام في تعزيز إصرار الشباب على الرقص في الشوارع وفي الساحات. ويرى كثيرون أن وسائل الإعلام الأجنبية حمّلت هذه الظاهرة معاني ثورية رافضة لم تكن تحملها في البداية، لكن البعض يرى عكس ذلك، إذ أن الرقص في الشارع يحمل في طياته رفضاً للواقع السائد وتصدي لمحاولات الحد من الحرية.

نتيجة عكسية

من جانبها ترى فتحية السعيدي، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة التونسية، في حديث لـDW عربية أن "انتشار رقصة الهارلم شيك هو نتيجة عكسية للضجة التي أثيرت حول هذه الرقصة بأحد المعاهد الثانوية، وأصبحت ردة فعل راقصة لنمط ما ولصورة اجتماعية ما وتعبير على أن تونس بلد منفتح على العالم وأن الرقص هو شكل من أشكال التعبير عن حب الحياة".

وتعتبر السعيدي أن الرقصة تحمل اليوم مدلولات سياسية، إذ تقول "أنها نتيجة مباشرة للتنفيس الانفعالي في وضع سياسي ضاغط ومتحرك وفي مناخ اجتماعي تقلصت فيه وسائل الترفيه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى". وتضيف أستاذة علم الاجتماع بالقول: "هذه التعييرات الشبابية تحمل في ذاتها رسائل ومضامين ومواقف يتم التعبير عنها بأشكال اتصالية وإبداعية متعددة منها الرقص على غرار العمل الذي قامت به مجموعة من الشباب المنتمي لجمعية "فن وحلول" بمعية المخرج بحري يحمد، والمتمثل في الرقص الجماعي في الفضاء العام أطلق عليها رقصة المواطنة". وتعتبر السعيدي أن ذلك "مثال حي على أن هذه التعبيرات الشبابية لها جانب توعوي وتربوي وثقافي يهدف إلى نشر ثقافة المواطنة التي يرى البعض أنها مستهدفة".

وتوضح أستاذة علم الاجتماع أن "هذه التعبيرات الشبابية مهمة ويجب فهمها في إطارها بدل إثارة جدل عقيم حولها من شأنه أن يساهم في إحداث موجات عنف وردود فعل عكسية".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW