رقص على فوهة بركان ـ ميرتس يجتاز اختبار ترامب بأقل الأضرار
٧ يونيو ٢٠٢٥
تابع المراقبون في ألمانيا وأوروبا أول زيارة للمستشار الألماني فريدريش ميرتس لواشنطن باهتمام وترقب، بالنظر إلى توترات العلاقات مع الولايات المتحدة منذ تولي ترامب منصبه، حيث استفاض المعلقون في تحليلاتهم بشأن قدرة ميرتس على التعامل مع شخصية ترامب المثيرة للجدل، وعما إذا كان الرجلان سيتمكنان من بناء علاقة شخصية جيدة.
وسبق لميرتس أن أكد في أكثر من مناسبة سعيه لإعطاء انطلاقة جديدة للتعاون المُحسّن في الملفات السياسية الخارجية الرئيسية.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي، أثار ترامب استياء حلفاء واشنطن الرئيسيين بسبب سياسة "أمريكا أولًا" المتشددة. على مستوى حلف شمال الأطلسي، هدد ترامب بالامتناع عن تقديم الحماية والدعم للدول الأعضاء التي لا تفي بمستوى الإنفاق العسكري المطلوب داخل الحلف، وفي الملف الأوكراني، تثار المخاوف من أن ترامب قد يسحب الدعم الأمريكي، مما يعرض أوكرانيا لخطر السقوط في يد روسيا. إضافة إلى إعلانه الأخير بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم في إطار سياسته التجارية الشرسة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "هانلسبلات" الاقتصادية الألمانية (الخامس من حزيران/يونيو 2025) معلقة: "وصل ميرتس إلى واشنطن التي تُعتبر فيها الرسوم الجمركية أداة ضغط في السياسة الخارجية لإجبار الدول على التراجع (..) أما الناتو فينظر إليه في أحسن الأحوال أنه شر لا بد منه، وقبل كل شيء أداة للضغط من أجل تنازلات تجارية".
ودعت الصحيفة إلى فهم دقيق لشخصية ترامب واستطردت: "هناك فرق كبير يتم إغفاله في التمييز بين ترامب الأول وترامب الثاني والذي يكمن في طبيعة وهيكل السلطة الشخصية. ترامب هو صانع القرار المركزي. يتم اختيار كبار معاونيه المعروفين بـ "المسؤولين الرئيسيين" بناءً على ثرواتهم الشخصية بشكل أساسي. النفوذ الحقيقي يمتلكه فقط أولئك الذين تقترب ثرواتهم من ثروة ترامب".
مهمة ميرتس ـ بناء ثقة شخصية مع الأسد في عرينه
رغم الخلافات السياسية والتجارية بين البلدين، جرى اللقاء بين المستشار ميرتس والرئيس ترامب في أجواء ودية حيث استقبل الضيف الألماني بحرارة. ووفق معظم المعلقين، نجح ميرتس في تجاوز اختبار اللقاء مع ترامب دون أن يتعرّض لتوبيخ على غرار ما جرى للرئيسين الأوكراني والجنوب إفريقي. وقال ترامب لضيفه "لقد أوكل إلينا شعبنا مهمّة، وجزء من هذه المهمّة هو بناء علاقة جيدة جدا مع بلدكم. لذا، أود أن أشكركم على حضوركم هنا".
ميرتس لعب في زيارته على وتر خاص، إذ أهدى للرئيس الملياردير نسخة من شهادة ميلاد جده الألماني، ودعاه إلى زيارة أراض أسلافه.
ونشأ جد ترامب، المولود في عام 1869 فيما كان يعرف آنذاك بمملكة بافاريا، في كالشتات، وهي قرية نائية على ضفة نهر الراين جنوب فرانكفورت. وولدت، إليزابيث، جدة ترامب لأبيه، في الشارع المقابل من منزل ترامب في كالشتات.
وبهذا الصدد كتب موقع "شبيغل أونلااين" الألماني (الخامس من حزيران/يونيو 2025) الألماني معلقا: "أحيانًا يحتاج الإنسان إلى قليل من الحظ، وفريدريش ميرتس حظي بالكثير منه اليوم: حظٌ بلقاء دونالد ترامب، في مزاج جيد وغير عدواني، وحظٌ بعدم تدخل نائب الرئيس ج. د. فانس، المعروف بكراهيته لأوروبا، بتعليقات لاذعة كما حدث قبل أشهر خلال الزيارة الكارثية لفولوديمير زيلينسكي، وحظٌ أيضًا بصمت وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، رغم أنه تحدث مؤخرًا عن "طغيان" في ألمانيا بعد تصنيف حزب البديل من أجل ألمانيا كعدو للدستور (..) وحظٌ لكون الحكومة الأمريكية لم تكن تسعى لإثارة ضيفها الألماني أو إحراجه أو إذلاله بل بالعكس، أرادت أن تقدّم له استقبالًا ودودًا وغير معتاد. لكن أكبر حظ لفريدريش ميرتس كان: أنه لم يهتم أحد هنا حقًا به، أو بألمانيا، أو بأوروبا" يقول الموقع.
أوكرانيا وروسيا ـ "فلندعهما يتقاتلان لبعض الوقت"
موضوع حرب أوكرانيا يوجد في مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية الألمانية، ولا شك أن ميرتس بذل جهدا خلال لقائه مع ترامب لإبقائه منخرطًا في جهود إنهاء الحرب، رغم أن ترامب يرى أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الأوروبيين. وكان ميرتس قد التقى في بداية الأسبوع مع السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام في برلين، والذي يُحضّر في مجلس الشيوخ لحزمة عقوبات صارمة تشمل دولًا تستورد النفط والمواد الخام من روسيا، وفي مقدمتها الصين. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيدعم هذه المبادرة، التي تستهدف روسيا بشكل مباشر. وبهذا الشأن قال ترامب في حضور المستشار ميرتس إنه ربما يكون من الأفضل ترك أوكرانيا وروسيا في "القتال لفترة من الوقت" قبل الفصل بينهما، ثم السعي بعد ذلك إلى السلام. وشبه ترامب هذه الحرب بطفلين يكرهان بعضهما البعض. وأضاف ترامب أن التهديد بفرض العقوبات ما زال قائما. وأشار إلى أنه يمكن أن يتم فرض عقوبات على أوكرانيا وروسيا معا.
وتحولت ألمانيا لأهم حليف لأوكرانيا منذ عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض. وهذا ما ذهبت إليه صحيفة "كوميرسانت" الروسية (29 أيار/مايو 2025) اليومية الروسية حين علقت على زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى برلين وكتبت "ألمانيا، هي ثاني أكبر مزوّد لالسلاح لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، وقدمت الآن لقيادة "حزب الحرب" الأوروبي بعد تغير السلطة في واشنطن، دون أن تفقد الأمل في جذب الرئيس ترامب إلى صفها. وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، الذي زار واشنطن في نفس يوم زيارة زيلينسكي لبرلين، دعا إلى تجاوز الخلافات مع الإدارة الأمريكية وزيادة الضغط المشترك على موسكو".
تشبث بالشراكة مع واشنطن رغم أزمة الرسوم الجمركية
قبيل مغادرته إلى واشنطن، كتب المستشار ميرتس على منصة إكس "إن تحالفنا مع أميركا كان وما زال يحمل أهمية بالغة بالنسبة لأمن وحرية وازدهار أوروبا". ويبدو فعلا أن ازدهار أوروبا بات على المحك في خضم الحرب التجارية التي تشنها إدارة ترامب على العالم بما في ذلك حلفائها التقليديين. زيارة ميرتس تتزامن مع تشديد لهجة ترامب تجاه الرسوم الجمركية، إذ بات شبح تعريفات بنسبة 50 في المئة يرتسم في الأفق حيث هدد بفرضها على السلع الأوروبية. غير أن ميرتس شدد على أنّ الاتحاد الأوروبي يجب أن يتفاوض مع واشنطن بثقة، قائلا "لا نتوسل". ميرتس نجح على الأقل في تجنّب هجوم مباشر لترامب الذي وبخ بدلا منه إيلون ماسك، على خلفية انتقاداته لمشروع قانون الميزانية الضخم. ومن موقعه كمستشار لأقوى اقتصاد في أوروبا، يقدم ميرتس عددا من الحجج التي تظهر أن الرسوم تضر بجميع الأطراف. كما أنه لا يرى أي سبب للظهور في واشنطن بمظهر "الملتمِس" أو "المتسول" بالنظر للثقل الذي يمثله اقتصاد أوروبا.
ويرى المستشار أن الرئيس ترامب مهتم بجدية بالتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن النزاع الجمركي. وقال ميرتس في تصريح أدلى به لشبكة DW "دويتشه فيله" بعد لقائه بترامب في واشنطن "هذا ما استنتجته من حديثنا المشترك. إنه فعلاً مستعد للتوصل إلى اتفاق في المجال التجاري (..) إذا تمكنا من تحقيق ذلك في إطار زمني معقول، نكون قد أنجزنا أكثر بكثير مما حققته الحكومات السابقة على جانبي الأطلسي. وهذا بالفعل أمر إيجابي للغاية".
وكان ترامب قد فرض بالفعل رسومًا جمركية عقابية بنسبة 50% على واردات الصلب والألمنيوم، بما في ذلك من دول الاتحاد الأوروبي. كما هدد بفرض رسوم جمركية عامة على السلع الأوروبية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول التاسع من يوليو/ حزيران المقبل.
توافق على زيادة الانفاق الدفاعي
فيما يخص حلف الناتو، حمل ميرتس معه تعهد الحكومة الألمانية الجديدة بزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير في السنوات المقبلة، بحيث يصل في النهاية إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشمل ذلك 3.5% للإنفاق العسكري المباشر و1.5% للبنية التحتية ذات الصلة بالدفاع. هذا التعهد جعل انتقادات ترامب القديمة لألمانيا بشأن ضعف إنفاقها العسكري غير ذات جدوى بعد الآن. ومن المقرر انعقاد قمة الناتو المقبلة في لاهاي في نهاية يونيو/ حزيران الجاري، حيث يُنتظر اتخاذ قرار يلزم الدول بزيادة إنفاقها الدفاعي. ويأمل الأوروبيون أن يُعلن ترامب عن التزام واضح من الولايات المتحدة تجاه الحلف.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "فيزر كورييه" الألمانية الصادرة في مدينة بريمن الألمانية (الخامس من حزيران/يونيو 2025) معلقة: "روسيا تقصف، منذ غزوها لأوكرانيا، الهيكل الأمني الأوروبي يوميًا وتحوّله إلى أشلاء. لذلك لا يجوز لأوروبا أن تثق مجددًا بروسيا تحت حكم بوتين، ويجب أن تستثمر أكثر في دفاعها الذاتي. لهذا السبب، سنعود في ألمانيا إلى إنفاق نفس القدر من الأموال على الدفاع كما كنا نفعل آخر مرة في زمن الحرب الباردة. ولأول مرة، ينبغي أيضًا إدخال خدمة إلزامية عامة، ليس فقط من أجل ضمان توفر عدد كافٍ من الجنود والجنديات للخدمة الصعبة في حمل السلاح، بل أيضًا لأن ذلك سيعيد الخدمة المدنية ذات القيمة التي لا تُقدّر بثمن".
تحرير: خ.س